شوف تشوف

اقتصادالرئيسيةالملف السياسيسياسية

تحديات اقتصادية تواجه المغرب في 2023

 توقعات حكومية بتراجع الأسعار ومعدل التضخم وتقليص عجز الميزانية

على غرار كل دول العالم، عرف الاقتصاد الوطني ركودا، خلال سنتي 2020 و2021، بسبب تداعيات الأزمة الصحية العالمية، لكن خلال السنة التي ودعناها، بدأت تظهر بوادر انتعاش اقتصادي، رغم إكراهات السياق الدولي وارتفاع الأسعار الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

مقالات ذات صلة

ويظهر، من خلال تصريحات المسؤولين الحكوميين، أن الحكومة متفائلة بخصوص وضعية الاقتصاد الوطني، خلال السنة الحالية، حيث تراهن، ضمن قانون المالية لسنة 2023، على تحقيق نسبة نمو في حدود 4 في المائة برسم هذه السنة، مع حصر معدل التضخم في حوالي 2 بالمائة وعجز الميزانية في 4,5 بالمائة.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

توقعات المندوبية السامية للتخطيط لوضعية الاقتصاد الوطني

 

تقوم المندوبية السامية للتخطيط بإعداد الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2023، والتي تقدم مراجعة للنمو الاقتصادي الوطني لسنة 2022 وكذا استشراف آفاق تطوره خلال سنة 2023. وستمكن هذه الميزانية الحكومة وأصحاب القرار، عبر التطور الاقتصادي المرتقب لسنة 2023، من تسطير توجهات سياساتهم، حيث تشكل إطارا مرجعيا لتحديد الأهداف الاقتصادية، مدعما بالتدابير المرتقب تنفيذها، خاصة في إطار القانون المالي لسنة 2023.

وترتكز التوقعات الاقتصادية لسنة 2023 على وتيرة نمو معتدلة للاقتصاد العالمي ستؤدي إلى تباطؤ الطلب العالمي الموجه نحو المغرب وعلى مواصلة الأسعار العالمية للسلع تسجيل مستويات عالية. كما تعتمد هذه الآفاق على سيناريو متوسط لإنتاج الحبوب وعلى نهج السياسة المالية نفسها المتبعة خلال سنة 2022.

غير أن هذه الآفاق تبقى رهينة بمدى تطور العديد من مظاهر القلق والمخاطر المرتبطة أساسا بالتطورات التي ستعرفها الوضعية الجيوسياسية والتداعيات المترتبة عليها، خاصة الاختلالات التي تعرفها سلاسل التخزين وضعف الاحتياطي من المنتجات الأساسية.

 

 

مؤشرات اقتصادية

 

بناء على كل هذه الفرضيات، ستسجل القيمة المضافة للقطاع الأولي زيادة بـ11,8 بالمائة، مدعمة بتعزيز أنشطة الزراعات الأخرى وتربية الماشية خلال الموسم الفلاحي 2022-2023. غير أن الأنشطة غير الفلاحية ستعرف تباطؤا في وتيرة نمو قيمتها المضافة لتصل إلى حوالي 2,9 بالمائة سنة 2023 عوض 3,5 بالمائة سنة 2022. وهكذا سيسجل القطاع الثانوي نموا بـ3,5 بالمائة سنة 2023، نتيجة التحسن المتوقع للصناعات التحويلية ولقطاع المعادن الذي سيستفيد من انتعاش الطلب على الفوسفاط ومشتقاته.

وستواصل أنشطة قطاع البناء تأثرها بشكل سلبي بارتفاع أسعار منتجات البناء. ومن جهته، سيعرف القطاع الثالثي نموا معتدلا، حيث ستتراجع وتيرته إلى حوالي 2,5 بالمائة سنة 2023 عوض 4,5 بالمائة المرتقبة سنة 2022، ويعزى ذلك أساسا إلى تباطؤ وتيرة نمو الخدمات التسويقية إلى حوالي 2,1 بالمائة عوض 4,5 بالمائة سنة 2022، في حين ستسجل الخدمات غير التسويقية زيادة بـ4,1 بالمائة سنة 2023.

وبناء على تطور الضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات بـ1,5 بالمائة، سيعرف الناتج الداخلي الإجمالي نموا بمعدل 3,7 بالمائة سنة 2023 بعد تباطئه المرتقب سنة 2022 إلى 1,3 بالمائة. وعلى المستوى الاسمي، سيسجل الناتج الداخلي الإجمالي ارتفاعا بـ4,5 بالمائة. وستفرز هذه التطورات زيادة في التضخم، المقاس بالمؤشر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي بـ0,8 بالمائة عوض 4,9 بالمائة سنة 2022.

 

 

الطلب الداخلي

 

سيعرف الطلب الداخلي سنة 2023 ارتفاعا بـ3,3 بالمائة عوض 1,3 بالمائة خلال سنة 2022، حيث ستبلغ مساهمته في النمو الاقتصادي حوالي 3,6 نقط عوض 1,5 نقطة. ويعزى هذا التحسن إلى الزيادة المرتقبة في استهلاك الأسر بـ2,4 بالمائة سنة 2023، نتيجة انتعاش المداخيل، حيث ستصل مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي إلى حوالي 1,4 نقطة عوض 0,9 نقطة سنة 2022. وستستقر مساهمة استهلاك الإدارات العمومية في النمو في حدود نقطة واحدة. وسيعرف الاستثمار الإجمالي زيادة بحوالي 3,5 بالمائة، ليسجل مساهمة موجبة في النمو ستصل إلى حوالي 1,1 نقطة عوض مساهمة سالبة خلال السنة الماضية.

وبالموازاة مع ذلك، سيسجل الطلب الخارجي مساهمة منعدمة في النمو، نتيجة زيادة الواردات من السلع والخدمات بـ4,1 بالمائة سنة 2023 مقابل ارتفاع الصادرات بـ5,2 بالمائة. وسيواصل الميزان التجاري تأثره بارتفاع أسعار المنتجات الطاقية والغذائية، غير أنه سيتقلص مقارنة بمستوى 17,8 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي المرتقب سنة 2022، ليستقر سنة 2023 في حدود 17,5 بالمائة. وبناء على آفاق المبادلات من الخدمات، سيتراجع عجز الموارد ليستقر في حدود 10,8 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 11,6 بالمائة سنة 2022.

وبناء على زيادة الناتج الداخلي الإجمالي الاسمي بـ4,5 بالمائة سنة 2023 وارتفاع الاستهلاك النهائي الوطني بـ4,1 بالمائة، سيعرف معدل الادخار الداخلي تحسنا ليصل إلى 21,2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023 عوض 20,8 بالمائة المتوقعة سنة 2022. وأخذا بعين الاعتبار لحصة المداخيل الصافية الواردة من باقي العالم، والتي ستمثل حوالي 5,3 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، فإن معدل الادخار الوطني سيستقر في حدود 26,5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. غير أن هذا الادخار سيبقى دون مستوى الاستثمار الإجمالي الذي يمثل 30,9 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وبالتالي، ستستقر الحاجيات التمويلية للاقتصاد في حدود 4,4 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023.

 

 

تفاقم عجز الميزانية

 

ستواصل المالية العمومية، خلال سنة 2023، تأثرها بالضغوطات الناتجة عن استمرار نهج سياسة الاستثمار نفسها وتعزيز نفقات المقاصة، نتيجة ارتفاع الأسعار، والمجهودات المالية المبذولة لتعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح قطاعات الصحة والتعليم.

وفي هذا الإطار، ستواصل النفقات العمومية تسجيل مستويات عالية لتصل إلى حوالي 19,7 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، متجاوزة بذلك المتوسط السنوي الذي بلغ 18,7 بالمائة خلال الفترة 2015- 2020. وتعزى هذه الزيادة أساسا إلى استقرار نفقات المقاصة في حدود 2,5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 1,4 بالمائة كمتوسط سنوي خلال الفترة نفسها. كما ستؤدي الزيادة المتوقعة في نفقات السلع والخدمات الأخرى ونفقات كتلة الأجور إلى مواصلة الضغوطات وصعوبة التحكم في النفقات العمومية.

وبخصوص المداخيل الجارية، فإنها ستعرف تباطؤا خلال سنة 2023 مقارنة بمستواها المقدر سنة 2022، لتستقر في حدود 19,5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، خاصة نتيجة الانخفاض المتوقع لمداخيل الضريبة على الشركات وحقوق الجمارك ومداخيل الضريبة على القيمة المضافة على الواردات.

ومن جهتها، ستصل المداخيل غير الجبائية إلى حوالي 2,2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، مستفيدة من تعبئة آليات التمويل المبتكرة ومداخيل الاحتكار.

وبناء على حصة نفقات الاستثمار، التي ستبلغ حوالي 5,5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023، سيستقر عجز الميزانية في حدود 5,5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، أي بتفاقم طفيف يصل إلى 1,1 نقطة مقارنة بـ4,4 بالمائة كمتوسط سنوي خلال الفترة 2014 – 2021.

 

الدين العمومي

 

أمام العجز، وبناء على مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة، وارتفاع صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحوالي 10 بالمائة، ستتم تغطية الحاجيات التمويلية باللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي.

وفي ظل هذه الظروف، سيواصل معدل الدين للخزينة منحاه التصاعدي ليصل إلى حوالي 71,2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ليتجاوز بشكل كبير المتوسط السنوي 62,4 بالمائة المسجل خلال الفترة 2014-2021. وبناء على الدين الخارجي المضمون، الذي سيتراجع إلى حوالي 12,4 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023، ستبلغ حصة الدين العمومي الإجمالي في الناتج الداخلي الإجمالي حوالي 83,6 بالمائة عوض 83,3 بالمائة المقدرة سنة 2022 و77,1 بالمائة المسجلة خلال الفترة 2014-2021.

 

تباطؤ طفيف للكتلة النقدية

 

ترتكز آفاق المجاميع النقدية على فرضية نهج تدابير السياسة النقدية نفسها المعتمدة خلال السنة الماضية، خاصة استقرار معدل الفائدة الرئيسي. وبناء على آفاق النمو المعتمدة للنشاط الاقتصادي الوطني والتطور المرتقب للمستوى العام للأسعار، ستسجل القروض على الاقتصاد  سنة 2023 ارتفاعا بـ4,6 بالمائة.

بالإضافة إلى ذلك، سيرتفع صافي الموجودات الخارجية، ليتمكن من تغطية حوالي 5,7 أشهر من الواردات من السلع والخدمات. وفي ظل هذه الظروف، وبناء على فرضية استمرار المنحى التصاعدي للنقود المتداولة، سيتفاقم عجز السيولة البنكية ليصل سنة 2023 إلى حوالي 92 مليار درهم.

وبخصوص القروض الصافية على الإدارة المركزية، والمكونة أساسا من قروض المؤسسات الأخرى للإيداع، فإنها ستواصل منحاها التصاعدي، نتيجة مواصلة لجوء الخزينة للاقتراض من السوق الداخلي لتغطية التزاماتها. وبناء على كل هذه التطورات، ستسجل الكتلة النقدية سنة 2023 ارتفاعا بحوالي 4,4 بالمائة عوض 5,8 بالمائة المرتقبة سنة 2022.

تفاؤل حكومي بتحسن اقتصادي في 2023

يطبع التفاؤل الحذر حكومة عزيز أخنوش إزاء الوضع الاقتصادي في 2023، فقد أعلنت نادية العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن اقتصاد المغرب على الرغم من الظروف الدولية المضطربة جدا، يتوقع أن يسجل خلال عام 2023 انتعاشا بمعدل يزيد على 4.5 في المائة.

وصرحت العلوي بمجلس النواب بأنه «من المتوقع أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2023 انتعاشا بمعدل يناهز 4.5 في المائة، عوض 1.5 في المائة المرتقبة خلال سنة 2022، على الرغم من الظرفية الدولية جد المضطربة».

وأوضحت وزيرة الاقتصاد والمالية أن هذا التوقع مبني «على فرضيات ترتكز على أساس محصول متوسط للحبوب بـ75 مليون قنطار، وسعر غاز البوتان في حدود 700 دولار للطن، واستقرار سعر البترول في 93 دولارا للبرميل، واستقرار سعر صرف الدولار مقابل الدرهم في 9.8».

كما توقعت العلوي أن تبلغ نسبة التضخم 2 في المائة، بدلا من 5.3 في المائة المسجلة حاليا، لافتة أيضا إلى أن «توقعات النمو الاقتصادي يمكن تخفيضها، في حال استمرار تدهور آفاق انتعاش الاقتصاد العالمي لسنة 2023 وخفض توقعات النمو، وخاصة بالاتحاد الأوروبي، بسبب تداعيات الصراع الروسي الأوكراني على أسعار المواد الأولية وسلاسل الإنتاج والتوريد العالمية، بالموازاة مع تشديد السياسات النقدية من أجل التحكم في الضغوط التضخمية».

وبشأن التضخم، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية أن معدله في المغرب بلغ مستويات غير مسبوقة خلال سنة 2022، مشيرة إلى أن «ارتفاع معدل التضخم الذي عرفه المغرب خلال هذه السنة لم يسجل مثله منذ 28 سنة، حيث وصل إلى 5.1 في المائة كمتوسط خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2022، عوض 0.9 في المائة خلال الفترة نفسها من سنة 2021، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.8 في المائة، عوض 0.1 في المائة السنة الماضية، في حين ارتفعت أسعار المواد غير الغذائية بنسبة 3.4 في المائة مقابل 1.5 في المائة السنة الماضية».

وذكرت العلوي أن معدل التضخم من المتوقع أن يتجاوز 5.3 في المائة خلال عام 2022، مقابل 1.4 في المائة كان سُجل في عام 2021، مشيرة بالنسبة للبطالة إلى أن المغرب فقد «58 ألف منصب شغل ما بين الفصل الأول من سنة 2021 والفصل الأول من سنة 2022، كما فقد قطاع الفلاحة والغابة والصيد البحري 180 ألف منصب شغل»، وأنه بالمقابل «تم إحداث 85 ألف منصب شغل على مستوى قطاع الخدمات، و29 ألف منصب شغل على مستوى قطاع البناء والأشغال العمومية، و13 ألفا على مستوى قطاع الصناعة».

كما شهدت الصادرات، بحسب وزيرة الاقتصاد والمالية، تطورا إيجابيا بنسبة 41 في المائة، مقابل تسارع الواردات بـ39 في المائة، ما أدى إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 37 في المائة. وسجلت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج «ارتفاعا بنسبة 5 في المائة، كما عرفت عائدات السياحة انتعاشا ملموسا بـ173 في المائة وتجاوزت خلال شهر ماي مستواها المسجل سنة 2019». وسجلت العلوي أن «صافي الاستثمارات الأجنبية ببلادنا سجل ارتفاعا بنسبة 10.8 في المائة، في حين يسمح احتياطي الصرف لدى بنك المغرب بتغطية حوالي 6 أشهر من الواردات».

وبدوره، توقع بنك المغرب أن يتسارع نمو الاقتصاد الوطني إلى 4 في المائة في 2023، موضحا أنه بعد الارتفاع الملحوظ بنسبة 7,9 في المائة في 2021، يتوقع بنك المغرب أن يتباطأ نمو الاقتصاد الوطني إلى 1 في المائة سنة 2022، ثم يتسارع إلى 4 في المائة في 2023، مشيرا إلى أنه ينتظر أن تتحسن القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 12,9 في المائة في سنة 2023، مع فرضية محصول حبوب متوسط قدره 75 مليون قنطار، كما يتوقع أن تتعزز الأنشطة غير الفلاحية ليبلغ نموها 3,8 في المائة، مدعومة بتخفيف القيود الصحية، وأن تعود لتوجهها في 2023 مع نمو بنسبة 2,8 في المائة.

توقعات بتراجع الأسعار وانخفاض معدل التضخم في سنة 2023

 

أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن التوازنات الاقتصادية التي حققها المغرب خلال 2022 تفتح أمام المغرب آفاقا إيجابية في علاقاته مع خط ائتمان صندوق النقد الدولي، وقال لقجع إن «الوضعية المالية ببلادنا خلال سنة 2022 رغم كل الإشكالات والتقلبات التي تعرفها الساحة الدولية، وفرت الظروف لمواجهة كل النفقات الطارئة»، مؤكدا بالقول «استطعنا المحافظة على التوازنات الاقتصادية واحتياطي العملة ببلادنا، وهو ما يفتح أمامنا آفاقا إيجابية في علاقاتنا مع خط ائتمان صندوق النقد الدولي».

وأوضح الوزير أن «الحكومة قامت بمجموعة من الإجراءات للسيطرة على التضخم عند مستويات أقل من 6 في المئة، وهو ما توفقنا فيه إلى حد كبير، كما أن الوضع اليوم في منحى تنازلي وهذا شيء إيجابي سيؤثر إيجابا على هذه المعدلات»، وأضاف أن نموذج التوقع الذي اشتغلت من خلاله الوزارة، خلص إلى أن المغرب سيحقق نموا بنسبة 1,5 في المئة، مرجعا ذلك إلى «التحسن سواء في المجال السياحي أو عودة الأمل في موسم فلاحي نتمناه جميعا أن يكون جيدا».

وبعد ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، خلال هذه السنة، توقعت وزارة الاقتصاد والمالية في رد مكتوب على أسئلة المستشارين البرلمانيين، أثناء مناقشة مشروع قانون المالية، تراجع معدل التضخم في سنة 2023.

وأوضحت الوزارة أن إعداد التوقعات الخاصة بالتضخم لسنتي 2022 و2023 على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، ومنها الضغوط التضخمية ذات المصدر الخارجي وتتعلق بالوضع الاقتصادي لشركائنا الرئيسيين والأسعار في أسواق المواد الأولية. كما تتيح مجموعة من المقاييس المعتمدة خلال إعداد هذه التوقعات إمكانية تقييم التضخم المستورد وحدة انتقاله إلى تكاليف الإنتاج والأسعار الداخلية، بالإضافة إلى النوع الثاني من الضغوط ذي مصدر داخلي والذي ينبع بشكل أساسي من القطاع الحقيقي. وفي هذه الحالة، يتم إيلاء اهتمام خاص للضغوط المتعلقة باستخدام القدرات الإنتاجية وتكاليف الإنتاج والشغل والأجور.

وحسب توقعات الوزارة، فإن مؤشر أسعار التضخم سيبلغ حوالي 6 في المئة خلال سنة 2022 ، و2 في المئة في سنة 2023. وأشارت الوزارة في هذا الصدد إلى أن هذه التوقعات تتماشى مع توقعات بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط.

وفي ما يتعلق بسنة 2022، أكدت الوزارة على أن المغرب عانى من موجة تضخم غير مسبوقة، وهي ناتجة بشكل أساسي عن الظرفية الدولية التي عرفت اختلالا في التوازن بين العرض والطلب عقب استئناف النشاط بعد أزمة «كوفيد 19» والأزمة في أوكرانيا التي أدت إلى تفاقم الارتفاع في أسعار الطاقة والمواد الأولية، وهكذا، بلغ معدل التضخم في المغرب 8.3 في المئة ما بين شتنبر 2021 ونفس الشهر من سنة 2022.

وأبرزت الوزارة أن 84 في المئة من هذا التضخم يرجع إلى مصدرين أساسيين، وهما ارتفاع أسعار المواد الغذائية ارتباطا بالارتفاع الكبير  في أسعار هذه المواد في السوق الدولية والذي صادف سنة جفاف حاد على المستوى الوطني، وتساهم هذه المواد ب 5.6 نقطة من التضخم الإجمالي، والمصدر الثاني هو الزيادة في أسعار النقل والمرتبطة ارتباطاً مباشراً بالارتفاع غير المسبوق على المستوى الدولي (104 دولار للبرميل) وتبلغ مساهمة هذه المنتجات 1.4 نقطة.

وبهدف التخفيف من تأثير الاضطرابات الاقتصادية الدولية على الاقتصاد المغربي خلال سنة 2022، أفادت الوزارة بأن الدولة اتخذت العديد من الإجراءات الإضافية المتعلقة بالميزانية. وتتعلق أهم التدابير بالدعم الإضافي لبعض المنتجات الأساسية (الدقيق والسكر والبوتان) ودعم أسعار النقل.

وقد مكن هذا الجهد الكبير في الميزانية، حسب الوزارة، من احتواء التضخم والحفاظ على القدرة الشرائية للأسر ولا سيما المعوزة. وقد أظهرت دراسة حديثة أعدتها وزارة الاقتصاد والمالية أن الدعم الإضافي للدولة قد مكن من الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر.

وفي غياب هذا الجهد، كشفت الوزارة أن الأسر كانت ستعاني من ارتفاع كبير في الأسعار عند الاستهلاك، مما كان سيؤدي إلى زيادة في المستوى العام للأسعار بنسبة 3 في المئة مقارنة بالسيناريو بدون هذه الإجراءات، وأبرزت أن الحفاظ على القدرة الشرائية يفيد أكثر 10 في المئة من الأسر الأكثر فقرا. ولولا جهود الميزانية هذه كان سعر سلة استهلاك هذه الفئة سيكون أعلى بنسبة 5.8 في المئة.

وبالنسبة لسنة 2023، تتوقع الحكومة أن تشهد الضغوط التضخمية التي لوحظت سنة 2022 تراجعا، وذلك لعدة أسباب، منها ما يتعلق بالضغوط التضخمية ذات المصدر الخارجي، حيث من المتوقع بحسب تقارير المنظمات الدولية المختلفة، أن ينخفض التضخم تدريجياً سنة 2023، اعتبارا لتباطؤ النمو العالمي، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي نموا عالميا بنسبة 2.7 في المئة مقابل 3.2 في المئة سنة 12022 الآثار الملموسة لتشديد السياسة النقدية الذي نفذته معظم البنوك المركزية الرئيسية، والتي رفعت أسعار فائدتها الرئيسية تخفيف حدة الضغوط على أسعار المواد الأولية. وبحسب آخر توقعات صندوق النقد الدولي من المنتظر أن ينخفض سعر البرميل من 104 دولار إلى 93 دولار، أي بانخفاض نسبته 10.6 في المئة، بالإضافة إلى تبديد التوترات المتعلقة بالإمدادات.

وفي ما يتعلق بالضغوط التضخمية ذات المصدر الداخلي من المتوقع تراجع أسعار المواد الغذائية، على أساس فرضية تحقيق محصول فلاحي متوسط، ومواصلة الإجراءات الرامية للحد من ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي، على غرار نفقات المقاصة وبعض برامج الدعم وتأثير الإجراءات النقدية المرتبطة بقرار بنك المغرب رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 92 لضمان شروط عودة سريعة إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار، وأكدت الوزارة أن تبديد الضغوط التضخمية الداخلية والخارجية، من شأنه أن يحد بشكل فعال من ارتفاع الأسعار على المدى المتوسط.

مؤشرات إيجابية حول تعافي الاقتصاد الوطني في سنة 2023

 

تراهن الحكومة ضمن قانون المالية لسنة 2023، على تحقيق نسبة نمو في حدود 4 في المئة برسم هذه السنة، مع حصر معدل التضخم في حوالي 2 في المئة وعجز الميزانية في 4,5 في المئة.

وأكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال الجلسة الشهرية التي عقدها مجلس النواب، أن الحكومة نجحت في مواجهة أزمة متعددة الأوجه، من خلال تدبير الوضع اليومي الذي فرضته أزمة كورونا وآثار الجفاف وتقلبات الأسواق العالمية بسبب الحرب، دون تجاوز سقف القروض ودون المس بميزانية الاستثمار كما جرى في سنوات سابقة، وركزت على استقرار المديونية وتوازن المالية، والحفاظ على التزامات الحكومة لتحقيق إصلاحات في قطاعات استراتيجية منها الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم والسكن وخلق فرص الشغل.

وفي هذا السياق الاستثنائي، نجح المغرب في الصمود أمام هذه الصدمات، عبر تقديم الدعم للأسر المتضررة وإنقاذ آلاف المقاولات، وعكس منحى البطالة، ودعم انتعاش الاقتصاد الوطني بوتيرة أسرع مقارنة مع دول الجوار.

فبعد الركود الحاد الذي عرفه الاقتصاد الوطني بسبب التوقف الشبه التام للإنتاج، حيث لم تتجاوز نسبة النمو عتبة 7.0- في المئة سنة 2020، فإن سنة 2021 عرفت تعافيا متواترا؛ إذ أحرز الاقتصاد الوطني نهاية سنة 2021 نموا يقدر بـــــــ7,9 في المئة، وتحسن عجز الميزانية بـــــ 1,2 نقطة من الناتج الداخلي الخام، ليستقر عند 5,9 في المئة. وحيث يرجع هذا التعافي إلى ارتفاع مستوى الأسعار وتحسن الموارد من جهة، فإن عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا في الأشهر الأخيرة من سنة 2021 كان له النفع الكبير على انتعاش مختلف الأنشطة.

وأكد أخنوش أن تعافي الاقتصاد الوطني مستمر ومطمئن، بعد التراجع الذي عرفه نمو الاقتصاد الوطني ما بين 2020 و2021، ورغم آثار الحرب في أوكرانيا على ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى حفاظ وكالة «Standard and Poors» في تقريرها الصادر بداية الشهر الجاري، على تصنيف المغرب، مؤكدة عن متانة الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، ومشيدة بالإصلاحات الهيكلية لبلادنا، فضلا عن الإجراءات المتخذة للتخفيف من تأثير ضغوط التضخم على الفئات المتضررة.

وأظهرت المؤشرات القطاعية انتعاشا اقتصاديا خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية، يعزى أساسا إلى النتائج الإيجابية المحققة في القطاعات التصديرية، خاصة منها الفوسفاط ومشتقاته والسيارات والمنتوجات الفلاحية، كما بلغت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، نهاية شهر غشت لسنة 2022 أزيد من 71.4 مليار درهم، متجاوزة بذلك المستويات المسجلة خلال نفس الفترة بين سنتي 2018 و2021، وسجلت مؤشرات قطاع السياحة أرقاما تقارب المستويات المحققة قبل الأزمة.

وأبرز أخنوش أن الحكومة نجحت في التحكم في عجز الميزانية خلال سنة 2022، بفضل الإرادة القوية التي تسلحت بها، دون اللجوء إلى تعديل قانون المالية، حيث قامت بتعبئة 16 مليار درهم في إطار الدعم الإضافي لصندوق المقاصة، ثم قررت في نهاية السنة فتح اعتمادات إضافية بقيمة 12 مليار درهم، خاصة لمساندة القدرة الشرائية للمواطنين، كما أنها لم تقلص  من ميزانية الاستثمار العمومي، كما وقع سنتي 2013 و2020.

وعلى الرغم من الحفاظ على ميزانية الاستثمار، وبالرغم من الزيادات المتتالية في الإنفاق التي بلغت 28 مليار درهما إضافية، يضيف أخنوش، وتصديا لآثار الأزمة، تمكنت الحكومة من الحفاظ على عجز الميزانية عند 5,3 في المئة، وهو مستوى أقل من التزام الحكومة لدى صندوق النقد الدولي والقاضي بتقليص العجز إلى5,9  في المئة.

ثلاثة أسئلة لعبد الخالق التوهامي*:

 

«الحكومة ستواجه تحديات اقتصادية وطنية ودولية في 2023»

 

– ماهي التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة في هذه السنة الجديدة؟

 

أولا تجب الإشارة إلى أن هناك العديد من الملفات التي تنتظر الحكومة في الجانب الاقتصادي خلال السنة الجديدة، وهي الملفات التي ترتبط بالأساس بالسنة الأخيرة (2022)، وما واجه الاقتصاد الوطني فيها من تحديات من قبيل الوضعية الصعبة للقطاع الفلاحي، والذي واجه موجة جفاف حادة لم يشهدها المغرب منذ عقود. من هذا المنطلق، يمكن القول إن الحكومة ستكون اقتصاديا أمام تحديات تتمثل في الجانب الأول في تنزيل الالتزامات المرتبطة بالأساس بسوق الشغل في الدرجة الأولى، وقد شاهدنا إطلاق الحكومة لعدد من البرامج خلال 2022 والتي كانت تنحو في منحى تعزيز التشغيل والخفض من البطالة، خصوصا في صفوف الشباب وحاملي المشاريع، ويتعلق الأمر هنا ببرنامج «فرصة» و«أوراش»، إذ من المنتظر أن تواصل الحكومة في هذه السنة الجديدة الاشتغال على هذه البرامج، زيادة على الأوراش الكبرى وعلى رأسها ملف تعميم الحماية الاجتماعية، والذي خطا فيه المغرب خطوات وثيقة، وهي الملفات التي تحمل طابعا اقتصاديا واجتماعيا في الآن نفسه، زيادة على ما ستواجه الحكومة في الارتباط بالاقتصاد الدولي وتقلبات السوق الدولية.

وهنا وجبت الإشارة إلى تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وتبعاتها على الاقتصاد الوطني، ومدى تطورات هذه الأزمة في السنة الجديدة، وتأثيرها على الشريك الأول للمغرب (الشريك الأوروبي)، وهو الأمر الذي سيكون له انعكاس على الاقتصاد الوطني، زيادة على ما ستواجه الحكومة من تحديات مرتبطة أيضا بالسوق الدولية والتي تتسم بعدم الاستقرار.

 

– ما الإجراءات التي يمكن أن تتخذ لمواجهة موجة التضخم؟

للتوضيح العنصر المرتبط بالتضخم، وحتى لا نظلم جهة ما، وجب البيان على أن التضخم ينقسم إلى جانبين، أحدهما وطني ومرتبط بالسوق الوطنية، وهو الذي يواجهه بنك المغرب بقرارات بغرض التخفيف منه، من قبيل الرفع من سعر الفائدة، وقد كانت هناك مناسبتان قرر فيهما بنك المغرب الرفع من سعر الفائدة من أجل التحكم في التضخم، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن بنك المغرب قد استعمل أسلحته في مواجهة موجة التضخم هذه التي تشهدها السوق الوطنية، فيما يتمثل النوع الثاني في التضخم النقدي، وهو ما يتم الإشارة إليه أيضا بمصطلح (التضخم المستورد)، وهذا النوع من التضخم لا دخل للحكومة فيه، حيث إنه مرتبط بواقع اقتصادي عالمي، وفق ما أشرت إليه سالفا وبالخصوص بأزمة الطاقة والمترتبة عن الأزمة والحرب الروسية الأوكرانية، وهي التداعيات التي تشهدها جميع دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية، والتي بدورها تعاني من التضخم. وهنا وجب التذكير بالدور المهم الذي لعبه صندوق المقاصة في الحد من ارتفاعات الأسعار، خصوصا في المواد المدعمة، حيث إنه لولا صندوق المقاصة لكانت الارتفاعات في الأسعار أكبر، وهذا الأمر يدفعنا إلى الحديث عما يمكن أن تقدمه الحكومة في السنة الجديدة للحد من تأثيرات هذه الارتفاعات على القدرة الشرائية للمواطنين، والتوجه هنا واضح أنه يصب في منحى الدعم المباشر للفئات الهشة، وهو ما عبرت عنه الحكومة في عدة مناسبات، في انتظار اكتمال إعداد السجل الوطني والاجتماعي، لتحديد الفئات المستهدفة.

 

– هل يمكن أن تتجه الحكومة للزيادة في الأجور، لدعم القدرة الشرائية للمواطنين؟

إن الحكومة عبرت في الكثير من المناسبات عن توجهها الاجتماعي في عدد من الملفات، وهذا التوجه ينتظر أن يتجسد في عدد من القرارات الاقتصادية التي تصب في منحى دعم القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا الموظفين والأجراء، والطبقة الوسطى باعتبارها صمام الأمان الاجتماعي. غير أنه لا يتوقع أن تتجه الحكومة لإقرار زيادات عامة في الأجور على ضوء اتفاق منتظر مع المركزيات النقابية، إذ تجب الإشارة إلى أن ملف الزيادة في الأجور من الملفات الحساسة، ولا يمكن للحكومة أن تتجه مثلا إلى الزيادة في الأجور من أجل علاج التضخم، وإلا فسنكون في مواجهة سلسلة من شأنها التأثير بشكل خطير على الاقتصاد الوطني، قوامها التضخم، ثم الزيادة في الأجور، ثم عودة التضخم وهكذا دواليك. إنه من المنطقي أن تتلخص مطالب المركزيات النقابية للحكومة في ضرورة الرفع من أجور الموظفين في القطاع العام والقطاع الخاص.

لكن يجب الوقوف على الآثار السلبية التي قد تخلفها هذه الزيادة، سيما على الاقتصاد الوطني من إمكانية ارتفاع والزيادة في كتلة الأجور وبالتالي إثقال ميزانية التسيير، بالنسبة إلى الزيادة في القطاع العام، والتأثير السلبي على الاستثمارات الخاصة وجاذبية الاستثمار واستمرارية المقاولة وقدراتها التنافسية، خصوصا إذا ربطنا الأمر بإمكانية تأثير الرفع من الأجور، سيما في القطاع الخاص على كلفة الإنتاج، وهو ما سيؤثر بشكل تفاعلي على الأسعار، وبالتالي البقاء في دوامة الرفع من الأجور وارتفاع الأسعار.

 

* أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى