شوف تشوف

تعليم

تدريس الفلسفة في المغرب والصراع الإيديولوجي بين نخب المجتمع

استشراء نزعة «بيداغوجوية» اختزلت درس الفلسفة في تلقين مهارات جاهزة

 

جليل طليمات/ باحث في التربية والتكوين

 

وضعية تدريس الفلسفة في المغرب تسائل كل مشتغل في الحقل الفلسفي والتربوي، وتفرض نفسها للفحص والتعميق في ضوء ما راكمه تدريس الفلسفة من أسئلة خاصة، ماضيا وحاضرا. فإلى أي حد حقق درس الفلسفة الأهداف المعرفية والتربوية والقيمية المتوخاة منه؟ وما حصيلة الإصلاحات التي عرفها درس الفلسفة في الثانوي، منذ ما عرف بـ«عشرية الإصلاح» مطلع هذه الألفية؟ ما سبل تعميق تلك الإصلاحات أي «إصلاح الإصلاح» بما يعزز مكانة الفلسفة في المدرسة والجامعة، وفي الحقل الثقافي العام؟ إنها أسئلة عامة، تنطوي على أسئلة فرعية وجزئية تتعلق بتفاصيل وضعية تدريس الفلسفة، وباختلالاتها المختلفة، المؤسسية والتربوية والمعرفية التي تتطلب تدخلا فاعلا من طرف الأطر التربوية التخصصية في السلك الثانوي (أساتذة ومفتشي مادة الفلسفة) وجمعيتهم المهنية (الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة)، ومن طرف أساتذة الفلسفة بالتعليم العالي كذلك، بما يؤسس لرؤية إصلاحية جديدة لدرس الفلسفة وللشروط المؤسسية التي يمارس وينجز فيها .

قبل تناول تلك الأسئلة العامة، التي لا أزعم امتلاك جواب مكتمل حولها، لابد من تسجيل خلاصتين رئيسيتين من مسار تدريس الفلسفة، وما طرأ على  وضعيتها ضمن المنظومة التعليمية من متغيرات، هما:

* إن تدريس الفلسفة في المغرب ظل وثيق الارتباط بالتحولات السياسية، وبالصراع الفكري والإيديولوجي بين نخب المجتمع، بين قوى التقليد والمحافظة، وقوى التغيير والتحديث الثقافي. ومازالت ذاكرة مدرسي الفلسفة، والذاكرة الثقافية المغربية عموما تختزن وتستحضر أسوأ القرارات الرسمية الخانقة والمصادرة «للحق في الفلسفة»، والمعارضة لها بالفكر الإسلامي !! ما أضر بهما معا، حيث أنتجت ثنائية مزيفة تولدت عنها نزعات فكرية وعقائدية منغلقة ومتطرفة في مناهضتها للفكر الفلسفي، ولقيمه الإنسانية والكونية.

مع سيرورة الإصلاح التي عرفتها المنظومة التربوية منذ إقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين تم رفع الكثير من التضييقات على تدريس الفلسفة وذلك تساوقا مع استراتيجية الدمقرطة، وتناغما مع إرادة سياسية ومجتمعية عامة اقتضت من بين ما اقتضته رفع التضييقات على الفكر الحر والنقدي والعقلاني في مواجهة  النزعات النكوصية الظلامية والتكفيرية التي ترعرعت ونمت وتغولت في عهد مصادرة «الحق في الفلسفة» وتشديد الخناق على تدريسها ومدرسيها.

* إنه من باب الموضوعية تسجيل إيجابية المستجدات التي طرأت على وضعية تدريس الفلسفة في إطار عملية الأجرأة للميثاق الوطني للتربية والتكوين. ودون عرض تفصيلي لهذه المستجدات، أقتصر على ذكر أهمها، متمثلا في:

– تعميم تدريس الفلسفة في مختلف شعب التعليم الثانوي والتأهيلي والتعليم التقني بكل شعبه .

– فتح شعبة الفلسفة في الجامعات الجديدة بعد أن ظلت سجينة جامعتي الرباط وفاس.

– إصلاح درس الفلسفة منهاجا وبرامج واختيارات بيداغوجية (التدريس بالكفايات، والمجزوءات، واعتماد برنامج مفاهيم، وتحرير الكتاب المدرسي، كباقي كتب المواد الأخرى من أحادية التأليف المجهول الهوية..).

– تحرير مادة الفلسفة من ثنائية فلسفة / فكر إسلامي، بدمج هذا الأخير ضمن «مقرر الفلسفة»، باعتباره (الفكر الإسلامي) جزءا لا يتجزأ من التراث الفلسفي الإنساني.

بناء على هاتين الخلاصتين، ينتصب أمامنا سؤال جوهري، آن أوان التعاطي معه بجرأة نقدية: هل أغنت هذه التحولات درس الفلسفة، وساهمت في ترسيخه  المعرفي والقيمي؟ أم أنها حولته إلى مختبر لتكوين كفايات ومهارات تؤهل  للحصول على نقطة جيدة في الامتحانات، بدل تعلم التفكير الذاتي، أي التفلسف؟  لماذا هيمنت النزعة البيداغوجية «التقنوية» على بناء درس الفلسفة؟ ألا تشكل هذه النزعة، كما تساءل ذات ندوة المفكر الراحل، فقيد الدرس الفلسفي الكبير محمد سبيلا  «انبعاثا جديدا» في ثوب «حديث» للنزعات المناهضة للفلسفة بادعاء أن العلم التقني هو مالك الحقيقة وصانع التقدم والتنمية»؟

لعل ما يعضد هذه التساؤلات القلقة، هو ما أثاره، ويثيره درس الفلسفة كما يمارس راهنا في فصول التعليم الثانوي التأهيلي من أسئلة لم تتقادم، بل ازدادت إلحاحية، وأثبتت سنوات التدريس بالمقررات الحالية وجاهتها المعرفية والتكوينية والتربوية، منها:

* سؤال مكانة تاريخ الفلسفة في المقررات والكتب المدرسية الجاري العمل بها منذ سنة 2004، ذلك أن التصور الذي تحكم في وضعها قام بشكل واع أو غير واع، وربما باسم القطيعة مع ماضي «الدرس الفلسفي الإيديولوجي» لحقبة ما قبل هذا الإصلاح، بتغييب شبه مطلق لعلاقة المفاهيم المقررة بأرضيتها التاريخية ما حول درس الفلسفة إلى مجرد عرض لأطروحات مختلفة للفلاسفة حول مفهوم معين، على التلميذ (ة) استيعاب الاختلاف بينها داخل النص، ما يجعل فهمه لذلك الاختلاف مبتورا وعسير الاستيعاب، أو مجرد اختلاف «ذهني» بين الفلاسفة.

* ومن الأسئلة التي يفرضها العمل بالمقررات والاختيارات البيداغوجية الحالية سؤال العلاقة بين الفلسفي والبيداغوجي، وتنبع أهمية هذا السؤال من استشراء نزعة «بيداغوجوية»  اختزلت درس الفلسفة في تلقين مهارات جاهزة وتقنيات في الكتابة الإنشائية تصادر على «ذاتية التلاميذ» في الكتابة الحرة والتلقائية، وسجنته في خانات شروحات تبسيطية تسطيحية للأطروحات الفلسفية حول المفاهيم المقررة، أصبحت لدى البعض تجارة على غرار «كيف تتعلم الفرنسية في خمسة أيام»!..

إن درس الفلسفة، كما يمارس في معظم الفصول الدراسية، يطرح بحدة مسألة الوضعيات التعليمية الكفيلة بجعل التلاميذ يتواصلون ويتفاعلون مع حصص الفلسفة في مناخ من التفلسف، يحقق للدرس الفلسفي التناغم والتكامل والوحدة بين الفلسفي والبيداغوجي اعتمادا على مقوماته، ويحد أو يخفف، بالتالي من هيمنة تلك النزعة البيداغوجوية والتقنوية المضرة بالأهداف المعرفية والتكوينية والقيمية للدرس الفلسفي .

* أبادر هنا بطرح سؤال مسكوت عنه طيلة هذه السنوات من العمل بالمقررات الدراسية الحالية: ألم ينتج عمليا عن دمج الفكر الإسلامي في مقرر الفلسفة تهميش إلى حد الإقصاء في الممارسة الفصلية له؟ ألم يكرس تضمين الكتب المدرسية لمادة الفلسفة نصوصا لمفكري وفلاسفة الإسلام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ! «الارتباط الماهوي» للفلسفة بالغرب في وعي التلاميذ؟ وبماذا نفسر خلو الأطروحات الفلسفية التي يستند إليها التلاميذ في كتاباتهم الإنشائية من أية أطروحة فلسفية لمفكر أو فيلسوف ينتمي للحقل الثقافي والحضاري الإسلامي؟

إن هناك ضرورة معرفية وتربوية لمعالجة هذا الاختلال وذلك بإعادة النظر في محتوى وشكل ذلك «الدمج» في المراجعة المطلوبة بإلحاح للبرامج والمقررات والكتب المدرسية لمادة الفلسفة. إن هذه المسألة تقتضي نقاشا أوسع وأعمق، لذا أكتفي هنا بإخراجها من دائرة النسيان أو التناسي والتجاهل.

 

////////////////////////////////////////////////////////////////

 

متفرقات:

 

نقابة العدالة والتنمية تستنكر معايير مباراة التعليم

طالبت نقابة الاتحاد الوطني للشغل (الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية)، بالتراجع فورا عن قرار تحديد السن في التوظيف بقطاع التعليم في 30 سنة، وهو القرار الذي تم دون استشارة الفرقاء النقابيين. وأكدت النقابة رفضها لهذا القرار الذي سيحرم عشرات الآلاف من حاملي الإجازة من اجتياز مباراة التعليم علما أن القانون يحدد سن التوظيف في 45 سنة. واعتبر خالد السطي، المستشار البرلماني عن الاتحاد، الجمعة، بمداخلة في لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، القرار بمثابة تراجع عن المكتسبات السابقة، من خلال الاستثناءات التي أقرها رئيسا الحكومة السابقان عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني للفئة العمرية فوق 45 سنة وفوق 50 سنة. وشدد السطي على أن التراجع عن المكتسبات المرتبطة بالسن وإعادة الانتقاء، سيتسبب في مشاكل واحتجاجات يبقى المغرب في غنى عنها، مطالبا بالتدخل العاجل لتدارك الأمر.

وأشار المتدخل إلى أن محاولة الوزارة إحداث نظام أساسي للمتعاقدين والمماثلة مع زملائهم، لم تتحقق حيث لازال الأساتذة المتعاقدون محرومين من مجموعة من المكتسبات، لعل أبسطها عدم قبول ملفاتهم لاجتياز مباريات التعليم العالي أو مباريات بالوظيفة العمومية. ودعا الحكومة لضرورة مباشرة الحوار الاجتماعي للتخفيف من مختلف الاحتجاجات التي انطلقت في عدد من القطاعات، مبرزا أن الحوار الاجتماعي المنتج مفتاح للسلم الاجتماعي.

 

بنموسى يعترف بمشكلة الاكتظاظ

اعترف شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بأن مشكل الاكتظاظ في الفصول الدراسية يؤرق الوزارة، ولضمان جودة التعليم يجب أن تضم الأقسام الدراسية 10 إلى 15 تلميذا. وقال بنموسى، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، إن الوزارة تعمل على الرفع من عدد المدارس الابتدائية بالوسط القروي للحد من الاكتظاظ الذي تعرفه بعض المناطق، وكذا القضاء على ظاهرة الأقسام المشتركة، خاصة تلك التي تحتوي على أربعة مستويات، وذلك لكون الأقسام المشتركة أصبحت تشكل عبئا على المنظومة على مستوى جودة التعلمات وتوفير الأطر التربوية لتدبيرها، حسب تعبيره. وللقضاء على هذه الظاهرة، أكد بنموسى أن الوزارة ستعمل على توسيع عملية إحداث المؤسسات الجماعاتية، حيث توجد، حاليا، في المغرب أزيد من 200 مؤسسة تعليمية من هذا النوع.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى