تخدير وإنعاش
وراء الخلاف القانوني بين وزير الصحة وهيئة الممرضين بخصوص إحجام فئة ممرضي التخدير والإنعاش عن القيام بهذه الأعمال دون مسؤولية طبيب متخصص في التخدير والإنعاش وإشرافه المباشر، يختفي مظهر من مظاهر فشل السياسة الصحية ببلادنا والمتمثل في النقص المهول لأطباء التخدير والإنعاش بكل المستشفيات المغربية العمومية، وهي “اللاسياسة” التي انتهت، بعد خطابات وردية عن الصحة، إلى وجود طبيب تخدير وإنعاش واحد لكل 100 ألف نسمة، ويزداد الوضع سوءا سنة بعد سنة، بينما المعدل المطلوب والضروري هو توفير 6 أطباء تخدير كحد أدنى لكل 100 ألف نسمة في انتظار الوصول إلى 20 طبيب تخدير لكل 100 ألف نسمة في أفق سنة 2030، حسب معطيات منظمة الصحة العالمية والاتحاد العالمي لجمعيات خبراء التخدير.
والواقع أن ممرضي وأطباء التخدير يعانون منذ ولايات حكومية من غياب أي قرارات مشجعة لواقع التخدير في المستشفيات العمومية والخاصة، بالتزامن مع وجود مغريات كبيرة في الخارج، تعمل على استقطاب الطبيب المغربي، لاسيما “طبيب التخدير”، بتعويضات مغرية، لذلك لابد للقطاع الوصي من تحصينه، علماً أن المجهود الكبير الذي يبذله ممرض وطبيب التخدير في إنقاذ حياة المريض وضمان انتظامية العمليات الجراحية لا يقدر حق قدره.
إن العجز الحاصل في مجال التخدير والإنعاش والطب الاستعجالي يفرض على الحكومة وضع استراتيجية صحية تتوخى تحقيق أربعة أهداف على الأقل، أولها تحصين اختصاص التخدير من التلاشي والنقص العددي الهائل الذي تم التنبؤ به منذ سنوات، وقرعت بشأنه ناقوس الخطر، ولكن لم تكن هناك سياسات قطاعية في مستوى العجز بل اعتمدت حلولا اجتزائية وترقيعية دون وجود رؤية استراتيجية متكاملة للتحصين، ويتجلى الهدف الآخر في ضرورة التوجه نحو توفير الحماية القانونية والقضائية لهذا الصنف من المهن الذي يتعرض في كثير من الأحيان لتلفيق التهم الكيدية دون غيره من أصناف الممرضين والأطباء الآخرين.
أما الهدف الثالث فيتمثل في تشجيع التخصصات والتكوين في هذا المجال، خصوصا وأن الورش الملكي المتعلق بالتغطية الصحية الشاملة يستوجب الرفع من الموارد البشرية في هذا المجال وإلا تحولت مستشفياتنا إلى الفوضى في تحديد مواعد العمليات الجراحية، أما الهدف الأخير فيهم تحسين الوضعية المادية لأطباء وممرضي التخدير والإنعاش، أو على الأقل الرفع من تعويضات المداومة لوقف نزيف الهجرة إلى الخارج أو الاستقالة من القطاع العام للتفرغ للمشاريع الخاصة.
لقد أصبحت أزمة التخدير الخانقة قضية رأي عام، ويجب تقديمها كملف ساخن على طاولة الحكومة، وإذا لم يتم التعامل معها بالجدية الكافية، فإن طب التخدير والإنعاش بدورهما سيدخلان في حالة حرجة، ولن يجدا من ينقذهما من الموت المحقق.