«تثوير» الأقليات في إيران ليس «الحل الأمثل» للرد على الاتفاق النووي الإيراني..
أكد السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أن الاتفاق النووي مع القوى الكبرى لن يغير السياسة الإيرانية تجاه الغطرسة الأمريكية، ولن يجعل طهران تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، مشددا، في خطبة العيد التي ألقاها السبت الماضي، على أن بلاده ستستمر في دعم الشعوب المضطهدة في فلسطين واليمن والبحرين والحكومتين في سورية والعراق.
بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل، كان الوحيد الذي تلقف هذه الفقرات من الخطاب ووصفها بأنها استفزازية وعدوانية، مشيرا إلى أن إيران لن تغير سياستها تجاه الولايات المتحدة أو في منطقة «الشرق الأوسط».
نتنياهو يعيش حالة من الهذيان بعد أن خسر رهاناته كلها على إقدام الولايات المتحدة على الحلول العسكرية وضرب المنشآت النووية، وجنوحها للحوار، والحلول السلمية. وبالتالي، فهو يدرك جيدا أنه فقد ورقة «ابتزاز» قوية للحصول على الدعم العسكري الأمريكي، وإبعاد الأنظار عن أكثر من مائتي رأس نووي موجودة في الترسانة العسكرية الاسرائيلية.
من كان يعتقد أن إيران ستتخلى عن حلفائها بعد توقيع هذا الاتفاق، لا يعرف إيران، ولا يفهم في السياسة، فإذا كانت إيران لم تتخل عنهم عندما كانت محاصرة لأكثر من ثلاثين عاما، وتواجه خطر الهجوم العسكري الأمريكي في كل لحظة، فهل يعقل أن تتخلى عنهم الآن بعد قرب رفع هذا الحصار، وتدفق أكثر من 150 مليار دولار كانت مجمدة إلى خزائنها شبه الخاوية.
فسورية تواجه كل الأزمات والحروب الحالية التي تمزق وحدتها الجغرافية والبشرية، وتعصف بأرواح مئات الآلاف، وتشرد أكثر من ستة ملايين من أبنائها بسبب رفضها الضغوط والمغريات المادية التي مورست عليها، ومن قبل أمريكا وحكومات عربية للتخلي عن إيران، والخروج من مظلتها الإقليمية، والإيرانيون، مسؤولين كانوا أو شعبا، يعرفون هذه الحقائق جيدا، ولا يحتاجون إلى من يذكرهم بها.
إيران الآن باتت في موقع قوة، وأصبحنا نشاهد تدفقا غير مسبوق من قبل قادة العالم الغربي إلى طهران بحثا عن صفقات تجارية واقتصادية، فالكعكة الإيرانية كبيرة جدا، والبنى التحتية متهالكة، ومعظم المؤسسات والصناعات الإيرانية بحاجة إلى تجديد، بما في ذلك شركة طيرانها المدنية التي أوشكت على الانهيار بفعل قدمها، وعدم وجود قطع غيار، ولهذا السبب كان نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أول من حط الرحال في مطار العاصمة الإيرانية، ويليه لوران فابيوس، وزير خارجية فرنسا.
دعم إيران لحلفائها في سورية ولبنان واليمن لا يكلف خزينتها الكثير بالمقارنة إلى خصومها العرب في منطقة الخليج، فقد أثبتت الدراسات الموثقة بالأرقام أن كل ما تقدمه إيران إلى هؤلاء لا يزيد عن عشرة مليارات دولار سنويا من مجموع أكثر من 336 مليار دولار، هي حجم الدخل القومي، وهذا مبلغ متواضع بكل المقاييس بالمقارنة إلى الفوائد السياسية والاستراتيجية التي تعود عليها جراء ذلك.
لا شك أن الاتفاق النووي أصاب بعض الحكومات العربية بالصدمة والقلق بعد التقارب الإيراني- الأمريكي الذي انعكس على شكل اندفاعات سياسية وعسكرية متسارعة، أبرزها دفع قوات يمنية مدعومة سعوديا، لاستعادة مدينة عدن، والتقارب مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وتوقيع اتفاقات مع روسيا وكوريا الجنوبية لشراء مفاعلات نووية، وهذا القلق مشروع، ولكن أكثر ما نخشاه، أن يتورط خصوم إيران في مزالق خطيرة جدا، قد ترتد سلبا عليهم.
وحتى نكون أكثر صراحة، نشير هنا إلى بعض التقارير التي تؤكد أن المملكة العربية السعودية ودولا خليجية أخرى تخطط لـ«تثوير» الأقليات السنية والعربية الأذرية في إيران، وتقديم دعم أكبر إلى المعارضة الإيرانية، وبدأت إرهاصات هذا المخطط تطل برأسها من خلال حملات إعلامية توقدها أذرع الإمبراطويات التلفزيونية والصحافية الخليجية الجبارة.
هذا التوجه محفوف بالمخاطر، وسلاح ذو حدين، فالمملكة العربية السعودية ليست معروفة بإشعال فتيل الثورات، وإنما بإطفائها، وغالبا ما تمتد ألسنة لهبها إلى ثيابها، مضافا إلى ذلك أن الطرف الإيراني أكثر خبرة، في إشعال الثورات والتصدي لها في الوقت نفسه، فإيران هي أكثر دول العالم شهرة في هذا المضمار، وطوال القرن الماضي على وجه الخصوص، ابتداء من ثورة مصدق في الخمسينات، ومرورا بثورة الإمام الخميني في أواخر السبعينات، وانتهاء بالثورة «المخملية» قبل خمس سنوات.
نحن هنا لا نجادل في حق المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى في الدفاع عن نفسها، وحماية مصالحها، واستخدام كل الوسائل غير المشروعة في هذا الصدد، شريطة أن تكون هذه المصالح مهددة فعلا، والطرف الآخر بصدد شن عدوان واضح وصريح ضدها، ولكن ما نراه حاليا هو عكس ذلك، والاستمرار في العناد والمكابرة قد يقودان إلى نتائج كارثية، والتورط في اليمن وسورية، ومن قبلهما العراق وليبيا هي أحد الامثلة.
الأمير بندر بن سلطان، رئيس جهاز الاستخبارات السعودية السابق، هو صاحب نظرية تثوير الأقليات في إيران وزعزعة استقرارها من الداخل وإغراقها في حروب استنزاف، وتحدث صراحة عن هذا المخطط في مقابلات إعلامية عندما كان يدير الملفين السوري والإيراني، وقبل أن يخسر منصبه، ويخرج من السلطة كليا، فقد أدركت السلطات السعودية أن تصدير الجهاديين إلى سورية أصبح يشكل أكبر تهديد لأمن المملكة واستقرارها الداخلي.
الاعتقالات التي أعلنت عنها المملكة، السبت، واستهدفت 450 شخصا ينتمون، أو يعتنقون إيديولوجية «الدولة الإسلامية»، هي أحد الأمثلة الحية على خطأ هذه السياسيات وارتداداتها السلبية على عمقها الداخلي، ومعلوماتنا تفيد أن عدد المعتقلين أكبر من الرقم المعلن بكثير، وأن أسلحة ضبطت، وخلايا «غير نائمة» كانت تخطط لتفجيرات في أكثر من مدينة سعودية.
هناك أكثر من خمس دول عربية فاشلة، والمنطقة العربية تشهد أكثر من حرب في الوقت الراهن، في سورية والعراق اليمن وليبيا ومصر، ومن الأسلم عدم إضافة أي حروب جديدة مع إيران أو غيرها، مباشرة أو غير مباشرة، وإذا كانت الحروب هي الحل لما اضطرت الولايات المتحدة الدولة الأعظم والأقوى في العالم إلى تحمل المناكفات الإيرانية على مائدة المفاوضات لأكثر من ثماني سنوات، والتوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية.
لا يضيرنا أن نعيد القول إن الرد على القوة الإيرانية الصاعدة يتمثل في إعادة بناء القدرات العربية، وتحقيق الردع النووي، وتعزيز الداخل المجتمعي بإصلاحات سياسية واقتصادية تحقق العدالة، وتوفر الوظائف للشباب العاطل، وتقضي على الفساد، وتوسع دائرة المشاركة في السلطة ودوائر صنع القرار، فالرئيس باراك أوباما لم يجانب الحقيقة عندما اعتبر، في أكثر من خطاب، وأكثر من مقابلة صحافية، الخطر الداخلي على السلطات السعودية أكبر بكثير من الخطر الخارجي المتمثل في إيران. فالرجل يدرك جيدا ما يقول، ويستند إلى معلومات استخبارية قوية وبنوك عقول، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟