تحديات الأمن الاستراتيجي
ليس من باب المبالغة أن ندعي أن العمود الفقري والمفهوم المفتاح للخطاب الملكي الذي دشن به السنة الأولى من الولاية التشريعية الجديدة، هو مفهوم «الأمن الاستراتيجي» للدولة المغربية وقضاياه وتجسيداته، لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات. وكما جاء في التوجيه الملكي للحكومة والبرلمان وكل المؤسسات الدستورية المدنية والأمنية والعسكرية والقضائية الحاضرة في الجلسة البرلمانية، فقد أبانت الأزمة الوبائية عن عودة قوية لقضايا السيادة للواجهة، والتسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها، الصحية والطاقية، والصناعية والغذائية، وغيرها، مشددا على ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد .
إنَّ الدفاع عن الأمن الاستراتيجي يوجب على الطرف المدافع، ونقصد هنا تحديدا حكومة عزيز أخنوش والبرلمان والمؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي، أنْ يكونوا في مستوى استيعاب التحديات والانتظارات، وخوض معارك شرسة لضمان الأمن الغذائي والطاقي والصحي والعسكري، والحق يقال إنَّ الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة التي لا تستطيع تأمين حاجيات الوطن، لا يمكنها أنْ ترتقي إلى مستوى الدفاع عن الذات وعن الأمن الاستراتيجي.
وبالنتيجة، فإن مضامين خطاب جلالة الملك محمد السادس الموجه للحكومة والبرلمان تذكر بأن الأمن الاستراتيجي ليس مجرد عواطف وطنية أو شعارات حماسية أو شماعة لتعليق الفشل في تدبير الشأن العام، بل خيار وجودي للدولة تستمد منه قوتها بعد تأمين الأمن الصحي والطاقي والغذائي وخلق الثقة لدى المواطن بأن حقوقه الأساسية في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والمدنية مضمونة، وهذا لن يتأتى إلا بسياسات عمومية ومخططات ذات طابع استراتيجي قابلة للتطبيق ومضمونة الأثر الفوري والجدوى على المديين المتوسط والبعيد.
طبعا لن يكون تحقيق الأمن الاستراتيجي للدولة المغربية نزهة في حديقة، بل حربا مليئة بالتهديدات وربما الخسائر الجانبية، خصوصا وأنها ستتطلب تغيير وجهات التحالفات والشراكات التي تتطلبها المصلحة العليا للدولة المغربية، وهذا وحده كفيل بتحرك الخطط المعدة سلفا من قبل بعض الأطراف التي لن يروقها الأمر وستحاول جاهدة إيجاد غطاء عسكري أو ديبلوماسي أو إعلامي يسمح لها بالتدخل في شؤون بلدنا ومحاولة زعزعة استقراره لحماية مصالحها الكبرى.
لذلك فرسالة الخطاب الملكي واضحة مفادها أن المغرب سيؤمن أمنه الاستراتيجي بأي ثمن ولن يسمح لأي كان أن يعطل مشروعه بتحويله إلى دويلة أو لكانتون موالٍ لأي دولة أخرى.