شوف تشوف

الرأي

تسع وتسعون نعجة

بما أن سوق السياسة أصبحت كاسدة، ولأن القضية يبدو أنها ستطول أكثر مما هي عليه، في انتظار تحديد لائحة الذين سيستفيدون مستقبلا من تعويضات الأواني المعدنية، هيا بنا إلى ورزازات.
وبما أن حادثة السير التي وقعت الأسبوع الماضي، في الطريق الرابطة بين مراكش وأكادير، جعلتنا نتحسر لفترة على مأساة التنقل في هذا البلد، لا بأس أن نتحدث عن طريق أخرى، أقل شهرة، لكنها أكثر بأسا وأشد خطورة. ويتعلق الأمر بالمتاهة التي كانت تربط مراكش بالجنوب الشرقي قبل مجيء الطريق السيار.
عندما تذهب إلى ورزازات، ليست تيشكا هي الطريق الوحيدة التي يمكن أن تسلكها للوصول إلى هناك. توجد طريق أخرى أصبحت مهمشة بعدما كانت خلال الخمسينات، هي المعبر الأكثر وجهة للوصول إلى الجنوب. أنشأها الفرنسيون خلال الثلاثينيات، وتعمدوا أن يجعلوا منعرجاتها امتحانات لرؤية الموت عن قرب، وهكذا تجد أنه يتوجب عليك أن تلف في مكانك لأزيد من ثلاث ساعات لكي تُنهي جبل «تيزي نتاست» الذي حُفرت الطريق إياها على جنباته في تحد صارخ للطبيعة، والذي تحمل تلك الطريق المتعرجة اسمه إلى اليوم. هناك سيارات أجرة قديمة من طراز «الأوبل» المنقرض، اعتادت أن تقطع تلك المسافة وصولا إلى قمة الجبل، لثلاثين سنة متواصلة. سيارات مطلية باللون الأخضر، تبدو من الأعلى كقطع من العشب التي يستعملها جنود «المارينز» للتضليل أثناء الحروب، وهي تتسلق بصبر للوصول، وتطوي المنعرجات بلا ملل لعقود.. ولا شيء تغير.
أحد المنتجين الأجانب انتبه إلى تلك الطريق أثناء الإعداد لتصوير فيلم «توم كروز» الشهير «المهمة المستحيلة» وكان ينوي أن يصور مشهدا يقود فيه توم كروز دراجة رياضية سريعة يصعد بها الجبل، لكنه خاف على حياة الممثل الشهير، وهكذا تم تصوير المشهد نفسه في منعرجات «تيشكا» التي يظن المغاربة والأجانب أيضا أنها الأكثر خطورة. في حين أن تيزي نتاست تنام في هدوء، وتكاد لا يعرفها أحد.
حتى عندما كان طواف المغرب للدراجات الهوائية، في نسخه الأولى، يمر من تيزي نتاست، فقد كان أغلب الدراجين يحفرون ركبهم على جنبات الطريق ومنهم من فقد دراجته بسبب خطأ في تقدير سرعة الدوران. وقيل إن الدّراج الشهير «لكرش» الذي توفي قبل فترة، كان يعرف مدى خطورة تلك الطريق.
اشتهرت ورزازات ولم تشتهر تلك الطريق التي كانت اختيارا إجباريا للكثيرين للوصول إليها عبر الطريق الوطنية رقم 10. وبما أننا تحدثنا عن السينما، لا بأس أن نذكر بأن فقراء القرى النائية هناك، يُعتبرون ثروة وطنية حقيقية لا ينتبه إليها إلا المخرجون الأجانب. حتى أن أحد الرعاة كان منهمكا سنة 2003 في حراسة ستة رؤوس من النعاج المنهكة التي تشارف على الموت بسبب الجفاف، فإذا بسيارة فارهة تتوقف على جانب الطريق، وينزل منها منتج الفيلم ليحقق رغبة المُخرج لتصوير مشهد عنيف تمر فيه شاحنة حربية، وتطحن تلك النعاج. عرض على الراعي الفقير مبلغا محترما مقابلها، وأمسكه بدون تردد لكنه اشترط شرطا غريبا، وهو أن يدخل إلى مكان التصوير فور انتهاء المشهد لإنقاذ ما يمكن أن يتبقى من نعاجه. ضحك منه الجميع ظنا منهم أن الشاحنة العسكرية المستعملة في التصوير لن تُبقي على أي نعجة من نعاجه الست. وافق المخرج وبدأ التصوير. وفور مرور الشاحنة بسرعة جنونية لحقها الراعي ليزيد المشهد قوة، محاولا إنقاذ نعاجه دون أن تكون لديه أي نية للدخول في المشهد. في الأخير ماتت نعجتان لأن الشاحنة صدمتهما في الرأس، وكُتبت لأربع نعاج منهكة بالجفاف حياة جديدة. حصل الراعي على المال، وعاد إلى القرية لشتري رؤوسا جديدة، وفي فترة قصيرة أصبح لديه قطيع حقيقي من الخراف، إلى درجة أنه أصبح يلاحق فرق التصوير التي تأتي إلى ورزازات، ويسأل عن أي مُخرج يريد استعمالها في التصوير، حتى لو اضطر إلى طحنها جميعا. لكن الطريف أن أحد المنتجين المغاربة اشترى نعجة واحدة وأراد كراء نعاج أخرى من صاحبنا لكنه عرض عليه مبلغا هزيلا مقابل استعمالها في تصوير أحد المشاهد البسيطة، وعند عدّها وجدوا أن عددها بالضبط تسع وتسعون نعجة، وهنا صاح فيه الراعي، الذي كان فقيها في الأصل، ليذكره بقصة الأخوين الذين احتكما إلى النبي داوود في قصة صاحب النعجة اليتيمة الذي أراد أن يحصل على تسع وتسعين نعجة وبالقوة.
هي المنعرجات ذاتها، تبتلع كل شيء، ولا زال الركاب معرضين للاحتراق، في ظل سياسة استبدلت فيها النعاج بالبشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى