14– قال الله تعالى: ((وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ))[سورة البقرة:78]، أي أميون بالتوراة غير عالمين بما فيها، فلا يعلمون منها إلا أكاذيب الأحبار التي يدسونها في التوراة، بدليل قوله تعالى في نفس سياق الآية: ((فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ))[سورة البقرة:79] وهذه الأكاذيب هي الأحاديث الإسرائيلية التي دخلت في تفاسير القرآن الكريم فيما بعد.
15- قال الله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ))[سورة البقرة:84]، يريد الله من المسلمين أن يعتبروا ببني إسرائيل الذين كانوا يسفكون دماءهم ويقتل بعضهم بعضا، بسبب خلافهم في ما بينهم وتفرقهم، بغيا بينهم، كما قال الله تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ))[سورة آل عمران:19]، وقوله تعالى: ((وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ))[سورة البينة:4].
16- قال الله تعالى: ((أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ))[سورة البقرة:87] سبب تكذيب الرسل والكفر بما جاؤوا به هو اتباع الأهواء، وكانت أهواء بني إسرائيل في ملتهم، كما قال الله تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[سورة البقرة:120]، لكن الله لا يرى الهدى والحق إلا في القرآن، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى))[سورة البقرة:120]، لذلك يجب عدم اتباع أهوائهم، قال تعالى: ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) [سورة البقرة:120].
17- قال الله تعالى: ((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ))[سورة البقرة:93]، مثل ذلك من أُشرِبوا في قلوبهم الانتماء إلى المذاهب والأحزاب والفلسفات والأفكار والاعتقادات، وحب الرئاسة والسلطة والمال، وجعلوها عجولا عليها يعكفون وتركوا معرفة الحق والقيام بالعدل.
18- قال الله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))[سورة البقرة:101-102]
هذا الإخبار من الله تحذير للمسلمين من أن يتركوا القرآن وينبذوه وراء ظهورهم كما فعل بنو إسرائيل، ويتبعون ما تتلو الشياطين أرباب الأقلام والمنابر الفكرية والسياسية عن المناهج الحياتية المعارضة للقرآن، وهو السحر الذي يعلمونه للناس فيسحرونهم بالكلام الفارغ، ويبعدونهم عن منهج القرآن.
19- قال الله تعالى: ((وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ))[سورة البقرة:109]، كانوا يعرفون الحق ورغم ذلك يكفرون به حسدا منهم، وإرادتهم أن يكون دينهم هو الدين الرسمي للناس، كما قال تعال: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّىتَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[سورة البقرة:120]، ويتبين من الآية السابقة أن اليهود والنصارى ملزمون باتباع الرسالة التي جاء بها محمد (عليه الصلاة والسلام) إذا تبين لهم الحق، بخلاف من يرى عدم وجوب اتباعها من قبل اليهود والنصارى؛ بل يكفيهم الإيمان بالنبي محمد (عليه السلام)، وقد قال الله تعالى: ((قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى))[سورة البقرة:120]، والهدى هو القرآن والرسالة التي جاء بها محمد (عليه السلام) وليس الهدى في دين آخر غير الإسلام.
20- قال الله تعالى: ((وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُم قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ))[سورة البقرة:111]، أي كل من اليهود والنصارى يدَّعون أن دينهم هو دين الحق وهو المنجي، كما قال تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ))[سورة البقرة:113].
21- قال الله تعالى: ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) [سورة البقرة:120]، الحق لا يُعرَف بهوى النفس بل يُعرَف بالعلم، وغالب الأيديولوجيات والأنظمة المعرفية مبنية على حظوظ النفس، لأن أكثر التفكير البشري مبني على المصالح والشهوات مما يضلل على معرفة الحق، كما قال تعالى: ((أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ))[سورة البقرة:87]، ويكثر القتل في العالم بسبب الأيديولوجيات الفاسدة المبنية على المصالح والشهوات بدل بنائها على الوحي الإلهي والعقل والمنطق.
22- قال الله تعالى: ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))[سورة البقرة:124]
الإمامة لا تُنال إلا بعد الصبر على الابتلاء، كما قال الله تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا))[سورة السجدة:24].
23- قال الله تعالى: ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[سورة البقرة:129]، وقد استجاب الله لدعوة إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ))[سورة الجمعة:2]، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (…أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ…).
24- قال الله تعالى: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[سورة البقرة:134]، تلك أمة قد مضت وهي مسؤولة عما فعلت وأنتم مسؤولون عما تفعلون، كما قال تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ))[سورة المدثر:38]، وقال تعالى: ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))[سورة الأنعام:164].
25- قال الله تعالى: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))[سورة البقرة:136]، كل الأنبياء كانوا على دين الإسلام، كما قال تعالى: ((مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ))[سورة الحج:78]، وقال تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ))[سورة آل عمران:19]، وقال تعالى: ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [سورة آل عمران:85].
26- قال الله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))[سورة البقرة:143]، معنى ((وَسَطًا)) أي الوسطية والاعتدال، والسير في الطريق الوسط بين التشدد والانحلال، وخلق التوازن بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسم، بين العمل للآخرة وعدم نسيان المؤمن نصيبه من الدنيا، كما قال الله تعالى: ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا))[سورة القصص:77]، ومعنى ((لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))؛ الشهيد في اللغة هو الحاضر، والشاهد هو المبين ما عَلِمَه، لذلك يجب أن يكون المسلمون شهداء على غيرهم من الأمم بوسطيتهم مبينين للناس جميعا ما عَلِموه من الإسلام؛ مثل ما أن النبي شهيد على أمة الإسلام معلم ومبين لها طريق الوسطية التي جاء بها الإسلام، فالنبي شهيد على المسلمين والمسلمون على الأمم الأخرى شهداء، فهذا في الحقيقة ما يجب أن يكون عليه واقع المسلمين، كما قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))[سورة آل عمران:110].