تارودانت: محمد سليماني
عادت مطالب الكشف عن مآل ثلاثة تحقيقات أجراها كل من قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وقضاة المجلس الجهوي للحسابات، ثم مفتشو الإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية لصفقات وميزانيات المجلس الإقليمي لتارودانت خلال الولاية الانتدابية 2015/2021، إلى الواجهة من جديد.
واستنادا إلى المعطيات، فإن عددا من منتخبي الإقليم ينتظرون بفارغ الصبر ما ستؤول إليه التحقيقات التي أجرتها مؤسسات الرقابة على ميزانية المجلس الإقليمي، خصوصا بعد تفجر فضيحة اقتناء 40 حافلة للنقل المدرسي بطريقة شابتها الكثير من «الاختلالات»، والتي وصلت بدورها إلى القضاء، إلا أنه رغم مرور أزيد من ست سنوات على وضع ملف النقل المدرسي لدى محكمة جرائم الأموال، إلا أنه ما يزال يراوح مكانه، لأسباب «غامضة».
وكان قاضي التحقيق بمحكمة جرائم الأموال بمراكش قد قام بحفظ ملف هذه القضية بمبرر غياب الأدلة، الأمر الذي دفع الطرف المشتكي وهو النائب الرابع للرئيس خلال الولاية الانتدابية ذاتها، بعد ذلك، إلى تقديم أدلة أخرى ووثائق جديدة عززت قوة الملف، ما دفع النيابة العامة إلى إخراجه من الحفظ بعد ورود مستجدات غيرت مساره، قبل أن يدخل طي النسيان من جديد لأسباب «مجهولة».
وبحسب المعطيات، فإن المتهم الرئيسي في هذا الملف يتابع بجناية اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته، كما تتابع زوجة البرلماني مالكة الشركة الخاصة (TAD) بتهمة المشاركة في تبديد أموال عامة. ومن المستجدات التي أدت إلى إخراج الملف من الحفظ، أن الشركة المتعاقد معها لا تتمتع بالصفة القانونية حين أبرمت الاتفاقية بينها وبين المجلس الإقليمي لأنها لم تكن موجودة في الأصل يوم فتح أظرفة الصفقة بتاريخ 16 مارس 2017 على الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، كما أنها لم تحصل على شهادة السجل التجاري إلا يوم 20 مارس أي بعد توقيع عقد الصفقة، كما أن التسجيل في الضمان الاجتماعي لم يتم إلا يوم 21 من الشهر ذاته، ورغم ذلك حازت على هذه الصفقة المثيرة بطريقة «مشبوهة»، والبالغ قيمتها مليار و874 مليون سنتيم.
وتعود تفاصيل هذه القضية المثيرة للجدل إلى شكاية رفعها النائب الرابع بالمجلس الإقليمي لتارودانت، تضمنت معطيات «مثيرة»، أثناء مناقشة النقطة الأولى من جدول الأعمال، وهي المتعلقة بالدراسة والمصادقة على مشروع اتفاقية شراكة لأجل النقل المدرسي بإقليم تارودانت، خلال انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس في غشت 2017، حيث طرحت علامات استفهام كبرى حينها حول العقدة المبرمة بين المجلس الإقليمي والشركة الخاصة الممثلة من قبل زوجة برلماني عن إقليم طاطا، بشأن اقتناء 40 حافلة للنقل المدرسي.
وجاء في الشكاية، أن المجلس الإقليمي لتارودانت اقتنى هذه الحافلات بوساطة شركة، في وقت يمكن الاتفاق مباشرة مع شركة من شركات بيع السيارات، إضافة إلى أن هذه الصفقة تمت بواسطة عقد، وليس عبر طلبات عروض مفتوحة، مع العلم أن المبلغ موضوع العقد يصل إلى 18.744.000,00 درهم. وأبرزت الشكاية أن هذا العقد حدد ثمن اقتناء كل حافلة في مبلغ 468.600,00 درهم، في حين أن الثمن الحقيقي لمثل هذه الحافلات، وبجودة عالية تفوق تلك التي تم اقتناؤها، لا يتعدى 370.000,00 درهم، أي أن الفارق يصل إلى 98.600,00 درهم عن كل حافلة. وبعملية حسابية بسيطة، فإن المبلغ «المختلس»، حسب ملتمس الوكيل العام للملك، من الصفقة ككل بالنسبة لـ 40 حافلة هو 3.944.000,00 درهم. وأبرز المشتكي أن هذه الحافلات ظلت مركونة بمرأب بمدينة تارودانت تتعرض يوميا للتآكل مدة طويلة، إلا بعد تدخل مصالح وزارة الداخلية على الخط، وقررت الإشراف على توزيعها على الجماعات ليستفيد منها التلاميذ.
واستنادا إلى المعطيات، فقد اعتبر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش أن فصول التحقيق في هذه القضية بينت أن المتهمين ارتكبا المنسوب إليهما، خصوصا أن رئيس المجلس الإقليمي الأسبق لتارودانت يعتبر مؤتمنا على مالية المجلس، ومن المفروض عليه أن يحافظ على هذه المالية من الاختلاس والتبديد، كما اعتبرت النيابة العامة أن اقتناء 40 حافلة بثمن يفوق سعرها الحقيقي يشكل أيضا اختلاسا وتبديدا للمال العام، إضافة إلى أن زوجة برلماني إقليم طاطا، باعتبارها صاحبة الشركة التي اقتنت هذه الحافلات لفائدة المجلس الإقليمي، وحصولها على مبالغ تفوق قيمتها السوقية، تكون قد شاركت في تبديد المال العام.