شوف تشوف

شوف تشوف

تجار الحروب

“كورونا” عرّت كثيرين، وعلى رأس هؤلاء تجار الأزمات، سواء في التجارة أو الخدمات، لكن تبقى بعض مؤسسات التعليم الخاص حالة مثيرة للدهشة.
فقد لجأت بعض مؤسسات التعليم الخاص إلى قطع الدروس عن بعد مطالبة أولياء أمور التلاميذ بدفع المستحقات الشهرية.
وقبل هذا أصدرت ثلاث تمثيليات لأرباب هذه المدارس، وعلى رأسها رابطة التعليم الخاص المقربة جدا من حزب العدالة والتنمية، بلاغا عجيبا تتوسل فيه رئيس الحكومة أن يشملها ببرنامج الدعم الذي وضعته الحكومة لتطويق تداعيات جائحة كورونا.
جشع هذه الرابطة ليس وليد اليوم بل يعود لسنوات. فقد بدأته عندما ظلت تتستر بل وتدافع عن ممارسات تقوم بها بعض المؤسسات الخاصة، ممارسات عنوانها الوحيد والأوحد هو ابتزاز جيوب المغاربة الفارين من كوارث التعليم العمومي، وبدأته أيضا عندما امتنعت مؤسسات كثيرة عن أداء واجبات صندوق الضمان الاجتماعي، حيث تجاوزت ديونها لدى الصندوق ملايير السنتيمات. وها هي الآن تستمر في هذا المسلسل بطلبها تخصيص مبالغ من صندوق جائحة كورونا لها، بدل أن توجه لدعم بنية الاستقبال في المستشفيات.
فالمؤسسات الخاصة، والتي استفادت أيما استفادة من امتيازات منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكومة، لكون مؤسسي الرابطة في التسعينات والمسيطرين عليها هم قادة في هذا الحزب، لم تر في ما يحدث من أزمة سوى أن تستغلها لتكدس في جيوب أصحابها أرباحا ظلت دوما عصية على كل مراقبة. مع العلم أن هذه المؤسسات ستستفيد من الإجراء الحكومي المتعلق بإعادة جدولة القروض البنكية كما ستستفيد من الإجراء المتعلق بصندوق الضمان الاجتماعي. ففي الوقت الذي انتظرنا من بعض أرباب المدارس الخاصة أن يتخذوا قرارات مواطنة لتدريس أبناء المغاربة مجاناً، وخصوصا المساعدة في ما يسمى بالتعليم عن بعد لفائدة أطفال العالم القروي، ها هم يسارعون إلى المطالبة بنصيبهم من أموال المتبرعين ويمارسون الابتزاز على أولياء التلاميذ بالتهديد بقطع الدروس عن بعد.
بشكل موضوعي، ليس هناك أي داع يبرر هذا الطلب الغريب، لسبب بسيط هو أن قرار إغلاق المدارس تم بعد أن توصلت كل المدارس الخاصة بشكل مسبق بمستحقات التمدرس، بل إن العطلة القادمة، والمبرمجة رسميا في نهاية الشهر الجاري، هي عطلة تؤديها الأسر بالرغم من أن التلاميذ لا يدرسون فيها، وكان يكفي القليل من المروءة أن يجعل أرباب هذه المدارس يفكرون بأنهم “يدخلو شي في شي” في انتظار جلاء الأمر واتضاح مستقبل هذه الجائحة، لكن هذا لم يحدث للأسف. وبدل أن يبادروا إلى التبرع، وخصوصا المجموعات التربوية الضخمة، التي تملك عشرات المدارس، بما في ذلك المجموعات التربوية التي يمتلكها بنكيران وشركاؤه من عائلة زويتن وعائلة عمور الذين يمولون حملته الانتخابية منذ سنوات، ها هم ككل تجار الأزمات، يستغلون خوف الجميع من ضياع السنة الدراسية لابتزاز الدولة.
والسؤال اليوم هو أين هو الإسلام في سلوك هؤلاء؟ أليس من حسن إسلام المرء أن يتضامن ويتكافل مع أخيه المسلم؟
إن ما يعطي لهذا الطلب الغريب طابع الابتزاز أمور كثيرة، منها أولا أن هذه المؤسسات الخاصة مجبرة بموجب القانون التنظيمي المنظم لعملها، والمعروف بقانون 006، وتحديدا المادة الخامسة منه،”المشاركة الفعلية في الحملات الصحية التي تدخل في إطار البرامج الوطنية للمراقبة الصحية”، وهذا يضع عليها مسؤوليات في الأزمة الحالية، لكون الإغلاق يدخل ضمن حملة وطنية صحية. ثم إن المادة 19 من القانون نفسه تعطي لهذه المؤسسات الحق في استخلاص رسوم التعليم في حالة التعليم عن بعد، وهو ما يجري حاليا بعد إغلاق المدارس، وما لا يعرفه عموم الناس هو أن الشهادات في آخر السنة لا تمنحها الأكاديميات للتلاميذ الناجحين بل تمنح للمؤسسات، وهذه لا تمنحها إلا للتلاميذ الذين دفعوا كل ما بذمتهم من أموال.
كل هذا يعني ببساطة أن هذه المدارس لم ولن تخسر شيئا إطلاقا.
ثانيا أن هذه المؤسسات لا تلتزم بواجبها في تخصيص جزء من الأرباح لمساعدة الدولة في مجهودات تعميم التعليم، وهذا بشهادة مؤسسة دستورية هي المجلس الأعلى للتعليم، في تقرير صادم صادر له عن التعليم الخاص. فالامتيازات الضريبية التي تستفيد منها، بحسب المادة 34 من القانون نفسه، مشروطة بفتح مدارس في العالم القروي، تفتح في وجه الأطفال الفقراء، والأرقام الواردة في تقرير المجلس الأعلى تؤكد أنه لا توجد مجموعة تربوية واحدة تقوم بذلك.
نضيف إلى هذا التسيب الحقيقي المسجل في رسوم التسجيل ورسوم التأمينات ومصاريف الدراسة المبالغ فيها، كل هذا يجعل هذا القطاع قطاعا ريعيا بامتياز. بحيث يتم استغلال الأزمات التي يعيشها القطاع العمومي لفرض شروط خيالية باسم “الجودة”، وكل أب احتج يتم طرد ابنه، بل ويتم تدوير اسم الطفل لمنع تسجيله في مدارس أخرى، الأمر الذي لا يجد معه العديد من الآباء، الذين احتجوا على الارتفاع السنوي المطرد لهذه الرسوم، أنفسهم مضطرين إلى تسجيل أبنائهم في القطاع العام.
المؤكد الآن هو أن الوزارة الوصية مطالبة بتفعيل مواد القانون الإطار، والتي تفرض مراجعة وضعية المؤسسات التعليمية الخاصة، في اتجاه عقلنة الفوضى الجارية منذ سنوات. والمبدأ هو أن هذه المؤسسات إنما تستثمر في خدمة عمومية، هي خدمة التعليم.
فالأمر لا يتعلق بمجرد خطأ في التقديرات سقط فيه أرباب المؤسسات الخاصة بل ببنية فاسدة يستغل فيها البعض أزمات الوطن ليربحوا، فكما ربحوا طيلة سنوات من أزمة التعليم، هاهم يسعون أيضا إلى المتاجرة بأزمة كورونا، لعلهم يستفيدون من أموال قدمها متبرعون من جيوبهم، من أجل إنقاذ البلاد والعباد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى