شوف تشوف

الرئيسيةتعليمسياسية

تأهيل التلميذ وتعليمه يحتاج لتضافر جهود أكثر من مدرس

لا أحد بإمكانه نسب النجاح لنفسه أو تبرئتها وإلباس مسبباته للغير

لو أخذنا أي بنية إدارية، وافترضنا أن لهذه البنية مجموعة من الالتزامات تجاه مرتفقيها، وافترضنا أيضا أن هناك تقصيرا في مستوى معين داخل هذه البنية من قبل موظف أو أكثر، فمن يا ترى سيتحمل مسؤولية التقصير؟

الفصل 17، المشار إليه سابقا، يحمل المسؤولية للموظف الذي قصر في القيام بمهامه ويحملها للمسؤول عن المرفق الذي لم يتخذ ما يتطلبه الأمر من إجراءات لتأمين تقديم الخدمة المنوطة بالمرفق في المستوى الذي حصل فيه التقصير والتصدي للخلل عند بدايته وتداركه إما بالتوجيه أو المصاحبة أو التكوين أو إعادة التأهيل أو غيرها من التدابير الزجرية اللازمة لتجاوز التقصير والحد من آثاره. كما لا يمكن انتظار ترتب عواقب سيئة بسبب التقصير المتحدث عنه قبل التدخل، فأهمية التدخل لن تكون ذات جدوى في هذه الحالة. القاعدة تنطبق على كل فئات الموظفين أينما وجدوا في أسلاك الوظيفة، وفي المؤسسات التي يشتغلون لصالحها ويتقاضون أجورهم مقابل العمل الذي يقومون به.

في حالة التعليم، للمدرس مسؤولية كبيرة في تدريس التلاميذ وتعليمهم والمساهمة في تأهيلهم للحياة العملية، غير أن تحقيق هذه الأهداف لا يمكن أن يتحمله لوحده على اعتبار أن تأهيل التلميذ وتعليمه يحتاج لتضافر جهود أكثر من مدرس وعلى امتداد سنوات، وهي المسؤولية نفسها التي سيتحملها معه، بالضرورة، مدير المؤسسة، ليس بشكل مباشر، من خلال تأمين الزمن الإداري وزمن التعليم اللازمين لتوفير ظروف التمدرس للمتعلمين وتوفير أدوات العمل وتنظيم الفضاءات، وحسن استغلالها وتنظيم كل الأنشطة الموازية التي تمنح الاستقرار والانسجام داخل فضاء التمدرس وتتبع وتنزيل كل التدابير ذات الصلة بتجويد الأداء.

الأمر نفسه ينطبق على المفتش التربوي الذي ينبغي أن يؤمن كل ما له صلة بالمراقبة البيداغوجية الضرورية لتنفيذ المناهج الدراسية ويمارس الرقابة البيداغوجية لتأمين تنفيذ المناهج الدراسية وفق التوجيهات التربوية للمادة وتقليص أي فوارق قد يلاحظها بين المنهاج المرجعي والمنهاج الفعلي، وهكذا بالنسبة لباقي الفاعلين الميدانيين وكل موظف من موظفي البينات الإدارية الإقليمية والجهوية والمركزية، مما يجعل مسؤولية التعلم وتحسين التعلمات وتجويد أداء المتعلمين متقاسمة بين مختلف العاملين بالقطاع بغض النظر عن مواقعهم.

فعلى سبيل المثال، يكون الموظف الذي يسهر على تدبير الوضعيات الإدارية للموظفين ملزما بضبط ما يقوم به تفاديا لأي تأثير سلبي على وضعية زملائه رؤساء ومرؤوسين، وكذلك الموظف المسؤول عن تدبير الرخص يكون ملزما بضبط ما يقوم به لتفادي ما قد يترتب على تأخره في تأمين الزمن المدرسي من ضياع لزمن التعليم والتعلم واستدامته. كما أن المسؤول عن وضع الخرائط المدرسية وتتبع مؤشراتها ملزم بتدقيقها بما يكفي لتفادي كل ما من شأنه أن يزعزع استقرار البنيات التربوية القائمة، وينعكس سلبا على الأداء وبالتالي على نوعية التعلمات وفعاليتها، وكذلك الأمر بالنسبة للموظف المسؤول عن تتبع أنشطة الحياة المدرسية وتقني البناءات والمسؤول عن الصحة المدرسية والمكلف بمكتب الصفقات، وهكذا بالنسبة لمختلف مكونات البنيات الإدارية القائمة ومستوياتها.

وحيث أن كل هذه البنيات الإدارية سواء المركزية أو الجهوية أو الإقليمية أو المحلية، هي في خدمة التعليم والتعلم، فإن أي نجاح، مهما كان مبهرا، وأي إخفاق مهما كان صادما هما نتاج مسؤولية مشتركة لا أحد بإمكانه نسب النجاح لنفسه دون غيره أو تبرئة نفسه من الإخفاق وإلباس مسبباته للغير.

سيكون من الصعب تصور موظف في قطاع معين يشتغل ويقوم بمهامه اليومية دون أن يكون مدركا تمام الإدراك لتبعات وأثر ما يقوم به على مهام الآخرين من الزملاء وغير الزملاء، ليس هناك منحى واحد لانتقال الأثر عند القيام بالمهام، هو قانون الفعل ورد الفعل الفيزيائي يتحقق الذي ينبغي أن ينتظم وفقه حدوث التغييرات. فأي مجهودات مكلفة أو زائدة عن حدود ما ينبغي القيام به في دائرة المسؤولية، التي قد تضيق وقد تتسع، وأي تقصير فيها، قد يؤثر على استقرار البنيات الناظمة للفعل وتعرقل انتقال المجهود وفق سلسلة الحلقات الفاعلة والمتدخلة وبما يكفي من التكامل الضامن لتحقيق الأثر المنشود.

الأداء والمردودية والجودة في الأداء من داخل البنيات الإدارية هو كل لا يتجزأ، وأي تقصير في أي مستوى من المستويات ستظهر عواقبه على الأداء لاحقا. فقد يتأثر مستوى التلاميذ على امتداد سنوات دون أن يعيره أحد اهتماما، وفي مستوى معين يشد الانتباه وترى الكل يحمل المسؤولية لمن يدرس أولئك التلاميذ في ذلك المستوى بينما تجدهم قد راكموا من الثغرات في المستويات السابقة ما يجعل من تقديم الدعم لهم واستدراك نقائصهم أمرا شبه مستحيل. فقد يلاحظ المتتبع استقرارا في بعض المؤسسات والبنيات الإدارية بشكل عام، لكن هل هذا يعني بالضرورة أن الكل راض عن الأداء وعن العطاء وعن النتائج؟ قطعا لا؛ فقد تنشأ بنية غير معلنة، كما أشار لذلك كروزيي ميشال Grozier .M  في مؤلفه الفاعل والمنظومة l’acteur et le système بين عدة مكونات داخل هذه البنيات تتقاطع فيها مصالح البعض بالبعض الآخر فتنشأ آليات تعامل يغض في إطارها كل واحد الطرف عن الآخر لضمان الهدوء واستمراره بما يعطي الانطباع بأن الأمور تسير على ما يرام إلى حين نشوء تضارب في المصالح. فينفجر الوضع ويبدأ كل طرف في تحميل المسؤولية للطرف الآخر وتظهر معالم الانهيار للعيان، فيتم تعليق الحجام!

نافذة:

 

مسؤولية التعلم وتحسين التعلمات وتجويد أداء المتعلمين متقاسمة بين مختلف العاملين بالقطاع بغض النظر عن مواقعهم

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى