تحول جديد في تدبير شؤون مغاربة العالم
إصلاح قانوني وإعادة هيكلة مؤسسات الجالية
أعلن الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، عن إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، بهدف تعزيز ارتباط هذه الفئة بالوطن الأم، وفي اليوم الموالي للخطاب، ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اجتماعا تم خلاله تدارس الآليات الكفيلة بتنزيل الرؤية الملكية، أكد خلاله أن الحكومة التقطت الرسائل الملكية السامية بكل عناية وتدبّر، وعبأت كافة الإمكانيات لإنجاح هذا الإصلاح، وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي قد أوصى من خلاله بتطوير المشاركة والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم البالغ عددهم 5.1 ملايــين شــخص، حسب تقرير صادر عن المجلس، مشيرا إلى أن الفصل 17 مـن الدسـتور، يكفل للمغاربـة المقيميـن فـي الخـارج حقـوق المواطنـة كاملـة، بمـا فيهـا ممارسـة حقوقهــم الانتخابيــة فــي إطــار اللوائح والدوائر الانتخابيــة المحليــة والجهويــة والوطنيــة.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج
في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، أعلن الملك محمد السادس عن إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، بهدف تعزيز ارتباط هذه الفئة بالوطن الأم. وقال الملك «قررنا إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، وذلك من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتجاوب مع حاجياتها الجديدة».
وأضاف الملك أنه من أجل هذا الغرض «وجهنا الحكومة للعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، على أساس هيئتين رئيسيتين»، مشيرا إلى أن المؤسسة الأولى هي مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، يجب أن تقوم بدورها كاملا، كإطار للتفكير وتقديم الاقتراحات، وأن تعكس تمثيلية مختلف مكونات الجالية.
وفي هذا الصدد، دعا الملك إلى «تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال»، مبرزا أن المؤسسة الثانية تتمثل في «المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج»، والتي ستشكل فور إحداثها الذراع التنفيذي للسياسة العمومية في هذا المجال. وأكد الملك أنه سيتم تخويل المؤسسة الجديدة مهمة تجميع الصلاحيات، المتفرقة حاليا بين العديد من الفاعلين، وتنسيق وإعداد الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج وتنفيذها، لافتا إلى أن هذه المؤسسة الجديدة ستقوم، كذلك، بتدبير «الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج، التي دعونا لإحداثها وجعلها في صدارة مهامها».
وقال الملك إن الهدف هو «فتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، ومواكبة أصحاب المبادرات والمشاريع»، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة الجديدة مدعوة، من خلال انخراط القطاعات الوزارية المعنية ومختلف الفاعلين، إلى أن تعطي دفعة قوية للتأطير اللغوي والثقافي والديني، لأفراد الجالية، على اختلاف أجيالهم، وأضاف أنه «من أهم التحديات، التي يتعين على هذه المؤسسة رفعها، تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية، التي تهم أبناءنا بالخارج».
وقال الملك «كما نحرص، أيضا، على فتح آفاق جديدة أمام استثمارات أبناء الجالية داخل وطنهم»، مسجلا أنه «من غير المعقول أن تظل مساهمتهم في حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة في حدود 10 بالمائة». واغتنم الملك هذه المناسبة ليشيد بروح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن والمساهمة في تنميته، مؤكدا أن «المرحلة التي تمر منها قضية وحدتنا الترابية تتطلب استمرار تضافر جهود الجميع».
وتنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس، ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اجتماعا تم خلاله تدارس الآليات الكفيلة بتنزيل الرؤية الملكية، الرامية لإحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج والنهوض بأوضاعها.
وفي مستهل الاجتماع، استحضر رئيس الحكومة مضامين الخطاب الملكي السامي، الذي رسم معالم هذا الورش الإصلاحي، المتمثل في إعادة هيكلة الإطار المؤسساتي لــ«مجلس الجالية المغربية بالخارج» وإحداث «المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج»، مؤكدا أن الحكومة التقطت الرسائل الملكية السامية بكل عناية وتدبّر وعبأت كافة الإمكانيات لإنجاح هذا الإصلاح.
وأوضح عزيز أخنوش أن الحكومة ستسهر على تنزيل الرؤية الملكية المتبصرة، بالجدية والسرعة اللازمتين، عبر اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بضمان تنسيق والتقائية اختصاصات المؤسسات المعنية بشؤون مغاربة العالم، والتجاوب مع الحاجيات الجديدة لجاليتنا في المهجر.
وناقش المتدخلون في هذا الاجتماع المبادرات الكفيلة بتقوية الارتباط الثقافي والروحي لأفراد الجالية في الخارج بوطنهم، وتبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية الخاصة بهم، إضافة إلى مواكبة الكفاءات والمواهب ودعم مبادرات مغاربة العالم، وتشجيع استثماراتهم داخل المملكة على ضوء التحفيزات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد.
ومن جهته، أشاد مجلس الجالية المغربية بالخارج بمضامين الخطاب الملكي، معربا عن كامل استعداده للمساهمة في تنزيل التوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الملكي. وأبرز المجلس، في بلاغ، أنه تابع باهتمام كبير ما جاء في الخطاب الملكي، وخاصة التأكيد على أن المرحلة التي تمر منها قضية الوحدة الترابية للمملكة تتطلب استمرار تضافر جهود الجميع، مثمنا عاليا ما تضمنه من إشادة الملك بروح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن والمساهمة في تنميته.
وأشاد المجلس، في هذا الصدد، بقرار الملك إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، تعزيزا لارتباط هذه الفئة بالوطن، وذلك من خلال قرار إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين والتجاوب مع حاجياتها الجديدة.
وفي هذا الإطار، عبر المجلس عن تقديره العالي لتوجيه الملك «للحكومة من أجل العمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، على أساس هيئتين (..) مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، يجب أن تقوم بدورها كاملا، كإطار للتفكير وتقديم الاقتراحات، وأن تعكس تمثيلية مختلف مكونات الجالية»، فضلا عن دعوة الملك إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال، تفعيلا لمقتضيات الفصل 163 من الدستور.
وسجل المجلس بتقدير بالغ قرار الملك إحداث هيئة تحت اسم «المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج»، ستشكل الذراع التنفيذي للسياسة العمومية في هذا المجال، والتي سيتم تخويلها مهمة تجميع الصلاحيات، المتفرقة حاليا بين العديد من الفاعلين، وتنسيق وإعداد الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج وتنفيذها، علاوة على تدبير «الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج، وجعلها في صدارة مهامها، وذلك لفتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، ومواكبة أصحاب المبادرات والمشاريع، مع العمل على انخراط القطاعات الوزارية المعنية ومختلف الفاعلين، وأن تعطي دفعة قوية للتأطير اللغوي والثقافي والديني، لأفراد الجالية، على اختلاف أجيالهم، علما أن المجالين معا (الثقافي والديني) يحتلان الصادرة في أولويات السياسة العمومية المتعلقة بمغاربة العالم».
وبخصوص التحديات التي يتعين على هذه المؤسسة رفعها، مثل تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية، التي تهم الجالية المغربية بالخارج، يشير المصدر ذاته، فإن المجلس يشيد بحرص الملك على فتح آفاق جديدة أمام استثمارات أبناء الجالية داخل وطنهم. وخلص البلاغ إلى أن المجلس يعرب عن كامل استعداده وتعبئته للمساهمة في التنزيل الأمثل لكل التوجيهات الملكية التي تضمنها الخطاب الملكي السامي.
المجلس الاقتصادي يوصي بالمشاركة والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم
أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعــي والبيئي رأيه حول “تمتيــن الرابــط الجيلــي مــع مغاربــة العالــم: الفرص والتحديات”، في إطار إحالة ذاتية، أوصى من خلالها بتطوير المشاركة والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم.
ويسـلط المجلـس عبـر هـذا الـرأي الضـوء علـى الطابـع متعـدد الأبعـاد للرابـط بيـن مغاربـة العالـم والمملكـة المغربيـة، والعوامـل التـي تحـدد خصوصيتـه وعمقـه، والسـبل والوسـائل الكفيلـة بتمتينـه وضمـان ديمومتـه. ويسـعى المجلـس إلـى المسـاهمة فـي ديناميـة التفكيـر الوطنـي حـول موضـوع مغاربـة العالـم، التـي دعـا إليهـا الملـك محمد السادس، وذلـك مـن خــلال تقديـم تشـخيص تركيبـي لواقـع الحـال، تنبثـق عنـه توصيـات راميـة إلـى الإسـهام فـي تحييـن السياسـة الوطنيـة ذات الصلـة، وفـق مقاربـة واقعيـة ومبتكـرة، وذلـك بغيـة صـون وتخصيـب والتمتيـن المتبـادل للرابـط بيـن مغاربـة العالـم والمملكـة.
وحسب رأي المجلس، فقد بلــغ عــدد مغاربــة العالــم المســجلين لــدى شــبكة قنصليــات المملكــة عبــر العالــم 5.1 ملايــين شــخص، وبالإضافة إلـى هـذا العـدد، الـذي يمثـل نحـو 15 فـي المائـة مـن سـاكنة المملكـة، أشار المجلس إلى الأشــخاص الذيــن يعيشــون بالخــارج لكنهــم غيــر مســجلين لــدى القنصليــات، ســواء المغاربــة المــزدادون بالمغـرب والمقيمـون بالخـارج، أو المغاربـة أو مزدوجـو الجنسـية المـزدادون والمقيمـون بالخـارج الذيـن يحمـل أحـد والديهـم أو كلاهما الجنسـية المغربيـة، حيث يمكـن تقديـر إجمالـي الجاليـة المغربيـة بالخـارج بيـن 6 و6.5 ملايــين شــخص.
وأبرز المجلس أن هـذا العـدد يُظهـر أن جـزءاً مهمـا مـن السـاكنة النشـيطة بالمغـرب، سـيما الشـباب، يتخـذ قـرار الهجـرة، وقـد أضحـى حجـم التحويـلات الماليـة لمغاربـة العالـم يتجـاوز 7 فـي المائة مـن الناتـج الداخلـي الإجمالـي، إذ يُتَوقـع أن يناهـز سـنة 2022 مبلـغ 100 مليـار درهـم، واعتبر المجلس هـذه النسـبة المهمـة تعكـس متانـة الروابـط بيـن مغاربـة العالـم وبلدهـم الأصـل، لكن الطابـع الهيكلـي لمسـاهمتهم فـي التوازنـات الماكرواقتصاديـة للبـلاد ينطـوي علـى تحديـات كبـرى، ذلـك أن هـذه التدفقـات الماليـة وآفـاق تطورهـا تصطـدم بمخاطـر الاسـتدامة، خاصـة فـي ضـوء شـدة الصدمـات الاقتصاديـة وتواليهـا، كمـا يتعيـن التسـاؤل، حسب رأي المجلس، عـن مـدى قـدرة المغـرب علـى توجيـه تلـك التحويـلات نحـو أنشـطة إنتاجيـة واسـتثمارات طويلـة الأمـد.
ومن جهة أخرى، يَعتبــر المجلــس الاقتصــادي والاجتماعــي والبيئــي أن مســألة التمثيليــة السياســية لمغاربــة العالــم ينبغــي أن يُنظــر إليهــا فــي شــموليتها، بحيــث تتســع للمشــاركة فــي آليــات الديمقراطيــة التمثيليــة والتشــاركية، إضافــة إلـى الانخـراط فـي الشـأن العـام والمسـاهمة بالمبـادرات المواطنـة داخـل المجـالات الترابيـة لصالـح السـاكنة المحليـة والمجتمـع بأسـره.
وأكد المجلس أن تمثيــل مغاربــة العالــم فــي المؤسســات الاستشــارية وهيئــات الحكامــة الجيــدة والتقنيــن، من شأنه أن يتيــح لهـم علـى الأقـل التعبيـر عـن آرائهم وتطلعاتهـم بطريقـة ممنهجـة ومؤسسـاتية، بمـا يُمكنُهـم مـن المشـاركة فـي النقـاش المواطـن وفـي سـيرورة اتخـاذ القـرار.
وأشار إلى أن الفصل 17 مـن الدسـتور، يكفل للمغاربـة المقيميـن فـي الخـارج حقـوق المواطنـة كاملـة، بمـا فيهـا ممارسـة حقوقهــم الانتخابيــة فــي إطــار اللوائح والدوائر الانتخابيــة المحليــة والجهويــة والوطنيــة. غيــر أنــه لا ينــص صراحـة علـى إحـداث دوائـر انتخابيـة خـارج حـدود الوطـن.
وسجل المجلس في رأيه وجود صعوبـات تنظيميـة ولوجيسـتيكة إلـى جانـب موانــع قانونيــة لا تيســر إمكانيــة إحــداث دوائر انتخابيــة لمغاربــة العالــم. كمــا لا تســمح حــالات التنافــي التـي تنـص عليهـا المنظومـة الانتخابيـة للنخـب السياسـية النشـيطة خـارج المغـرب، والتـي تتولـى مسـؤوليات حكوميـة أو انتدابيـة أو عموميـة فـي بلـدان الإقامـة، بالترشح للانتخابـات فـي المغـرب (القوانيـن التنظيميـة المتعلقـة بمجلسي النـواب والمستشـارين، وبانتخـاب أعضـاء مجالـس الجماعـات الترابيـة).
وهكـذا، يضيف رأي المجلس، يُصبـح المغـرب مـن بيـن 111 دولـة عبـر العالـم التـي تكُفـل لمواطنيهـا المقيميـن بالخـارج حق التصويـت فـي الدوائـر الانتخابيـة المحليـة والجهويـة والوطنيـة داخـل أرض الوطـن، غيـر أنـه وحدهـا تسـع دول وضعـت منظومـة انتخابيـة وآليـة تضمـن، بكيفيـة متفاوتـة، لمواطنيهـا المقيميـن بالخـارج تمثيـلا برلمانيـاً بهـذه الصفـة.
وأوصى المجلس بتطويـر مشـاركة وتمثيليـة مغاربـة العالـم فـي المؤسسـات الاستشـارية وهيئـات الحكامـة الجيـدة الُمحَدثـة بموجـب الدسـتور أو القانـون، مع وضــع الترتيبــات التنظيميــة والتقنيــة، ســيما الرقميــة منهــا، الكفيلــة بتيســير التســجيل فــي اللوائح الانتخابيــة الوطنيــة والتصويــت فــي الانتخابــات التشــريعية بالنســبة لمغاربــة العالــم.
وأوصى المجلس كذلك بتعزيــز التعــاون اللامركــزي الدولــي بيــن الجماعــات الترابيــة فــي المغــرب ونظيرتهــا فــي الخــارج والتــي تضم فـي عضويتهـا منتخبيـن مـن مغاربـة العالـم الذيـن يُقـدر عددهـم بـالآلاف فـي المجالـس المنتخبـة عبـر العالـم، وتسـخير خبـرات مغاربـة العالـم وشـبكات الكفـاءاًت المغربيـة المقيمـة بالخـارج فـي بلـورة وتنفيـذ برامـج ثنائية وإقليميـة ودوليـة مرتبطـة بالهجـرة عمومـا ومواجهـة آثـار التغيـرات المناخيـة والتكيـف معهـا، إلـى جانـب تقويـة قـدرات السـاكنة المحليـة المسـتهدفة، فضلا عـن الحـوار مـع الشـركاء الدولييـن.
مغاربة العالم.. إقرار دستوري وتنظيم مؤسساتي
يشكل المغاربة الذين يعيشون في خارج البلد، والذين يطلق عليهم غالبا «مغاربة العالم»، جزءا مهما من المناقشات في السياسة المحلية، حيث لا يزال العديد منهم في الخارج يحتفظون بصلات وثيقة مع بلدهم الأصلي. تستكشف هذه الورقة تاريخ المشاركة السياسية للمغتربين في المغرب، والأنماط التي يتم فيها تسهيل هذه المشاركة أو إعاقتها وتقدم توصيات للمسارات إلى تمثيل أكثر شمولا، مثل هذه الخصائص قد أثارت اهتمام السلطات السياسية منذ عقود من الزمن، وجعلتها تضع استراتيجيات وأطرا مؤسسية متنوعة، الهدف منها تعبئة موارد ومهارات مغاربة العالم، سيما المالية منها والتكنولوجية. يتعلق الأمر هنا بتعزيز مشاركة المهاجرين في بلدهم الأصلي والنهوض بها من خلال «التعبئة»، التي تعني في هذا المجال، المبادرات الحيوية التي تتخذها الدولة لصالح أفراد جاليتها المقيمة في الخارج، وبالفعل فقد استخدم المغرب طرقا مختلفة تُعبِد الطريق لانخراط الجالية في تنمية البلاد.
ورغم الفاعلية النسبية التي مَيّزت الممارسات الرامية إلى إشراك أفراد الجالية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي بدت نشطة، بفعل تحفيزات من هنا وهناك، إلا أن المشاركة السياسية العملية ما زالت متجمدة ومحل جدال منذ تجربة تسعينيات القرن الماضي، وهذا ما يؤكده نموذج التنمية الجديد الذي يستمر في التقليل من شأن المشاركة الكاملة للجالية المغربية المقيمة في الخارج، في مجال السياسة العامة، وفي ظل غياب إطار مؤسسي واضح يتيح للجالية التمثيل الشرعي وتوفير مجال تدخل محدد المعالم، ستبقى مسألة مشاركة الجالية المغربية في السياسات العامة معلقة.
وتتميز مشاركة مغاربة العالم MDM في مجال تنمية المغرب بثلاث مراحل رئيسية تعكس المقاربات المختلفة ودرجات التوجيه المقترحة من قِبل السلطات العمومية، إلى غاية أواخر الثمانينيات، كان أفراد الجالية المغربية MDM يُنطر إليهم من الناحية المؤسسية، على أنهم جزء يندرج حصريا ضمن سياسة التوظيف، وكانوا يوصفون بأنهم عمال مغاربة بالخارج، وكانت الهياكل المكلفة بدور الوسيط بين المهاجرين وبلدهم الأصلي، عبارة عن هياكل جمعوية تشرف عليها السلطات المغربية على الجانبين، في البلد الأصلي وفي البلد المضيف. وكان الاهتمام بأفراد الجالية المغربية واضحا على الدوام، باعتبارهم مصدر تمويل ولا يزال الأمر كذلك. ومنذ وقت مبكر جدا، وضع النظام المتبع من قِبل السلطات، في متناول الجالية، شبكة من الوكالات الموجودة في القنصليات والسفارات المغربية في البلدان، التي يوجد فيها حضور قوي للمهاجرين من أصل مغربي.
وتجدر الإشارة إلى أنه مع نهاية الثمانينيات، وخاصة بداية التسعينيات، عرف المشهد المؤسسي المكلف بالهجرة ولادة أول قسم وزاري للمغاربة المقيمين بالخارج، وأنشئت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج(MRE) ، إلى جانب تركيز مؤسسة الحسن الثاني على الأبعاد الاجتماعية والثقافية لتعزيز روابط أفراد الجالية المغربية مع بلدهم الأصلي، فقد ساهمت في التعريف بالمهاجرين المغاربة بصفتهم فاعلا اقتصاديا وأنشأت برامج خاصة للعناية بهم وتأطيرهم، وبذلك عرفت مسألة تعبئة الدولة لأفراد الجالية اهتماما متزايدا وسط مختلف الفاعلين المعنيين، وأصبحت محل برامج ومبادرات، انطلاقا من البلدان المضيفة ومن المغرب، أقيمت لتعكس اتجاه ظاهرة «هجرة الأدمغة».
انطلاقا من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وإلى يومنا هذا، شهد المغرب تسارعا في عملية التعبئة شكلا ومضمونا، وقد حدثت هذه التطورات في سياق سياسي جديد تميز بحدثين رئيسيين: أولهما، وصول المعارضة السياسية لأول مرة منذ استقلال المغرب إلى الحكومة (1997-2002)؛ ومن بعد ذلك بعامين (1999)، اعتلاء الملك الشاب محمد السادس عرش المملكة. وقد صاحب هذين الحدثين افتتاح العديد من الورشات الهامة، من جملتها، اليد الممدودة من الدولة في اتجاه المعارضين المقيمين في الخارج والمنفيين السياسيين. وتميزت هذه المرحلة على المستوى الدولي ببروز مقاربة «اكتساب الأدمغة وتغيير الأدمغة»، وهي عبارة عن مقاربة إيجابية لفعل الهجرة بهدف تحويلها إلى دعم للتنمية على محورَي دول الضيافة والإقامة.
من الناحية المؤسسية، شهد المغرب استعادة الحقيبة الوزارية الخاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج (ابتداء من 2002)، وتقرير اليوم الوطني للمهاجر، وإنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج (2006)، وإطلاق برنامج (FINCOME) المنتدى الدولي للمهارات المغربية بالخارج (2003-2009). وعلى المسار نفسه، نظم المغرب في دجنبر 2007 مؤتمرا تمخض عنه إنشاء شبكة الاستثمار المغربية، واعتماد استراتيجية جديدة قائمة على ثلاثة مراكز اهتمام (التحويلات المالية، وتعبئة المهارات، والتنمية المشتركة بما في ذلك مساهمة منظمات المجتمع المدني)، ووضع برنامج لاستقطاب المهارات المغربية.
في خضم هذا الغليان والزخم المؤسسي، وُلِد مجلس الجالية المغربية بالخارج(CCM) . ومن خلال مهمته الاستشارية حول السياسات العامة ذات الصلة بأفراد الجالية المغربية، تكفل هذا المجلس بتغطية المواضيع الرئيسية، التي تسمح بتسليط الضوء على قضية الهجرة وفهم تفاصيلها بشكل أفضل، تحت إشراف وتنشيط مؤسسة وطنية، تنعكس أعمالها من خلال هيكلها المُشَكل من ست مجموعات عمل، تشمل المهارات العلمية والتقنية والاقتصادية والتنمية التضامنية، والمواطنة والمشاركة السياسية، والإدارة، وحقوق المستخدمين والسياسات العامة، وشؤون الأديان والتعليم الديني، والمقاربة الجنسانية والأجيال الجديدة. أثارت تعبئة أفراد الجالية أيضا اهتمام آليات التعاون الدولي، وتم التركيز بشكل كبير على معرفة الدور الاقتصادي للجالية المغربية وما تضطلع به في مجال ريادة الأعمال وتعزيز هذا الدور، والبحث في ممارساتها بصفتها جهة فاعلة في التنمية المحلية. وقد شهد هذا النموذج توسيعا في مجال عمله، لكن اعتبارا من 2011، ورغم الإصلاحات الدستورية الداعمة للمشاركة السياسية لأفراد الجالية، لا يزال تنفيذها معلقا.
وقد كرس الإصلاح الدستوري الأخير لعام 2011 مشاركة المغاربة في تنمية بلدهم الأصلي كحق دستوري، وهو ما جسدته عضوية رئيس مجلس الجالية المغربية ضمن أعضاء اللجنة المسؤولة عن عملية الإصلاح الدستوري. فضلا عن ذلك، نظم هذا المجلس دورة تشاور جمعت مغاربة من جميع أنحاء العالم، لصياغة الأحكام التي يُرتقب أن يتضمنها الدستور الجديد .وقد تكللت هذه المشاركة بإضفاء الطابع الدستوري على مجلس الجالية المغربية من جهة، وإدراج إشارات واضحة حول حقوق وأدوار أفراد الجالية المغربية.
وبذلك يمكننا أن نقرأ في الفصل 16 من الدستور التزام المغرب بحماية حقوق ومصالح أفراد الجالية المغربية، من خلال إعادة التأكيد على إرادة البلاد في الحفاظ على الروابط الإنسانية لأفراد الجالية مع المملكة وتطوير هذه الروابط، وكذلك تعزيز مساهمتهم في تنمية المغرب، ويقر الدستور أيضا للمغاربة المقيمين في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات (الفصل 17)، ويؤكد التزام السلطات العمومية بضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة للبلاد. (الفصل 18). أخيرا، يقر الفصل 163 بالدور الأساسي لمجلس الجالية المغربية بالخارج، من أجل إصدار آراء حول توجهات السياسات العامة المتعلقة بأفراد الجالية في الخارج.
تحويلات المغاربة بالخارج.. انعاش لخزينة الدولة وتجديد لروابط قوية
شكلت التحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج، ومازالت، واحدا من المداخيل المهمة لخزينة الدولة من العملة الصعبة، وقد سجلت مستوى قياسيا، في السنوات الأخيرة منذ جائحة كورونا، إلى سنة 2023، والتي بلغت فيها 115,3 مليارات درهم مقابل 110,8 مليارات درهم في سنة 2022، أي بارتفاع نسبته 4,1 في المئة، وهي الأرقام التي كشفها مكتب الصرف في تقريره السنوي لميزان المدفوعات ووضع الاستثمار الدولي للمغرب، مبرزا أن متوسط معدل النمو السنوي لهذه التحويلات خلال الفترة 2020-2023 بلغ 19,2 في المائة.
وأوضح التقرير أن ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج شمل عددا من بلدان الإقامة الرئيسية؛ ويتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية (زائد 47 في المائة أو زائد 3,9 مليارات درهم)، والإمارات العربية المتحدة (زائد 24,8 في المائة أو زائد 1 مليار درهم)، والولايات المتحدة الأمريكية (زائد 11,3 في المائة أو زائد 0,7 مليارات درهم)، ومن حيث الحصة، تظل فرنسا المصدر الرئيسي لهذه التحويلات بحصة قدرها 30,8 في المائة من إجمالي تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، تليها إسبانيا (12,6 في المائة)، والمملكة العربية السعودية (10,7 في المائة) وإيطاليا (9,2 في المائة).
وخلال السنوات الخمس الماضية، حققت تحويلات المغاربة المقيمين بكندا أعلى معدل نمو سنوي متوسط بنسبة زائد 37 في المائة، تليها المملكة العربية السعودية (زائد 27,2 في المائة)، ثم إسبانيا (زائد 26,2 في المائة)، هذا في الوقت الذي توقع بنك المغرب بأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ستواصل منحاها التصاعدي لتسجل رقما قياسيا قدره 117,5 مليار درهم سنة 2024، في تحسن نسبته 1,9 في المئة.
وأوضح بنك المغرب، في تقريره السابق حول السياسة النقدية، الصادر في أعقاب اجتماع مجلس إدارته الفصلي الثاني برسم سنة 2024، أن “المعطيات المتوفرة تشير إلى استمرار المنحى التصاعدي لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، مع تحسن بنسبة 1,9 في المئة في سنة 2024 إلى 117,5 مليار درهم، وبنسبة 5,3 في المئة في سنة 2025 إلى 123,7 مليار درهم”، وأشار البنك المركزي إلى أنه من المتوقع أن تواصل مداخيل السفر، من جانبها، أداءها مع ارتفاع بنسبة 5,8 في المئة إلى 110,8 مليار درهم، مبرزا أنها سترتفع في سنة 2025 بنسبة 5,8 في المئة إلى 117,2 مليار درهم.
غير أن خبراء في المجال الاقتصادي بينوا أنه “حتى الآن، لا يتجاوز حجم التحويلات التي يتم تحويلها إلى الاستثمار 10 في المائة فقط. ومع ذلك، إذا ارتفعت هذه النسبة بشكل كبير، فإن ذلك سيسهم في خلق فرص عمل جديدة، وتوفير تجارب متنوعة، فضلا عن الانفتاح على أسواق جديدة”، معتبرين أنه “لا ينبغي أن نغفل أن أفراد الجالية المغربية في دول؛ مثل كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا، عندما يقررون الاستثمار، سيحاولون التركيز على رصيد من علاقاتهم في ذلك البلد، وهذا سيعزز لنا القطاع السياحي، كما أن هذه الاستثمارات يمكن أن تمتد لتشمل قطاعات أخرى”.
ولفت الباحثون إلى أن هناك “ميثاقا للاستثمار يشمل جميع القطاعات، بالإضافة إلى برامج خاصة تستهدف الاستثمار في مجالات محددة؛ مثل القطاع السياحي”، مؤكدين على “أهمية انخراط الجميع في هذه البرامج”، بالإضافة إلى “الإمكانيات الكبيرة المتاحة لتطوير القطاع”، كما أن “المغرب مقبل على تنظيم العديد من التظاهرات التي ستساهم في تعزيز هذا التوجه”، مشيرين إلى أن “الجالية المغربية المتواجدة في جميع دول العالم تلعب دورا كبيرا في إنعاش الاقتصاد المغربي، وذلك من خلال حجم التحويلات التي تقوم بها سنويا؛ حيث بلغ حجم التحويلات رقما مهما”.
وفي السياق ذاته، يرى الباحثون أنه “إذا أخدنا مقارنة بسيطة في الخمس سنوات الماضية؛ حيث سجلت، في سنة 2019، حوالي 64 مليار درهم، وفي سنة 2020، ارتفع حجم التحويلات لـ68 مليار، فقد استمر في الارتفاع إلى أن تجاوز 115 مليار درهم، سنة 2023″، موضحين أن “الأجيال الجديدة التي تختلف عن الأجيال الأولى حصلت على تعليم عال ولديها خبرة واسعة. كما أنها راكمت الكثير من المهارات. ومن خلال هذه الخبرة، يمكنها أن تسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني، إذا ما تم توجيه جزء مهم من هذه التحويلات إلى الاستثمارات”.
ويشير المختصون إلى أن “ميثاق الاستثمار الجديد يوفر دعما كبيرا للمستثمرين، ولكن يجب توفير التأطير اللازم لهم. وفي رأيه، فإن إنشاء هيئة من هذا النوع سيكون لها دور كبير في تعبئة الموارد البشرية، وتنظيم الكفاءات والتحويلات المالية؛ مما سيسهم في زيادة الاستثمارات المنتجة، ويعزز مساهمة الجالية المغربية في الاقتصاد الوطني”، كما أنه “إذا تم تقديم تحفيزات أكبر لتمكين الجالية المغربية من الاستثمار المباشر، فإن ذلك سيعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، خاصة من خلال تجربتهم الواسعة في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها القطاع السياحي”.
وأبرزوا أن “10 في المائة فقط تذهب إلى الاستثمار، وحتى هذا النوع من الاستثمارات لا يحقق قيمة مضافة كبيرة. على سبيل المثال، في سنة 2023، تم تحويل 115 مليون درهم، تم استثمار 10 في المائة منها فقط. إذا تمكنا من زيادة نسبة الاستثمار إلى 30 في المائة بدلا من 10 في المائة، فهذا سيسهم بشكل كبير في خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية”.
«مساهمات مغاربة العالم مهمة جدا ويجب توحيد البرامج الموجهة لهم»
– ما المساهمة الاقتصادية التي يقدمها المغاربة المقيمون بالخارج لبلدهم الأم؟
يجب، أولا، التأكيد على أن مساهمة مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني مهمة جدا، على اعتبار أنهم يوفرون للحكومة ولخزينة الدولة مبالغ مهمة من العملة الصعبة التي تتيح إمكانية استمرار الوفاء بالالتزامات الدولية. وهنا يجب الوقوف عند معطيات، من قبيل أن تحويلات مغاربة العالم من العملة الصعبة انتقلت من 60 مليار درهم سنة 2019 إلى 115 مليار درهم سنة 2023، ومن المتوقع أن تتجاوز 120 مليار درهم هذه السنة، وبالتالي فقد تضاعفت هذه التحويلات بنسبة 100 في المائة في ظرف أربع سنوات.
من هذا المنطلق يمكن القول إن تحويلات مغاربة العالم تنقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية، الأول يتمثل في التحويلات التي تذهب في منحى التضامن العائلي، وهذا النوع ارتفع منذ جائحة كورونا، التي كان لها تأثير كبير على الأسر المغربية، وكانت سببا في هذا الارتفاع، حيث دفعت المغاربة المقيمين بالخارج إلى الزيادة من قيمة تحويلاتهم من أجل مساعدة أسرهم في المغرب المتضررة من الآثار السلبية للجائحة، وبالتالي فـ60 في المائة من تحويلات مغاربة العالم تذهب في منحى التضامن العائلي، بينما 25 في المائة تذهب نحو الادخار مقابل 15 في المائة فقط من هذه التحويلات التي تذهب في منحى الاستثمار، وهو ما يمكن أن نستنتج منه أن هذه الاستثمارات تبقى ضعيفة جدا، بل إن 99 في المائة من هذه الاستثمارات تبقى تقليدية وتذهب في منحى شراء العقارات أو أراض أو الاستثمار في محلات تجارية ومقاه، بينما يمكن أن يتم توجيه هذه الاستثمارات في منحى ذات قيمة أكبر، هذا دون إغفال قوة الروابط لدى مغاربة العالم ببلدهم الأم. لذلك يتم تسجيل عودة حوالي مليوني مهاجر سنويا في إطار عملية «مرحبا»، وهذا الأمر يخلق انتعاشة مهمة للقطاع السياحي. وتشكل عائدات القطاع السياحي من مغاربة العالم حوالي 50 في المائة من مجمل عائدات القطاع، دون إغفال الجهد الكبير الذي يقوم به مغاربة العالم في دعم الاقتصاد وخلق الثروة وخلق مناصب الشغل والاقتصاد المنتج. لكل هذا وجب تقديم المزيد من الدعم والعناية لهذه الفئة المهمة من المواطنين، سواء في دعم جهود اندماجها في بلاد المهجر أو حتى في ما يتعلق بالخدمات ومصالحها ببلدها الأم.
– ماذا عن برامج الحكومة لمواكبة هذه الشريحة من المواطنين المغاربة؟
أعتقد أن برامج الحكومة في كل ما يتعلق بمواكبة مغاربة العالم تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أولها أن هناك تطورا لا بأس به في بلدان المهجر، من خلال تبسيط المساطر الإدارية، والقنصليات المتنقلة وغيرها من الخدمات التي يتم اعتمادها لصالح مغاربة العالم في بلدان الإقامة، والتي بدأت تشهد تحسنا كبيرا، خصوصا في ما يتعلق بالخدمات القنصلية والإدارية والمعاملات التوثيقية، ويجب تطوير العمل في هذا الجانب. زيادة على كون هذه الفئة تحظى برعاية كبيرة من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ولا أدل على ذلك من عملية «مرحبا» التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تمتد لثلاثة أشهر، وعلى مستوى بلدان المهجر، بغاية تسهيل عملية العبور والعودة للوطن. لكن إلى جانب كل هذا، يجب التأكيد على ضرورة العمل بنجاعة أكبر على عنصر تبسيط المساطر الإدارية، على اعتبار أن هؤلاء المغاربة القادمين من المهجر يكونون تحت ضغط الوقت خلال العطل الصيفية وهم ملزمون بقضاء أغراضهم هنا في المغرب خلال تلك الفترة، واستخراج مجموعة من الرخص والوثائق، علما أنه يمكن اعتماد الأنترنت لاستخراجها. زيادة على كل هذا، فإن مؤسسات الأبناك وشركات مؤسسات التمويل، والمؤسسات التي تعنى بالاستثمار، على غرار المراكز الجهوية للاستثمار وغيرها، مطالبة اليوم ببذل مجهود مع هذه الفئة من أن أجل الخروج من النمط التقليدي للاستثمارات التي يمكن أن يقدمها مغاربة العالم للمغرب، مع استثمارات الكفاءات المغربية المتواجدة بالخارج في هذا الجانب، وتشبيك عمل المؤسسات وخلق صناديق استثمار خاصة، كما هو الشأن بالنسبة لصندوق استثمار مغاربة الخارج، وهو الذي يدعم استثمارات المغاربة المقيمين بالخارج من خلال دعم المشاريع في حدود مليون درهم.
– ماذا بخصوص التلقائية برامج المؤسسات المعنية بالمغاربة المقيمين بالخارج؟
أعتقد أن خطاب جلالة الملك، بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، كان واضحا جدا، حيث لا تمكن الاستفادة من قدرات وتجارب ومهارات مغاربة العالم دون سياسة عمومية تتسم بالالتقائية. وهنا يجب تطوير ثلاث آليات أساسية، أولاها مجلس الجالية المغربية بالخارج، وهو مؤسسة دستورية يجب أن تشتغل على تطوير دورها باعتبارها مؤسسة استشارية من خلال التفكير في السياسات العمومية والدور الاستراتيجي الذي يحمل هم مغاربة العالم في كل بقاع المعمور، إلى جانبها، يجب عدم إغفال ضرورة توفر الذراع التنفيذي لسياسات الدولة في هذا الجانب، واليوم هناك عدد من المؤسسات، من قبيل مؤسسة محمد الخامس للتضامن والوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، بالإضافة إلى مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وهذا ما يعطي سمة تعدد المخاطبين، لهذا وجب توحيدهم في ذراع تنفيذي واحد، بغاية الاستفادة من المغاربة المقيمين بدول المهجر، وبحث سبل الاستفادة من الخبرات المغربية في تلك الدول مع إرادة سياسية حقيقة لدى الفاعلين الحكوميين.
*محلل اقتصادي