تأجيل يرتدي «الكمامة»..
يونس جنوحي
بلاغات منتصف الليل تأتي دائما بأخبار تسبب شقيقة في الرأس صباحا.
صباح أمس، كان كل سكان مدينة بحجم الدار البيضاء، مُجبرين على تأمل الجدران، حيث علقوا المحافظ الدراسية الجديدة لأبنائهم بعدها قررت الحكومة في منتصف الليل ألا يتوجه أحد إلى المدرسة في اليوم الموالي.
هناك جانب من تأمين حياة المغاربة وتجنب انفجار بؤر وبائية غير مسبوقة، لكن طريقة التدبير ارتجالية تماما، وقد رأينا في عطلة عيد الأضحى حجم الأضرار النفسية والمادية التي تسبب فيها قرار إغلاق الطريق السيار في التاسعة ليلا دون أي إخبار مسبق.
الموسم الدراسي هذا العام تاريخي بلا شك. هناك حديث غير رسمي هذه الأيام عن انسحاب جماعي من المدارس الخصوصية وهجرة نحو المدارس العمومية. بالإضافة إلى انتشار تخوف كبير في أوساط الأسر بخصوص الظروف التي سوف يعيشها أبناؤهم وسط الأقسام.
وطبعا، التعليم العمومي في المناطق النائية والمعزولة يوجد خارج النقاش تماما. فحتى رجال التعليم الذين يتم تعيينهم في المناطق المنسية لا يصلون إليها إلا بعد سفر طويل ومضن يجربون خلاله كل وسائل النقل البدائية التي يعرفونها والتي يجهلونها أيضا. وعندما يصلون إلى مناطق التعيين يعيشون عزلة حقيقية بدون ماء ولا كهرباء، وطبعا بدون شبكة أنترنت. ولن يعلموا بخصوص بلاغ الحكومة إلا بعد أن يفتحوا الأقسام لاستقبال التلاميذ، هذا إذا اعتبرنا أنهم استمعوا إلى نشرة الظهيرة على أمواج الإذاعة. أما إذا لم يفتحوا جهاز الراديو، فيمكن أن يقضوا اليوم الأول في استقبال التلاميذ الذين لا يتحدث أغلبهم العربية أصلا.
هذه الفوضى التي تحدثنا عنها بخصوص خيارات التعليم، حضوريا أو عن بُعد، ثم جولات أعوان الداخلية طيلة نهاية الأسبوع يأمرون فيها السكان بعدم التوجه يوم الاثنين إلى المدارس ضاربين بعرض الحائط خيار «الحضوري» الذي أتاحته الوزارة، دون الرجوع إلى وزير التربية الوطنية، كلها تعكس الفوضى الحقيقية التي يغرق فيها قطاع حيوي مثل التعليم.
أما وزارة التجهيز، فلا أحد يعلم ماذا ستفعل مع قطاع مدارس تعليم السياقة. وهو القطاع الذي يعيش بالمناسبة صعوبات كثيرة، لكن أرباب المدارس ظلوا ماسكين أعصابهم منذ مارس الماضي، ولم يتنفسوا الصعداء إلا بعد صدور قرار إعادة فتح المقرات بنصف طاقتها الاستيعابية.
المسؤولون في وزارة التجهيز يعلمون أن موسم الرواج بالنسبة لمدارس تعليم السياقة يكون دائما في الصيف، حيث يلجأ إليها الطلبة والموظفون العموميون والناجحون في الباكالوريا، الذين يكونون في عطلة، للحصول على رخصة السياقة.
تضاف إليهم فئة جديدة من سائقي الدراجات ثلاثية العجلات. إذ أن القانون الأخير يقضي بضرورة توفر هذه الدراجات على ألواح معدنية، بعد تورط عدد من سائقيها في سرقات بالمدن، وتوفر سائقيها أيضا على رخصة السياقة.
أمام هذا الطلب المرتفع على مواعيد امتحان الحصول على رخصة السياقة، تفاجئ وزارة التجهيز الجميع بتقليص مقاعد الامتحانات بما يزيد من 70 بالمائة. أي أن الذين يريدون اجتياز المباريات اليوم، عليهم ربما الصبر إلى أبريل أو ماي المقبلين.
مدينة بحجم مدينة طنجة، تتبعها ترابيا، مناطق كثيرة إلى حدود أصيلة، لا توجد فيها سوى 150 مدرسة تعليم للسياقة. في مقابل ارتفاع كبير في عدد المرشحين، حسب ما تسجله وزارة التجهيز دائما. ورغم كل هذه الإكراهات تقوم وزارة التجهيز بتقليص عدد المقاعد المتاحة في المغرب كله بنسبة تفوق النصف، دون أن تجهز أرباب المدارس لهذا القرار.
الوكالة الوطنية للسلامة الطريقة مطالبة بالتدخل في الموضوع، خصوصا وأن صلاحياتها التنظيمية تخول لها حسب القانون، تدبير ما يتعلق ببرامج تعليم السياقة والامتحانات.
هذا التأجيل غير المدروس لمواعيد وأنشطة عدد من القطاعات الأساسية، سيؤدي مستقبلا إلى تضخم كبير على مستوى الخدمات العمومية، وعلى رأسها التعليم والصحة. لقد كبرنا ونحن نطالع في حصص الدروس حكما من قبيل «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»، لكننا في هذا الامتحان العسير الذي نخوضه منذ مارس الماضي، لم نر من الحكومة إلا تأجيلا تلو آخر. حتى أنه بات عليهم أن يصنعوا كمامة خاصة لهذا «التأجيل» حتى لا يصاب بدوره بالفيروس اللعين.