عقب المشاكل السياسية التي تمر بها المنطقة منذ 2020، سارعت أنقرة إلى استغلال سخط إفريقيا السمراء على فرنسا والفوز بنصيبها منافسة بذلك روسيا. فسعت عبر بسط نفوذها العسكري وعقد اتفاقيات تجارية واستثمارات بملايير الدولارات لتكون شريكا حاضرا في القارة السمراء التي تعتبر منجما للمواد الخام التي لم تستغل 65 في المائة منها بعد.
سهيلة التاور
أعلنت روسيا عن تشكيل عسكري روسي «فيلق إفريقيا» تم الكشف عنه مطلع عام 2024 ليكون بديلا عن مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، ويعكس هذا البرنامج سعي روسيا لتوسيع نفوذها العسكري في القارة الإفريقية، ومنحه شرعية الوجود الرسمي والعلني في مواجهة الحضور الأوروبي والأمريكي.
الفيلق الإفريقي الروسي
يتوزع الفيلق بين 5 دول إفريقية هي ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر. وتحتضن ليبيا المقر المركزي وذلك لعدة عوامل منها: نشاط عناصر «فاغنر» سابقا في مدينة سرت التي تبعد 450 كيلومترا شرق العاصمة الليبية طرابلس، إذ كانوا يتمركزون في قاعدة «القرضابية» الجوية وميناء سرت البحري، إضافة إلى قاعدة «الجفرة» الجوية (جنوب)، وقاعدة «براك الشاطئ» الجوية التي تبعد 700 كيلومتر جنوب طرابلس.
ومن عوامل اختيار ليبيا أيضا لتكون مقرا لهذا الفيلق ارتباطها بساحل البحر المتوسط، وهو موقع إستراتيجي لضمان خطوط الإمدادات العسكرية وتحركات العناصر التابعة للفيلق إلى الدول الإفريقية الأخرى.
وتتبع إدارة الفيلق الإفريقي سلطة الإدارة العسكرية الروسية مباشرة، ويشرف عليه الجنرال يونس بك إيفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي.
تتكون النواة الأساسية للفيلق من مجموعات «فاغنر»، إذ تم دمج عناصر منها في قيادات الصفين الثاني والثالث داخل الفيلق، إضافة إلى مزيد من العناصر في نطاق قوة عسكرية لا تقل عن 40 إلى 45 ألف مقاتل، كما يتكون الفيلق من فرقتين إلى 5 فرق حسب القدرات القتالية وحجم العناصر.
نفوذ عسكري تركي بالقارة
من جهتها، سعت تركيا لبسط نفوذها العسكري داخل إفريقيا، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة.
وأسفر ذلك عن توقيع اتفاقيات أمنية مع كينيا وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا لتدريب قوات الأمن في هذه الدول لمكافحة الجماعات المسلحة وأعمال القرصنة، كما عملت تركيا على فتح أسواق جديدة للصناعات العسكرية التركية.
وتمتلك أنقرة 37 مكتبا عسكريا في القارة السمراء، وعام 2021 زادت صادراتها العسكرية إلى إفريقيا حيث ارتفعت مبيعاتها من السلاح من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار.
وتسهم القوات المسلحة التركية بتدريبات للجيش الصومالي، وبنت له مركزا للتدريب وقدمت له معدات ومركبات مدرعة، إضافة إلى منح أخرى ضمت مركبات وسيارات إسعاف.
وفي سنة 2021 أعلن الرئيس التركي حينها أن بلاده ستبقى واقفة بجانب الحكومة الإثيوبية وتدعمها بكل الوسائل.
وخلال زيارته إلى موريتانيا عام 2018، أكد الرئيس التركي أن بلاده تقدم دعما لمجموعة دول الساحل يصل إلى نحو 5 ملايين دولار من أجل الوقوف في وجه الجماعات المسلحة.
حضور دبلوماسي
بدأت الدبلوماسية التركية تطبيق إستراتيجية التقارب مع القارة السمراء من خلال توسيع العلاقات وزيادة الحضور الدبلوماسي، وقفز عدد السفارات التركية في إفريقيا من 12 سفارة عام 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية في سنة 2022، كما ارتفعت السفارات والتمثيليات الدبلوماسية الإفريقية المعتمدة في تركيا من 10 سفارات عام 2008، إلى 37 سفارة في 2021.
وتحتل تركيا المركز الرابع من بين الدول الأكثر تمثيلا في القارة الإفريقية، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا.
ووفقا لبيانات وزارة الخارجية التركية فإن العلاقات مع الدول الإفريقية تقع ضمن الأهداف الرئيسية للسياسية الخارجية التركية.
ويعود الاهتمام بتطوير هذه العلاقات إلى سنة 2005 حين أصبحت أنقرة عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي، وأعلنت في العام نفسه خارطة جديدة عنوانها «الانفتاح على إفريقيا».
وفي سياق تمتين هذه العلاقات أصبحت تركيا شريكا إستراتيجيا للاتحاد الإفريقي عام 2008، وقامت في العام نفسه بعقد أول قمة للشراكة التركية-الإفريقية في إسطنبول. وقد كانت أهم شعارات المؤتمر هي «المستقبل المشترك» و»التعاون» و»التضامن» بين الأطراف المشاركة فيه.
وقد أصبحت أنقره عضوا غير إقليمي في بنك التنمية الإفريقي تشارك في التمويلات والقروض الإنمائية.
وفي عام 2014 عقد مؤتمر قمة الشراكة الإفريقية التركية في «مالابو» عاصمة غينيا الاستوائية وتم التوقيع من خلالها على الكثير من القضايا المشتركة، كما وضعت إستراتيجية للعمل المشترك بين عامي 2015-2019.
وفي الفترة الواقعة بين 2008 و2023 زار الرئيس التركي 30 دولة إفريقية، ووجّه بوصلة الاستثمارات نحو المنطقة.
التجارة بين تركيا وإفريقيا
تنامت مصالح تركيا الاقتصادية في القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة بشكل كبير لا سيما في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. حيث ارتفع حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا من 4.3 مليارات دولار في أوائل العقد الأول من القرن الحالي إلى أكثر من 35 مليار دولار، تذهب 12.5 مليار دولار منها إلى دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، بنسبة 36.8 بالمئة.
كما أنه وفقا لبيانات هيئة الإحصاء التركية في العام 2022، تبلغ قيمة تجارة تركيا مع دول غرب إفريقيا نحو 6.5 مليارات دولار، وأما مع دول الساحل التي تشمل العديد من الدول من ضمنها موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد والسودان وأريتريا، فتبلغ نحو 4.1 مليارات دولار.
وفي عام 2013، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لتركيا مع إفريقيا 21.5 مليار دولار. وكانت حصة دول جنوب الصحراء الكبرى، تبلغ حوالي 32 بالمئة من إجمالي حجم التجارة التركية في القارة.
ووفقا للأرقام، فإن الحجم التجاري مع جنوب الصحراء بلغ 2.4 مليار دولار مع حصة غرب إفريقيا التي وصلت إلى 34.7 بالمئة، ومنطقة الساحل التي بلغت 18.8 بالمئة بمبلغ قدره 1.3 مليار دولار.
وتظهر هذه البيانات، الحضور الاقتصادي المتزايد لتركيا في منطقة الساحل وغرب إفريقيا خلال العقد الماضي، إلى جانب النفوذ السياسي والعسكري.
لكن الانقلاب، الذي وقع في النيجر قد يخلق مشاكل كبيرة من حيث الأمن الإقليمي، حيث تشترك النيجر في حدود طولها 1500 كيلومتر مع نيجيريا، كما أنها جارة لدولة بنين، وعلى تقاطع البلدان الثلاثة يوجد تنظيم الدولة (ولاية غرب إفريقيا) الذي قد ينشط في ظل عدم الاستقرار وفراغ السلطة لملء الفراغ.
وهذا من شأنه أن يؤثر على شمال إفريقيا وغربها، وقد يشكل هذا الوضع تهديدا لمصالح تركيا في المنطقة وخاصة في ليبيا، ما قد يؤثر أيضا على تجارة تركيا مع إفريقيا والتي تطورت في السنوات الأخيرة واكتسبت زخما.
عقبات وتحديات
تواجه سياسة تركيا نحو إفريقيا بعض العقبات والتحديات، تتلخص، وفق دراسة نشرها المركز الديمقراطي العربي، في انتشار الصراعات الدينية والعرقية، وتفاقم حجم النزاعات المسلحة والصراعات الحدودية، التي أثرت في الدول الإفريقية على الأنظمة السياسية الحاكمة وظهرت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الكثير من البلدان.
كما أن ظهور الحركات المسلحة وتزايد الدور الإفريقي للحرب على «الإرهاب» التي احتلت مكانة متميزة خاصة في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، سيلقي بظلاله على أي دور تركي في المنطقة.
وتشهد القارة الإفريقية العديد من التحديات والصراعات الدولية وتسعى القوى الدولية (الولايات المتحدة، وروسيا والصين وإسرائيل والدول الأوروبية) لمد نفوها داخل القارة، وخلق حالة من التنافس العسكري والاقتصادي والجيوسياسي، مما يؤثر على أدوار الدول الأخرى في المنطقة.
وبشكل عام، فإن المؤشر الرئيسي لسياسة تركيا في إفريقيا يتجه إلى مزيد من التطور وفقا لخطط تنفيذ مشتركة تعلنها الأطراف خلال مؤتمرات قمم الشراكة الدورية بين الجانبين.
وتبقى العلاقات التركية الإفريقية من الجوانب المهمة للسياسة الخارجية التركية، خصوصا في ظل النجاحات التي حققتها أنقرة داخل القارة السمراء.