شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

تركيا ونظام الأسد

 

حسام كنفاني

 

من الممكن تفهم الغضب السوري الذي أعقب تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن إمكان فتح قنوات اتصال مع نظام بشار الأسد، غير أن هذا التصريح، وفي سياق التحولات التركية هذه، كان متوقعا في ظل الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام الحاكم في أنقرة، وحاجته إلى اجتراح حلول موضعية للتدهور الاقتصادي الكبير في البلاد، والتي لم يجد غير اللاجئين السوريين ليحمّلهم مسؤوليته. وعلى هذا الأساس، ومع وضع النظام في تركيا نصب عينه إبعاد أكثر من مليون لاجئ سوري من البلاد، فإن فتح قنوات مع النظام السوري هي إحدى أدوات تحقيق هذا المبتغى، وخصوصا مع تعقد خطة العملية العسكرية والمنطقة الآمنة، التي كانت أنقرة تنوي إقامتها في الشمال السوري.

ورغم محاولة أنقرة توضيح تصريحات جاويش أوغلو، إلا أنها لم تنف مطلقا ما تحدث عنه وزير الخارجية التركي، وتحديدا تواصله مع نظيره السوري فيصل المقداد، وإعلانه عن مقترح روسي لجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، والذي لم يحدد جاويش أوغلو الموقف التركي منه (المقترح). فكلام وزير الخارجية التركي عن ضرورة «المصالحة»، بين النظام السوري والمعارضة، هو أحد التحولات في السياسة التركية، والتي لم تكن قبلا تستخدم تعبير «مصالحة» في الحديث عن نظام الأسد، وكانت إلى حد كبير لا تعترف بوجوده، أو على الأقل ترى أنه في حكم المنتهي. لكن الضرورات السياسية تبيح المحظورات، وأنقرة ترى أن توجها كهذا يؤمن لها بعض الحلول التي وعدت بها جمهورها الداخلي.

لكن بغض النظر عن الرغبة التركية، إلى أي مدى يمكن تحقيق «التقارب» أو «التطبيع» مع نظام الأسد، من دون دفع أثمان لا تريد أنقرة دفعها؟ فأي «مصالحة» بين أنقرة ونظام الأسد، لا بد أن تكون مقترنة بالانسحاب التركي من الشمال السوري، وإعادة المناطق التي تسيطر عليها، سواء مباشرة أو عبر الحكومة السورية المؤقتة، أو حكومة الإنقاذ. هذا الأمر ليس واردا حاليا في الحسابات التركية، خصوصا أنها باتت تنظر إلى هذا المناطق باعتبارها امتدادا للجغرافية التركية، وهي ما زالت طامحة إلى المزيد بهدف إبعاد المقاتلين الأكراد عن حدودها المباشرة. حتى التعاطي التركي مع تظاهرات الغضب التي خرجت بعد تصريحات جاويش أوغلو، كان تعاطيا مع شأن داخلي تركي. ووفق هذا المنطق، فإن أنقرة ليست في وارد التخلي اليوم عن هذا العمق الجغرافي والبشري الجديد، الذي استحدثته بعد الثورة السورية.

الأمر الآخر، والأهم، والذي يحول دون حصول التقارب، أو اكتماله، هو عدم ثقة أنقرة في علاقة النظام السوري مع الفصائل الكردية المسلحة، سواء حزب العمال الكردستاني أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد). والأخيرة تحديدا لها علاقات غير مخفية مع نظام الأسد، وهو ما أبدت أنقرة استياءها منه في أكثر من مناسبة. وعلى هذا الأساس، فإن أنقرة لن تخلي الساحة للنظام السوري والقوات الكردية في الشمال السوري، بعد كل ما حققته في السنوات الماضية. في المقابل فإن النظام السوري، وفي ظل المبادرة التركية للتقارب، لن يرضى بأقل من استعادة السيطرة على مناطق الشمال، وتحديدا إدلب، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أنقرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى