استغرقت الحكومات المتعاقبة والقطاعات الوزارية في تشخيص المشاكل التي تعيق التنمية، حيث تم صرف الملايير من المال العام على صفقات فازت بها مكاتب دراسات، كل ما فعلته هو إعادة تدوير المعلومة حول الفساد الذي ينخر قطاعات حساسة وتقديم إحصائيات ومعلومات مكررة حول الأعطاب والاختلالات، في ظل تعطل آلية العمل الميداني، وكأن التشخيص أصبح غاية وليس وسيلة فقط.
لقد أصبحت العديد من المؤسسات العمومية تستعمل صفقات التشخيص كموضة، حيث يتم صرف ميزانيات ضخمة لعقد لقاءات وتمويل تجمعات مناقشة قضايا الشأن العام والمستجدات، لينتهي كل شيء بإصدار حزمة من التوصيات النظرية، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تنزيلها في غياب الأرضية المناسبة، وعدم الانطلاق من الواقع المعاش.
في خضم تناسل مشاريع التشخيص، لما تعيشه قطاعات حساسة مثل التعليم والصحة والتشغيل، يتواصل هدر الزمن في تنزيل الإصلاحات الضرورية، لتتراكم المشاكل بعد ذلك وتصبح أكثر تعقيدا مع تعاقب الحكومات، التي تقوم بالتعامل مع الأزمات وفق تدابير ترقيعية، وليس بحث حلول جذرية لها، وهو الشيء الذي ظهرت نتائجه الكارثية من حيث تراجع جودة التعليم والصحة، وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، واستفحال ظاهرة الهدر المدرسي، وشائعات الهجرة السرية الجماعية.
علينا الانطلاق فعلا في العمل الميداني ولا شيء غير الميدان، لتنزيل إجراءات يمكنها المساهمة في الإصلاح وتفعيل التتبع والمراقبة وتقديم الحصيلة ومناقشتها، بعيدا عن لغة الإكراهات والمعيقات والحد من صفقات التكوين واللقاءات، التي تقدم معطيات حول قطاعات حساسة مثل التعليم، والحال أن المواطنين الفقراء، أو الذين يعيشون الهشاشة، يكتوون بنار الواقع البئيس ويتنظرون تغييره إلى الأفضل، وليس الحديث عنه بشكل متكرر.
نحن في حاجة ماسة إلى نهضة حقيقية تحركها الروح الوطنية، للعمل على كل المستويات لتحقيق تنمية ملموسة، تنقذ شبابنا من غول البطالة الذي يدفعهم كل يوم إلى اليأس والإحباط، والرفع من جودة التعليم بالمدارين الحضري والقروي، ما يمكن من تحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع، وتشجيع البحث العلمي والالتزام بالجدية في الموضوع لمواكبة التطور العالمي، واللحاق بركب الدول المتقدمة، لأن ذلك ليس مستحيلا، باعتبار بلادنا تتوفر على خام من الكفاءات الشابة.
هناك أوراش لا تقبل التأخير مثل الصحة والتعليم والتشغيل، وتتطلب العمل الكثير والقول القليل، لأنها ترتبط بالكرامة ومستقبل الوطن، وحفظ السلم الاجتماعي والاستقرار، وخلق مناخ اقتصادي إيجابي هو الذي يساهم في جلب الاستثمار وكسب ثقة المستثمرين ورأس المال، الذي إذا اكتسبت ثقته حلت جل المشاكل والأعطاب الاجتماعية، وأصبح المغرب يسير بسرعة واحدة نحو الازدهار والتقدم.