شوف تشوف

الرئيسيةدين و فكر

تأملات قرآنية : سورة النساء

سورة النساء مدنية عالجت في معظمها الأحوال الشخصية والمدنية المتعلقة بالحياة الزوجية والشقاق بين الأزواج، ومشروعية الزواج وشروطه، وعقوبة الخيانة الزوجية، وذكرت المحرمات من النساء للزواج، والائتمان على أموال اليتامى والإحسان إليهم، والإرث وطريقة توزيعه، كما حثت على وجوب اتباع الكتاب في ما شرعه الله ووجوب طاعة الله ورسوله في الأمور الدينية والمدنية والعسكرية، كما تم فيها تشريع بعض العبادات والعقوبات المدنية، هذه هي الأطر العامة التي تناولتها السورة.

 

1 – قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً))[سورة النساء:1]، قوله تعالى: ((مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ))، كقوله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ))[سورة الأنعام:98]، وقوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا))[سورة الأعراف:189]، فالنفس كيان مستقل، هي منبع جميع الأنفس، خلق منها آدم وحواء كما خلقا من طين، وهي مصدر الحياة، والنفس غير الروح بخلاف من جعلهما شيئا واحدا.


2 – قال الله تعالى: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا
مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ))[سورة النساء:3]، شرع التعدد في الأصل للإحسان باليتامى وذلك بالزواج من أمهات الأيتام مع وجود الزوجة الأولى. والدليل على ذلك في نفس السورة، وهو قوله تعالى: ((وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا))[سورة النساء:127]، فالآية واضحة في أن التعدد يكون بالنساء اللاتي لهن أيتام ويرغب الرجال في نكاحهن حتى يقسطوا باليتامى.

 

3 – قال الله تعالى: ((فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا))[سورة النساء:11]، هذه بعد ذكر الفرائض والأنصبة للورثة مما يؤكد على فرضيتها ولا تحتمل التبديل، فقوله تعالى: ((عَلِيمًا حَكِيمًا)) أي أن ما فرضه الله تعالى عن علم وحكمة في أي زمان ومكان، وليس هناك من هو أعلم وأحكم من الله.

 

4- قال الله تعالى: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا))[النساء:17]، معنى بجهالة أي باندفاع في لحظة غلبة شهوة أو غضب، وليس من عمل سوء مع القدرة على صد نفسه عنه، أو من بيت نية عمل السوء، فهذا ليس من جهالة، كما قال تعالى: ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ))[النحل:119].

 

5 – قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)) [سورة النساء:43]، أي لا تقربوا المسجد الذي تقام فيه الصلاة، فكنى باللازم الذي هو الصلاة عن المسجد الذي هو الملزوم، والدليل على ذلك تمام الآية ((وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا))[سورة النساء:43]، عابرين من داخل المسجد، وذلك لطهارته.

 

 

6 – قال الله تعالى: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا))[سورة النساء:54]، وذلك أن الله اصطفاهم على العالمين، كما قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ))[سورة آل عمران:33].

 

7 – قال الله تعالى: ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا))سورة النساء:82]، وفي آية أخرى قال تعالى: ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[سورة محمد:24]، وذلك أنهم لن يتدبروا القرآن حتى يصلوا إلى معرفة عدم وجود الاختلاف فيه لأن على قلوبهم أقفالها.

 

8- قال الله تعالى: ((وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا))[سورة النساء:86]، قوله تعالى : ((بِتَحِيَّةٍ)) جاءت نكرة، والنكرة تفيد العموم، وتقديره إذا حييتم بأي تحية حسنة فردوها، وهذا بخلاف من يرى عدم التحية بتحية أخرى غير السلام مثل صباح الخير أو مساء الخير وغير ذلك من التحايا الحسنة، ويقول لك تحية الإسلام هي السلام، فكل هذه التحايا يستفاد منها السلام الذي هو ضد العدوان وهو المقصود من إيجاب التحية.

 

9- قال الله تعالى: ((فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا))[سورة النساء:90]، منع الله قتال المسالمين من غير المسلمين وأمَّنهم على حياتهم وأموالهم، وذلك أن الله تعالى قال في نفس سياق الآية: ((وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا))[سورة النساء:94].

 

10- قال الله تعالى: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))[سورة النساء:115]، يستفاد منها أن المعذَّب في الآخرة هو من تبين له الحق فجحده واتبع طريق الكافرين.

 

11- قال الله تعالى: ((وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا))[سورة النساء:127]، كما ذكرت سابقا أن هذه الآية مبينة لقوله تعالى: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ))[سورة النساء:3]، وأن مقصد التعدد هو القسط في اليتامى، وذلك بالزواج من أمهات اليتامى للإحسان إليهم.

 

12- قال الله تعالى: ((إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا ))[سورة النساء:133]، أي يأتي بخلق جديد، كما قال تعالى: (( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ))[سورة إبراهيم:19].

 

13- قال الله تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا))[سورة النساء:139]، مثل ما يفعل حكام المسلمين اليوم يبتغون العزة من الدول الغربية ولا يبتغون العزة من الله.

 

14- قال الله تعالى: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا))[سورة النساء:142]، هذه صفة المنافقين مع الصلاة، وقد وعدهم الله بالعذاب، قال تعالى: ((فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)))[سورة الماعون:4-7].

 

15- قال الله تعالى: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)))[سورة النساء:145-146]، هذه الآية يمكننا أن نبين من خلالها معنى قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))[سورة البقرة:62]، فمعنى المنافقون مع المؤمنين في قوله تعالى: ((فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)) أي بعد أن يرتفع عنهم النفاق ويصبحوا من جملة المؤمنين، وكذلك اليهود والنصارى والصابئين بعد إيمانهم ترتفع عنهم هذه الأسماء؛ ولا يعني أنهم يبقون على أديانهم التي تحمل هذه الأسماء، وذِكرها هنا بيان لحالهم قبل الإيمان لذلك قال الله تعالى: ((مَنْ آمَنَ)) أي من آمن منهم مع ذكر المؤمنين قبلهم باعتبارهم قد آمنوا، وبالتالي يصبحون كلهم مؤمنين، وليس كما يزعم بعض الذين يرون جواز بقائهم على أديانهم تلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى