شوف تشوف

الرأي

تبخّر الأحلام بـ«الطاليان»..

يونس جنوحي
أخيرا قرروا أن يعلّقوا الرحلات الجوية من وإلى إيطاليا حتى إشعار آخر. فالصور والأخبار القادمة من هناك تكشف أن كارثة صحية وقعت في هذه الدولة الأوربية المفترض أنها مؤهلة لاحتواء الوباء وتطويقه قبل أن ينتشر بهذه الصورة المخيفة.
حتى الآن، فإن أعلى نسبة وفيات مسجلة بسبب كورونا، خارج الصين، مسجلة في إيطاليا. على عكس المتوقع تماما، كان متوقعا أن تطوق إيطاليا الحالات الأولية التي توافدت إليها في إطار الحجر الصحي الذي يمنع انتشار الوباء، خصوصا وأن الأخبار القادمة من «ووهان» تؤكد تماثل آلاف الحالات للشفاء، حتى أنهم شرعوا ببعض المناطق في استئناف الحياة العادية، ورفع الحظر عن الأماكن العمومية التي كانت مغلقة للتعقيم الشامل.
الحالتان اللتان تم تسجيلهما في المغرب كانتا على علاقة بموضوع إيطاليا، والكل استغرب من بقاء الأجواء مفتوحة بيننا وبين الإيطاليين رغم انتشار الوباء هناك بشكل مخيف وتأكيد انتصاره على التدابير الحكومية ووزارة الصحة الإيطالية.
ورغم أن عددا من الدول المجاورة لنا، وعلى رأسها تونس، قررت إغلاق الأجواء وتعليق الرحلات بشكل فوري، إلا أن استمرار مسلسل الخوف من تسجيل الإصابات ظل مسيطرا على مخاوف الرأي العام في تونس، وبدا الأمر واضحا في النقاش العمومي التونسي خلال هذه الأيام.
عاش من عرف حق قدره. هناك دول تقدّر جيدا إمكانياتها الصحية ولا تمارس أبدا سياسة «تخراج العينين» في وجه مواطنيها وصحافتها، وتحاول قدر الإمكان تشديد المراقبة على الحدود وعيا منها أنها لا تتوفر على المؤهلات واللوجستيك الكافي لمواجهة الأوبئة في حال انتشارها بشكل مخيف.
في المغرب، كما هو شأن أمور كثيرة، فإن العناية الإلهية وحدها تقف في صف المغاربة. ففي حالة السيدة المسنة في الدار البيضاء، والتي تم فعلا التنقل إلى مقر سكناها لنقلها إلى الحجر الصحي، كان المواطنون يمرون قربها وقرب الفريق الطبي المخصص لنقلها إلى سيارة الإسعاف، وكأنهم يمرون قرب مريضة عادية.
مقابلة الكوارث بالسخرية عادة مغربية خالصة تعود إلى أيام الطاعون حيث كان أجدادنا يدفنون موتاهم باستعمال الجير ويحصون الموتى تماما كما يحصون الأيام في انتظار ظهور الهلال.
وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة قلقين من توافد الطائرات من إيطاليا، قبل قرار تعليق الرحلات طبعا، كانت الحكومة تؤكد أن الكمامة لن تنفع صاحبها في شيء، وأن الذين اخترعوها أصلا جعلوها مخصصة للمصابين حتى لا ينقلوا العدوى إلى غيرهم. وحتى عندما ظننا أن اللقاء الذي عقده رئيس الحكومة مع وزير الصحة للتواصل مع المواطنين ووضعهم في السياق، فوجئنا كيف أن رئيس الحكومة بدل أن يقدم الأرقام ويجعلنا نستوعب قدرات الحكومة على احتواء أسوأ التنبؤات بخصوص انتشار كورونا والمشاكل الاقتصادية التي تسببت فيها حتى الآن في السوق العالمية، تابعنا كيف أنه أخبرنا أن الأمر يتعلق باللعاب والرذاذ، ونصحنا كأي أب بأن لا ننقل أيدينا إلى وجوهنا إلا بعد التأكد من غسلها جيدا بالصابون.
الله وحده يعلم من أين يأتي بعض الوزراء المغاربة بعلمهم الغزير نفعنا الله به، لكن الأكيد أن كلامهم لا يأخذه أغلب الناس على محمل الجد، خصوصا وأننا شعب يؤمن أغلبه بقدرات العشابين و«أطباء» الرقية الشرعية والعلاج بالطاقة.
كورونا الحقيقية التي تصيبنا في المغرب منذ زمن هي مواقع نشر الأخبار الزائفة، ولعنة نشر وتعميم التسجيلات الصوتية والمرئية دون التأكد من صحتها، مع ما يمكن أن تنشره من حالة هلع وسط المواطنين.
«الطاليان» في المخيال الشعبي المغربي هي «الغربة» والضفة التي يغامر الآلاف بحياتهم لوصولها ولو في زورق مثقوب لكي يشتغلوا بالليل والنهار لإعالة أسرهم في المغرب. إغلاق الأجواء بيننا وبين هذه الدولة بكل ما تمثله لدى المغاربة من جنة موعودة، لن يحس به إلا الذي قضى سنوات من البطالة وهو يحلم بالهجرة، وعندما قبض التأشيرة بين يديه، خرجت عليه لعنة «كورونا» بقرار إغلاق الأجواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى