تسديدة قوية ترسل الحكم إلى المجهول و«الكاف» تعينه حكما لمباراة دولية وهو على فراش المرض
قضاة الملاعب خالد رمسيس (حكم دولي سابق)
نشأ خالد رمسيس في حي تراست بأكادير، ومنه بدأت علاقته بالصفارة حين وجد نفسه يقود مباريات فرق الأحياء بشكل تطوعي، وفي سنة 1991 أصبح حكما متجولا بين العصب قبل أن يتسلم سلم الارتقاء التحكيمي ويصبح حكما فيدراليا، ليحمل الشارة الدولية قبل متم سنة 1991. ومن ملاعب تراست وجد خالد نفسه في عاصمة البنين يقود مباراة دولية، ويتحول إلى وجه تحكيمي سوسي يسير على خطى جيد وحدقة والعاشري، إلا أن القدر كان يخفي له مأساة رهيبة ستغير مجرى حياته.
ليلة الأحد الأسود
في الـ 20 من دجنبر سنة 2009، قاد الحكم رمسيس مباراة برسم الدورة 12 من الدوري الاحترافي جمعت الدفاع الحسني الجديدي والفتح الرباطي على أرضية ملعب العبدي بالجديدة. في حدود الدقيقة 38 من المباراة سيتعرض خالد لإصابة في مُؤخرة رأسه إثر تلقيه كرة قوية سددها لاعب الفتح الرباطي إدريس الصويت، في اتجاه حارس الدفاع أيوب لاما لتتوقف المباراة إثرها لمدة تسع دقائق، أصيب على إثرها الحكم رمسيس وسقط مغشيا عليه على عشب الملعب. تدخل الطاقم الطبي للفريقين لتقديم الإسعافات الأولية، ورغم ذلك تم نقل رمسيس في حالة إغماء إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس بالجديدة ليتم بعد ذلك نقله إلى مدينة الدار البيضاء وتعويضه بالحكم الرابع محمد بلفقير الذي قاد أول مباراة في مشواره الرياضي بالمجموعة الوطنية الأولى للنخبة.
قدمت لرمسيس الإسعافات الأولية لينقل بعد ذلك الى مستشفى محمد الخامس بالجديدة، ويحمل بعد ذلك إلى إحدى المصحات الخصوصية بالدار البيضاء حيث خضع لمراقبة طبية من طرف مختصين بإشراف من طبيب المنتخب المغربي الدكتور عبد الرزاق هيفتي.
مباشرة بعد نهاية المباراة التحق أفراد طاقم التحكيم الذي أدار مباراة الدفاع والفتح، بمصحة الزرقطوني من أجل الاطمئنان على زميلهم، كما تواجد رئيس الفريق الدكالي مصطفى منديب في عين المكان إلى جانب بعض الحكام المنتمين إلى عصبة الدار البيضاء.
في اليوم الموالي صدر بلاغ للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، يقول إنه «بعد الزيارة التي أجراها وفد جامعي للاطمئنان على الحالة الصحية للحكم خالد رمسيس، تقرر تكفل الجامعة بمصاريف علاج الحكم الدولي»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه سيتم إلحاق الحكم المصاب بالجامعة نظرا لوضعيته المادية والمعنوية.
الجامعة تتحمل نفقات النكبة
تحملت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نفقات علاج الحكم الدولي خالد رمسيس، الذي غادر المصحة الخصوصية بالدار البيضاء التي أقام بها منذ منتصف ليلة المباراة. وقال أحمد غيبي، بصفته رئيس اللجنة المركزية للتحكيم بجامعة كرة القدم في تلك الفترة، في تصريح صحافي، «إن الجامعة طلبت من إدارة المصحة إعداد الفاتورة باسم الجامعة في انتظار التوصل بوثيقة التحمل من مؤسسة التأمين المتعاقد معها»، بينما أكد عبد الرحيم العرجون، عضو مديرية التحكيم آنذاك، والذي زار الحكم رمسيس بالمصحة واطمأن على أحواله، أن جميع الحكام مؤمنون ضد إصابات الملاعب، وأن مسطرة تسديد نفقات علاج رمسيس ستأخذ مسارها العادي.
وكانت إدارة المصحة تلقت تطمينات في هذا الموضوع من الجامعة، كما عهد إلى العضو الجامعي رشيد الوالي العلمي بمتابعة الإجراءات الإدارية الضرورية.
قال إدريس الصويت، لاعب نادي الفتح الرباطي، إثر إصابة الحكم خالد رمسيس في مباراة أمام الدفاع الجديدي، ودخوله في غيبوبة، إنه لم يقصد أبدا أن يسدد الكرة نحو رأس الحكم المذكور، مضيفا: «أتأسف للحالة التي وصل إليها الحكم خالد رمسيس، في الواقع لم أكن أنوي تسديد الكرة نحوه، فلسوء الحظ غيرت مسارها وارتطمت برأسه، حيث سقط أرضا. لقد اتصلت بالحكم رمسيس فور خروجه من غيبوته واطمأن قلبي على حالته الصحية واعتذرت له ودعيت له بالشفاء العاجل حتى يعود لقيادة مباريات الدوري المغربي، وما خفف من حزني وقلقي هو أن الحكم رمسيس هون من الأمر واعتبره أمرا عاديا يدخل في صميم اللعبة، وطلب مني نسيان الحدث حتى لا يؤثر علي نفسيا والتسامح قائم بيننا».
من جهته وجه الحكم رمسيس تشكراته إلى الجامعة واللجنة المركزية للتحكيم والدفاع الحسني الجديدي على المجهودات التي بذلها كل من موقعه لإنهاء معاناته، وخص بالشكر الدكتور التهامي بنزاكور الذي أشرف على العلاج والدكتور هيفتي طبيب المنتخب الوطني المغربي والدكتور بياض طبيب الدفاع الجديدي.
وعلى امتداد مقام الحكم رمسيس في المصحة، ظل مساعداه الحسين صابري وعبد الله أمسيس مرابطين بالمصحة، وقررا عدم العودة إلى أكادير إلا برفقة زميلهما المصاب، إذ التحقا بعد انتهاء المباراة مباشرة بالدار البيضاء وظلا قريبين من غرفة المصاب، كما حضر والد الحكم خالد رمسيس للاطمئنان على الأحوال الصحية لابنه.
وأقام الحكم الدولي خالد رمسيس ليلتين في غرفة الإنعاش بمصحة الزرقطوني بالدار البيضاء، وتلقى دعما نفسيا من المكتب المسير للدفاع الجديدي وطبيب الفريق الدكتور بياض الذي رافق الحكم من الجديدة إلى الدار البيضاء وظل ملازما له خلال الأوقات العصيبة.
تعيين لمباراة دولية على سرير المرض
الغريب في قضية الحكم رمسيس أن تبادر لجنة التحكيم، التابعة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، لتعيينه حكما رابعا لمباراة الإياب التي جمعت، في الملعب نفسه، الدفاع الحسني الجديدي بنادي بلانطاس مانساوا من غينيا بيساو، في الفترة ما بين 26 و28 فبراير، برسم الدور التمهيدي من منافسات كأس الكونفدرالية الإفريقية، على الرغم من وجود الحكم الدولي رمسيس بمركز نور حيث كان يخضع لعلاج مكثف بعد إصابته في مباراة شاءت الصدف أن تكون على أرضية الملعب ذاته.
واستغربت مديرية التحكيم من تعيين حكم يوجد طريح الفراش، بالرغم من وجود حكام دوليين مغاربة اختارت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم صرف النظر عنهم دون أي مبرر، في إشارة إلى الحكمين الدوليين خالد النوني ورضوان جيد.
لكن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحملت حينها جزءا من المسؤولية، لأنه من المفترض أن تشعر الاتحاد الإفريقي بالحالة الصحية للحكام الدوليين، علما أن حكما من مصر عين وهو يرقد في القبر، بينما علق أحد الحكام ساخرا، «إذا كان الحكم محمد بلفقير هو الذي عوض رمسيس في مباراة الدفاع والفتح، فلا مانع من تعيينه بديلا مرة أخرى لرمسيس في منافسات كأس الكونفدرالية».
وكانت آخر مباراة دولية أدارها الحكم رمسيس في المنافسات القارية، هي التي جمعت شرطة النيجر وأهلي طرابلس، برسم الدور التمهيدي من منافسات كأس عصبة الأبطال الإفريقية، قبل تعرضه للإصابة.
حين بدأت حالته الصحية تتحسن قررت المديرية تعيين رمسيس مراقبا للحكام على مستوى دوري الدرجة الأولى والثانية في جهة سوس، وتوفير دخل قار له بدل المنحة التي كان يتوصل بها، وظل الحكم الدولي السابق سليمان البرهمي، المسؤول عن جهاز المراقبة، يدعم تعييناته حتى يكون مجموع عائداته محترما ويضمن له الكرامة والعيش الرغيد.
أضحت عودة رمسيس إلى الصفارة مستبعدة جدا بل ومستحيلة، نظرا لعدم قدرته على تجاوز بعض الأعطاب خاصة على مستوى القدم، إذ يصعب عليه الركض كما أنه يسير بالكاد. فيما ظل يحرص على متابعة حصص الترويض الطبي في المركز الخاص بحسنية أكادير. شاكرا رئيس النادي ومكونات هيئة التحكيم في سوس على جهودهما ووقوفهما إلى جانبه في محنته، «لقد انتقلت من حكم دولي إلى مراقب لمباريات القسمين الأول والثاني وهي مهمة أقوم بها بحب وتفان لأنني أريد أن أظل قريبا من التحكيم أخدم وطني من موقعي كمراقب بعد أن مثلت المغرب كحكم دولي في كثير من المحافل الدولية».
خضع خالد رمسيس لعملية جراحية أخرى في عنقه تكلَلت بالنجاح، في مستشفى الشيخ زايد في مدينة الرباط، وقد تكلَف الجهاز الوصي على الكرة الوطنية بجميع المصاريف المالية للعملية وبكل مستلزماتها.
ملعب العبدي بالجديدة.. مسجل خطرا
يتزايد عدد ضحايا ملعب العبدي بالجديدة مع كل دورة، حتى أصبح نذير شؤم على المدربين واللاعبين، إذ تؤكد الوقائع إصابة عدد من الممارسين على أرضيته إصابات خطيرة أغلبها وضعت نقطة النهاية لمسار عدد من اللاعبين، إضافة للعنة الإقالات التي ضربت مديرين فنيين في أعقاب مباريات على أرضية الملعب المشؤوم، كما يطلق عليه العارفون بضحاياه.
واستغرب الجمهور الجديدي لتعدد ضحايا ملعب العبدي الذي أصبح يتميز بالنكبات التي تعرفها أرضيته، لكن أخطر النكبات التي عرفها الملعب هي التي تعرض لها الحكم الدولي خالد رمسيس.
ومن المفارقات الغريبة أنه، وفي خضم هذه النكبة، يسطع نجم حكم دكالي اسمه محمد الفقير، المنتمي لعصبة دكالة عبدة، ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لأنه الحكم الوحيد الذي استطاع أن يعوض في فترات مختلفة ثلاثة حكام استسلموا للعنة الأعطاب التي منعتهم من مواصلة قيادة المباريات داخل منافسات البطولة الوطنية الاحترافية. فقد سبق لهذا الحكم القادم من العمق الدكالي أن عوض الحكم خالد رمسيس الذي منعته كرة طائشة من إتمام قيادة مباراة الدفاع الحسني الجديدي والفتح الرباطي بملعب العبدي، ثم ناب في الملعب ذاته عن الحكم المساعد عزيز أبوحميدة الذي أصيب في لقاء الدفاع والجيش الملكي، وعاد الحكم الفقير ليلعب دور «حكم الطوارئ» في الموسم نفسه خلال مباراة جمعت الدفاع الجديدي وأولمبيك خريبكة، بعدما تعذرت على الحكم الدولي جلال جيد مواصلة إدارة المباراة في ثلثها الأخير، إثر تعرضه لإصابة على مستوى الساق، ليسلم الصافرة وكل معدات التحكيم للحكم الرابع الذي ترقى مؤقتا إلى حكم رئيسي، حيث نجح بكفاءة عالية في قيادة ديربي الفوسفاط نحو بر الأمان، ولم تلق قراراته أي احتجاج من قبل الفريقين، لينال لقب حكم الطوارئ.
فاتورة الأعطاب تشمل لاعبين نالوا حصتهم من لعنة ملعب العبدي، أخطر الحالات إصابة المهدي الباسل، مهاجم الفتح الرباطي، بكسر مزدوج في أسفل ساقه الأيمن، بعد تدخل خاطئ من زميله بالفريق محمد الناهيري.
وتجددت لعنة الأعطاب في ملعب الجديدة حيث تعرض محمد حمامي، مدافع النادي الجديدي، لعطب بالغ على مستوى الركبة، خلال مجريات مباراة جمعت الدفاع الحسني الجديدي وأولمبيك خريبكة، حيث غادر أرضية الملعب على متن سيارة إسعاف وتم نقله على وجه السرعة لإحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء.
وقبل إنهائه عملية الترويض الطبيعي، تعرض المدافع الجديدي عزالدين حيسا، لعطب بالغ في المباراة التي جمعت ناديه الدفاع بالفتح، ما عجل بمغادرته الملعب قبل انتهاء الجولة الأولى وإحالته على العيادة.