ما أن انتهى حفل افتتاح كأس العالم للأندية، وانطلقت المباراة الأولى بين الأهلي المصري وأوكلاند سيتي النيوزلندي، حتى طلعت التهنئة من «فيفا» عبر موقعها الرسمي. «حفل افتتاحي رائع يليق بكأس العالم..طنجة تتزين وتتألق»، كانت هذه العبارة كافية لتلجم أفواه المشككين في قدرات المغرب على احتضان مونديال مصغر أعرضت عنه كثير من الدول.
لم يستغرق حفل الافتتاح أكثر من 19 دقيقة، في إشارة للنسخة 19 من هذه المسابقة العالمية، ولم تتم الاستعانة بخطيب على سبيل الإعارة يتجرع أمام الحاضرين ما علق في جوفه من أحقاد سياسية، لم يطلق اتحاد الكرة المغربي اسم مناضل قبايلي على ملعب طنجة، حتى لا يختلط حابل الكرة بنابل السياسة. لم تستعن بمن يجيد كراء «حنكه» ويقدم ولاءه لمن يدفع أكثر. فقد بعث ابن بطوطة من جديد ليحدثنا عن تحفة النظار في غرائب الأمصار، ويذكرنا بقيم الرياضة وبكرة محشوة بما تيسر من هواء التعايش والتعارف والتنافس الشريف.
ظهر وليد الركراكي مدرب المنتخب المغربي، ليراجع معنا الدروس المستخلصة من المونديال، اختبر ذاكرتنا وتبين أنها تحفظ عن ظهر قلب وعقل دروس «النية» والإقدام ورضا الوالدين، وفروض التربية الوطنية. وحين لمس مدى تجاوب الجمهور مع لازمة «سير سير»، انتشل الحاضرين من حماسهم ودعاهم لاستحضار عزيز قوم رحل، فوقف الجميع دقيقة صمت ترحما على روح ملك الكرة «بيلي».
في أقل من ثلث ساعة، كان عرس الافتتاح أمرا مقضيا، تنفس رئيس الصعداء، الاتحاد الدولي لكرة القدم و«كاف» والجامعة ووزارة الرياضة ووالي طنجة، فقد سقط المثل الشعبي المأثور، «عرس ليلة تدبيرو عام» بالتقادم، لم يعد صالحا لهذا الزمن وهذا الوطن. فعرس «الموندياليتو» لم تتجاوز فترة تدبيره شهرا واحدا، هي مدة لا تكفي لطلاء واجهة عمارة، فما بالك بتنظيم حدث رياضي كوني.
حين اعتذرت اليابان عن تنظيم «الموندياليتو»، وقالت بجرأة مشبعة بالتبريرات البراغماتية: «لن نكسب شيئا من وراء هذا الحدث»، قالت «فيفا» لدولة قطر: «نظمي التظاهرة لقد اكتسبت خبرة التنظيم»، فاعتذرت بلباقة. فقالت أمنا «كاف» لمصر: «يا أم الدنيا احتضني مونديال الأندية» فرفضت، وقال الاتحاد الأسيوي للإمارات: «انتشلي الدورة من التيه والنسيان»، فجاء قرار الرفض سريعا، لكن المغرب قبلها، في ما يشبه لعبة أكلة البطاطس.
هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي يهب فيها المغرب لنجدة «كاف» و «فيفا»، فقد احتضن نهائيات كأس إفريقيا للأمم سنة 1988، حين اعتذرت زامبيا عن تنظيم «كان». وفي العام الماضي استضاف المغرب مباريات العديد من المنتخبات الإفريقية، حتى خيل لنا أننا نحتضن نسخة من نهائيات كأس إفريقيا «غير بالريط». لم نطبق عليهم قانون «اللي زار يخف» ولم نشهر في وجوههم القول المأثور «ضيافة النبي ثلاثة أيام»، ولكننا توعدنا المشككين في قدراتنا التنظيمية، ورددنا على مسامعهم: «اللي قال العرس ساهل يسقيلو غير الماء ديالو».
في السياسة كما في الرياضة، لدينا استعداد فطري لتعويض بلد التمس لنفسه عذر الانسحاب، فنكث وعده وخجل من كتابة سطور الاعتذار. نحن في حالة إحماء مستمر، وعلى أهبة لاحتضان المسابقات الرياضية والسياسية والفنية والاقتصادية، كلما ظهرت على دولة أعراض الانسحاب.
نحن «الدار الكبيرة» التي تفتح أبوابها في وجه من قصدها، نحن أمة تستطيع أن تنظم دورة عالمية في خمسة أيام بدون غاز. نحن شعب تمرس بالتظاهرات الكبرى، وآمن بأن احتضان حدث رياضي كالزواج «قسمة ونصيب».
كان مؤشر ملكة الإبداع مرتفعا، عجز أمامه أعداء النجاح عن حشد ما تيسر من «تقواس».
حسن البصري