سورة آل عمران مدنية، تناولت في معظم خطابها أهل الكتاب، ومسألة التصديق والتكذيب للنبي (صلى الله عليه وسلم)، والعلاقة بين المؤمنين وأهل الكتاب، ودعوتهم إلى الإيمان وتحذير المؤمنين مما وقع فيه هؤلاء من تبديل للدين وتحريف لكتابهم، وأكدت على أن الدين عند الله هو الإسلام، وحذرت من الاختلاف والفرقة، كما بينت كيف أقام النبي (صلى الله عليه وسلم) الحجة عليهم في دعوته إياهم إلى الإيمان به والكتاب الذي جاء به.
وتناولت السورة في خطابها أيضا جانبا من أحوال القتال، وتحذير المسلمين من التخاذل في حربهم ضد الأعداء الذين يتربصون بهم، وبشرت الصابرين بالجنة، وحثت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنفاق في سبيل الله.
1- قال الله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ))[سورة آل عمران:7]، يستفاد من الآية أن قوله تعالى: ((هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)) يحتمل منه معنى هن أكثر الكتاب، ويحتمل منه معنى أنهن المرجع لبيان المتشابه، وقد ينسحب على المعنيين معا، كما أن قوله تعالى: ((وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) يحتمل معنى الاستشكال فيرجع به إلى الآيات المحكمات، ويحتمل معنى التماثل فيجمع بين الآيات المتشابهات لمعرفة المعنى المراد، وينسحب على المعنيين أيضا.
2- قال الله تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ))[سورة آل عمران:19]، أكثر الاختلاف يكون نتاج البغي لا نتاج التباس العلم.
3- قال الله تعالى: ((…وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))[سورة آل عمران:21]، مثل ذلك الحكومات المستبدة التي تقتل المصلحين من الناس، والمطالبين بحقوقهم من الذين يدعون إلى العدل والإصلاح.
4- قال الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ))[سورة آل عمران:33]، اصطفاهم للنبوة والرسالة، كما قال تعالى: ((قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ))[سورة الأعراف:144]، ولم يذكر آل محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو من آل إبراهيم (عليه السلام).
5- قال الله تعالى: ((وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ))[سورة آل عمران:49]، يستفاد من الآية أن آدم خُلق من طين وتم نفخ الروح فيه مباشرة دون سلسلة تطور من كائنات أخرى قبله، فآية عيسى (عليه السلام) لبني إسرائيل مثلت خلق آدم (عليه السلام)، وهذا ضد أسلمة نظرية التطور.
6- قال الله تعالى: ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ))[سورة آل عمران:59]، هنا خطأ التطوريين الإسلاميين الذين يقولون بأن لآدم سلفا قبله، فلو كان الأمر كذلك لما كان للمثل الذي ضربه الله في الآية أي معنى، فالله ضرب مثلا بآدم لأن ليس له أبوان مثل ما أن عيسى ليس له أب…فتأمل.
7- قال الله تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ))[سورة أل عمران:65]، وذلك أنهم كانوا يتحاجون أيهم أولى بإبراهيم (عليه السلام)، وأيهم على الحق، قال تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ))[سورة البقرة:113]، فنفى الله عنهم جميعا الانتماء إلى إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى: ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[سورة آل عمران:46]، وأن أولى الناس بإبراهيم هم الذين اتبعوه والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنون معه، كما قال تعالى: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ))[سورة آل عمران:68].
8- قال الله تعالى: ((وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ))[سورة أل عمران:69]، يضلونهم بسبب الحسد لما وجدوا عندهم من الحق، كما قال تعالى: ((وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ))[سورة البقرة:109].
9- قال الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ))[سورة آل عمران:90]، هؤلاء لن تُقبَل توبتهم ولن يغفر الله لهم ولن يهديهم سبيلا، كما قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا))[سورة النساء:137].
10- قال الله تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا))[سورة آل عمران:103]، لا تتفرقوا كما تفرق أهل الكتاب من بعد ما جاءتهم البينة وجاءهم العلم، كما قال تعالى: ((وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ))[سورة البينة:4]، وقال تعالى: ((وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ))[سورة الشورى:14].
11- قال الله تعالى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))[سورة آل عمران:142]، وقد ضرب الله مثلا بالذين خلوا من قبلهم، قال تعالى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))[سورة البقرة:214].
12- قال الله تعالى: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ))[سورة آل عمران:144]، تشبه قوله تعالى في حق عيسى عليه السلام: ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ))[سورة المائدة:75]، وهذه إشارة إلى موت عيسى (عليه السلام).
13- قال الله تعالى: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ))[سورة آل عمران:159]، أمر الله تعالى النبي (صلى الله عليه وسلم) بمشورة أصحابه في أمور الدنيا والسياسة والحرب؛ رغم أنه يوحى إليه من عند الله؛ لِمَا للشورى من أهمية كبرى في استقرار المجتمع وازدهاره، ولإرشاد المسلمين أيضا وتوجيههم إلى إقامة الشورى في مجتمعاتهم، بينما حكام المسلمين وقادتهم يستبدون بالقرارات السياسية والأمنية والاقتصادية ولا يشاورون غيرهم في الأمور التي تهم المجتمع؛ مَثَلهم كمَثَل فرعون؛ كما أخبر الله تعالى عنه: ((قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ))[سورة غافر:29].
14- قال الله تعالى: ((مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ))[سورة آل عمران:179]، الأحداث والوقائع والابتلاءات والمحن هي التي تميز بين الخبيث والطيب، بين الكاذب والصادق، كما قال تعالى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))[سورة آل عمران:142].
15- قال الله تعالى: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)))[سورة آل عمران:190-191]، التفكر في السماوات والأرض يدل على الخالق والصانع لهذا الكون، كما قال تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)))[سورة الملك:3-4].