بِالسَّاعِدَيْنِ تَبْطِشُ الكَفَّانِ
يضرب المثل في تعاوُنِ الرجلين وتساعُدِهما وتعاضُدِهما في الأمر. ويروى «بالساعد تبطش الكف» قال أبو عبيدة: أي إنما أقْوَى على ما أريد بالمقدرة والسعة، وليس ذلك عندي. يضربه الرجل شيمتُه الكرم غير أنه مُعْدم مُقْتر، قال: ويضرب أيضاً في قلة الأعوان.
بَرِحَ الخَفاءُ
أي زال، من قولهم «ما برح يفعل كذا» أي ما زال، والمعنى زال السر فوضح الأمر، وقال بعضهم: الخفاء المتطأطئ من الأرض، والبراحُ: المرتفعُ الظاهر، أي صار الخفَاء بَرَاحا، وقال:
بَرِحَ الخَفَاء فَبُحْتُ بالكتمان/وشَكَوْتُ ما ألقى إلى الإخْوان
لو كان ما بي هَيِّناً لكَتمْتُهُ/لكنّ مابي جَلَّ عن كِتْمَانِ.
بِمِثْلِ جَارِيَة فَلْتَزْنِ الزَّانِيَة
يضرب المثل في الكريم يَخْدُمُه مَنْ هو دُونَه. هو جارية بن سُلَيط، وكان حَسَنَ الوجه، فرأته امرأة فمكنته من نفسها وحملت، فلما علمت به أمها لامتها، ثم رأت الأم جمالَ ابن سُلَيط فعذرت بنتها وقالت: بمثل جارية، فلتزن الزانية، سراً أو علانية.
بِفِيهِ مِنْ سارٍ إِلَى القَوْمِ البَرَى
هذا قيل في رجل سَرَى إلى قوم، وخَبَّرهم بما ساءهم، والبرى: الترابُ، ومنه المثل الآخر «بفيه البَرَى، وعليه الدبَرَى، وحمى خَيْبَرى، وشر ما يرى، فإنه خَيْسَرَى» الدبرى: الهزيمة، والخيسرى: الخسار، وأراد أنه ذو خيسرى أي ذو خسار وهلاك، والغرض من قولهم «بفيه البَرى» الخيبة، كما قال:
كلانا يا معاذُ نحبُّ لَيْلى/بِفِيّ وفيك من ليلى الترابُ
أي كلانا خائب من وصلها.
بِحَمْدِ اللهِ لا بِحْمِدَك
هذا من كلام عائشة رضي الله عنها حين بَشَّرَها النبي صلى الله عليه وسلم بنزول آية الإفْك. ويضرب لمن يَمُنُّ بما لا أثر له فيه.
والباء في « بحمد الله» من صلة الإقرار، أي أقر بأن الحمد في هذا لله تعالى.
باقِعَةٌ مِنَ الْبَوَاقِعِ
يضرب للرجل فيه دَهَاء ونُكْر. وباقعة من البواقع أي داهية من الدواهي، وأصلُه من البَقَع، وهو اختلاف اللون، ومنه الغراب الأبْقَع وَسَنة بَقْعَاء فيها خِصْب وجَدْب، وفي الحديث «بِقْعَانُ الشأم» قيل: أراد سَبْي الروم، لاختلام بياضهم وصفرتهم، فسمى الرجل الداهي باقعة، لأنه يؤثر في كل ما يقصد ويتولَّى، والباقعة: الداهية نفسها أمر يلصق حتى يُرَى أثره، وقيل: الباقعة طائر حَذِر إذا شرب الماء نظر يَمْنة ويَسْرة.
بَيْتُ الأَدِم
يقال: الأدَمُ جمع أدِيم، ويقال: هو الأرض، وقالوا: هو بيت الإسكاف، لأن فيه من كل جلد رقعة. ويضرب في اجتماع الأشخاص وافتراق الأخلاق، وينشد:
القومُ إخوانٌ وشَتَّى في الشَّيَمْ/وكلهم يَجْمَعُه بيتُ الأدَمْ
ويروى «الناس» و«كلهم يجمعهم» على إعادة الكناية (الكناية: أراد ضمير الغائب في «يجمعهم» وكل: لفظة مفرد، ومعناه جمع) إلى معنى كل، و«يجمعه» على إعادتها إلى اللفظ، قالوا: وبيت الأدَم خِباء من أدَم: أي يجمعهم على اختلاف ألوانهم وأخلاقهم خباء واحد، يريد أنهم يرجعون فيها إلى أساس واحد، وكلهم بنو رجل واحد، كما قيل: الأرض من تربة والناس من رجل.
بِئْسَ مَقَامُ الشَّيْخِ أَمْرِسْ أمْرِسْ
يقال «مَرَس الحبلُ يَمْرُسُ» إذا وقع في أحد جانبي البكرة، فإذا أعَدْته إلى مجراه قلت «أمْرَسْتُه» وتقدير الكلام: بئس مقام الشيخ المقام الذي يقال له فيه أمرس، وهو أن يعجز عن الاستقاء لضعفه.
يضرب لمن يحوجه الأمر إلى ما لا طاقة له به، أو يربأ به عنه.
بَيْضَةُ البَلَدِ
البَلَد: أُدْحِيّ النَّعام، والنعامُ تترك بيضها يضرب لمن لا يُعْبأ به. ويجوز أن يراد به المدح، أي هو واحد البلد الذي يُجْتمع إليه ويُقْبل قوله، وأنشد ثعلب لآمرأة ترثي عمرو بن ودّ حين قتله علي رضي الله عنه.
لو كان قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتِلِه/بَكَيْتُه ما أقام الروحُ في جَسَدِي
لكنَّ قاتله مَنْ لا يُعَاب به/وكان يُدْعى قديما بيضَةَ البلدِ.
بَرِئَتْ قَائِبَةٌ مِنْ قُوبٍ
القائية: البيضة، والقُوب: الفرخ، يعني لا عهدة عليّ، قال أبو الهيثم: القابة الفرخ، والقوبة البيضة، يقال: تَقَوّبَتِ القابةُ عن قُوبها، قلت: أصل القوب الشق والحفر، يقال: قُبْتُ الأرضَ إذا حفرتها، فمن جعل القائبة البيضة جعل الفعل لها، يعني أنها شَقَّتْ عن الفرخ، وجعل القُوبَ مفعولا، ومن جعل القابةَ الفرخَ عَنَى أنه الذي قاب البيضَةَ فخرج منها، وحذف الياء من القابة كما حذفت من الحاجة، والقوبة على كلا القولين فعْلَة بمعنى مفعولة كالغُرْفَة من الماء والقبضة من الشيء وأشباههما.
بِئْسَ الرِّدْفُ لاَ بَعْدَ نَعَمْ
الرِّدْفُ هو الرَّديف، أنشد ابن الأعرابي
لا تُتْبِعَنَّ نَعَمْ لا طائعا أبداً/فإن لا أفْسَدَتْ من بعد ما نَعَمٍ
إن قلت يوماً نَعَمْ بَدْأ فتمَّ بها/فإن إمضاءها صِنْفٌ من الكَرَمِ
قال المهلب بن أبي صُفْرة لابنه عبد الملك: يا بني إنما كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَّتُهَا عِدَاتٌ أنفْذَهَا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلا تبدأ بنعم فإن مَوْرِدها سَهْل، ومَصْدَرها وَعْر، واعلم أن وإن قَبُحت فربما رَوّحت، وما قدرت فلا توجب الطمع، وقال سَمُرة بن جُنْدب: لأن أقولَ للشيء أفعله ثم يبدو لي فأفعله أحبُّ إلي من أن أقول أفعله ثم أفعله، قال المثقَّبُ:
حَسَنٌ قولُ نَعَمْ من بعد لاَ/وقَبِيحٌ قولُ لا بعد نَعَمْ
إنَّ لا بعد نَعَمْ فاحشَةٌ/فَبِلا فابدأ إذا خِفْتَ النَّدَمْ
وإذا قلت نَعَمْ فاصْبِرْ لها/بنَجَاح الوَعْدِ إن الْخُلْفَ ذَمّْ.
بَقِّطِيهِ بِطِبِّكِ
التَّبْقِيط معانه التفريق، والبَقَطُ: ما سقط وتفرق من التمر عند الصِّرام، وأصلُ المثل أن رجلا أتى عشيقَته في بيتها، فأخذه بطنُه فأحدث في البيت، ثم قال لها: بقِّطيه بطِبِّكِ أي بحِذْقك وعلمك، أي فرقيه لئلا يُفْطَن له. ويضرب هذا المثل لمن يؤمر بإحكام أمرٍ بعلمه ومعرفته.
بَيْنَ الْحُذَيَّا والْخُلْسَةِ
الحُذَيَّا: العطية، وكذلك الحَذِيَّة، وكان ابنُ سيرين إذا عرض عليه رؤيا حسنة قال: الحُذَيَّا، والحُذَيَّا، يعني هاتِ العطية أعَبِّرْهَا لك، والْخُلْسَة: اسم المختَلَسِ. ويضرب المثل لمن يستخرج منه عطاء برفق وتأنق في ذلك كأنه يقول: تَحْذُونِي أو أختلس.
بَالَ فَادِرٌ فَبَالَ جَفْرُهُ
الفادر هو الموَعِلُ المسِنُّ، وجَفْره: ولده، ويقال لولد المعز أيضاً جَفْر، وذلك إذا قوِيَ وبلغ أربعة أشهر. يضرب للولد يَنْسِج على مِنْوَال أبيه.
بِمِثلي تُطْرَدُ الأوَابِدُ
أصلُ الأوابد الوَحْش، ثم استعيرت في غيرها، ومنه قول الناس «أتى فلان في كلامه بأبِدَةٍ» أي بكلمة وَحْشية، وتأبَّدَ المكان: توحش. ومعنى المثل: بمثلي تطلب الحاجات الممتنعة.
بَلْدَة يَتَنَادَى أَصْرَمَاهَا
يقال للذئب والغراب، الأصْرَمان، قال ابن السِّكِّيت: لأنهما انصَرَما من الناس: أي انقطعا، وأنشد للمرار:
على صَرْمَاء فيها أصْرمَاهَا/وخِرِّيتُ الفَلاَةِ بها مليل.
والصَّرْمَاء: المَفَازة التي لا ماء فيها. ويضرب هذا المثل لمن أخلاقه تنادي عليه بالشر.
بَكَّرَتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ
شَبْوة هو اسم للعقرب لا تدخلها الألف واللام مثل مَحْوَة للشمال (في القاموس أن محوة اسم للدبور) وخُضَارة للبحر. وتزبئر: تنتفش. ويضرب المثل لمن يتشمر للشر، أنشد ابن الأعرابيّ:
قَدْ بَكَّرَتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ/تَكْسُو اسْتَهَا لَحْماً وَتَقْمَطِرُّ.