تركيا وإيران تقتربان من حل للأزمة السورية
خطوط الاتصالات الإيرانية التركية تزداد سخونة هذه الأيام، ومن غير المستبعد أن تتمخض الزيارة التي سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران الأسبوع المقبل، (ربما يوم الأربعاء)، عن مفاجأة كبيرة ليس على صعيد حدوث اختراق في المصالح الثنائية التجارية، وإنما أيضا على صعيد الأزمة السورية.
الأسبوع الماضي زار السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أنقرة، والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان، ويوم الخميس، طار إلى طهران مولود جاويش أوغلو في زيارة سرية غير معلنة اجتمع خلالها مع نظيره الإيراني ظريف لخمس ساعات.
ماذا يجري بالضبط، وما هو محور هذه الاتصالات واللقاءات السرية والعلنية؟ وما هي أسباب هذه “الحميمية” المفاجئة في العلاقات بين البلدين اللذين يقفان في خندقين متواجهين في الأزمة السورية؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى التصريحات “الصادمة” التي أدلى بها السيد نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي إلى الصحافيين، ونقلتها صحيفة “حرييت” التركية، ونقول صادمة، لأنه وجه فيها انتقادا شرسا غير مسبوق لسياسة بلاده في سورية، عندما وصفها بأنها “أصبحت مصدرا لآلام كثيرة تعاني منها تركيا اليوم”، وأضاف في موضع آخر «إن شاء الله سيتم قريبا التوصل إلى حل يمكن للشعب السوري أن يقبله ويكون بديلا عن فرض الحل من الخارج».
الجملة الأهم في تصريحات السيد كورتولموش في رأينا تلك التي قال فيها “إنني أؤمن بأنه حان الوقت لانتهاء الحرب بالوكالة في سورية، وإن شاء الله سنجد الحل”، ولا نعتقد أن هذا التفاؤل يأتي من فراغ أو من قبيل التمنيات.
هذا الانقلاب في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية الذي تتبلور عناصره بسرعة، يعود بالدرجة الأولى إلى اعتماد الولايات المتحدة الامريكية الأكراد كحليف استراتيجي، والتقدم الكبير الذي حققته قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية في شمال غرب سورية، ونجاحها في السيطرة على مدينة منبج، وإخراج قوات “الدولة الإسلامية” منها بعد معارك طاحنة، ومخاوف تركيا من ربطها، أي منبج، بمدينة عفرين، وإقامة منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها على غرار كردستان العراق ومقدمة لأخرى مماثلة في ديار بكر شرق تركيا.
قبل الانقلاب التركي الفاشل، حدد بن علي يلدريم رئيس وزراء تركيا الجديد سياسية بلاده في سورية حاليا، وقال إنها تحظى بمراجعة شاملة عمادها منع القوات الكردية من إقامة دولة صغيرة Mini State، في الشمال السوري، وأكد أن هناك شرطين أساسيين للحل في سورية من المنظور التركي:
الأول: الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
الثاني: إقامة نظام حكومي تتمثل فيه كل الأديان والعرقيات والمذاهب، ولم يتطرق مطلقا لبقاء الأسد أو رحيله.
تحقيق الشرط الأول يتمثل في رفض تركيا لمشروع “الفدرلة” الأمريكي لسورية، وإقامة ثلاثة أقاليم واحد في الشرق، والثاني في الغرب، والثالث في الشمال للأكراد، وتعارض تركيا هذا التقسيم كليا لأنه سيكون مقدمة لتقسيمها، أما بالنسبة إلى الشرط الثاني فيمكن أن يتحقق من خلال تشكيل حكومة سورية موسعة تقسم اليمين أمام الرئيس السوري، وتتمثل فيها كل الأعراق والأديان، وتكون مقدمة لإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، وتؤيد دول المثلث الروسي التركي الإيراني هذه الصيغة.
الأكراد وأكراد سورية على وجه الخصوص، كانوا العامل الرئيسي للتقارب الإيراني التركي، والتغيير الجذري في سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية، وقد يكونون الضحية الأكبر للتفاهم الروسي التركي، والتركي الإيراني، من خلال اتفاق الأطراف الثلاثة على منع قيام دولتهم التي بات قيامها قاب قوسين أو أدنى.
إعلان البنتاغون اليوم عن إرسال مقاتلات لحماية القوات الكردية العاملة مع مستشارين أمريكيين من غارات لطائرات سورية استهدفتهم أمس (الخميس) قرب مدينة الحسكة، شمال شرق سورية، تطور خطير قد يأتي ردا على التفاهمات التركية الإيرانية الروسية ضد الأكراد، وللحل في سورية أيضا.
الأمر المؤكد أن الحلف الروسي الإيراني التركي يترسخ، وأن تركيا بعد الانقلاب هي تركيا مختلفة، وتقاربها مع إيران بهذه السرعة، ومراجعتها الجذرية لسياساتها في سورية، يعني خروجها من الحلف السعودي القطري الأمريكي الذي كانت عماده منذ بداية الأزمة السورية قبل خمس سنوات.
التسوية للأزمة السورية وفق الشروط والتفاهمات الإيرانية التركية، وبمباركة روسية، باتت أقرب من أي وقت مضى، اللهم إلا اذا حاولت الولايات المتحدة عرقلتها، وهذا احتمال ليس قويا لما يمكن أن تترتب عليه من تبعات أبرزها الصدام الروسي الأمريكي سياسيا، ربما عسكريا أيضا، لأن هذا الحل سيكون على حساب الأكراد حلفاء واشنطن، ودولتهم التي وعدتهم بها أمريكا والغرب.
حديث كورتولموش بأنه حان الوقت لانتهاء “الحرب بالوكالة” في سورية، يعني وقف دعم المعارضة السورية المسلحة، وإغلاق الحدود التركية في وجه أي دعم عسكري ومالي لها، وقد يكون مقدمة لتصفيتها بعد تجميعها في شرق حلب وجنوبها، تماما مثلما جرت تصفية قوات “الدولة الاسلامية” في منبج.
المشهد السوري على أبواب تطورات مفاجئة، قد يكون من بينها الاقتراب من الحل السياسي أكثر من أي وقت مضى، والله أعلم.