بَيْضَةُ العُقْرِ
يقال إنها بيضة الديك، وإنها مما يُخْتبر به عُذْرَة الجارية، وهي بَيْضَة إلى الطول. ويضرب للشيء يكون مرة واحدة، لأن الديك يبيض في عمره مرة واحدة فيما يقال، قال بشار بن برد:
قد زُرْتِنِي زورةً في الدهر واحدةً/ثَنِّي ولا تَجْعَلِيهَا بيضةَ الديكِ
قال أبو عبيدة: يقال للبخيل يعطي مرة ثم لا يعود: كانت بيضَةَ الديكِ، فإن كان يعطى شيئاً ثم قطعه قيل للمرة الأخيرة: كانت بيضةَ العُقْرِ، وقال بعضهم: بيضة العقر كقولهم «بَيْض الأنُوق، والأبْلَق العَقُوق» يضرب مثلا لما لا يكون.
بِيَدَيْنِ مَا أَوَرَدَهَا زَائِدَةُ
يضرب في الحثّ على استعمال الجد. وكلمة «بيدين» تفيد القوة والْجَلاَدة، يقال: مالي به يَدٌ، ومالي به يَدَانِ، أي قوة، و»ما» صلة، وزائدة: اسم رجل، يريد بالقوة والْجَلاَدة أورد إبلَه الماءَ، لا بالعجز، ويجوز أن يريد بقوله «بيدين» أنه أَضْبَطُ يعمل بكِلْتَا يديه.
بِبَقَّةَ صُرِمَ الأمْرُ
بَقَّةُ: موضع بالشام، وهذا القول قاله قصير بن سَعْد اللَّخْمِي لجَذِيمة الأبْرَشِ حين وقع في يد الزبَّاء، والمعنى قُطِع هذا الأمر هناك، يعني لما أشار عليه أن لا يتزوَّجها فلم يقبل جَذِيمة قوله، وقد أوردتُ قصةَ الزباء وجَذِيمة في باب الخاء عند قوله «خطب يسير في خطب يسير».
بَدَلٌ أَعْوَرٌ
يقال إن يزيد بن المُهَلَّب لما صُرِفَ عن خُرَاسان بقُتَيْبة بن مُسْلم الباهلي – وكان شَحِيحاً أعور – قال الناس: هذا بَدَل أَعْوَر فصار مثلاً لكل من لا يُرْتَضَى بدلاً من الذاهب، وقد قال فيه بعض الشعراء:
كانَتْ خراسانُ أرضاً إِذْ يَزِيدُ بها/وكلُّ باب من الخيرات مَفْتُوحُ
حتى أتانا أبو حَفصٍ بأسْرَتِهِ/كأنما وَجْهُه بالْخَلِّ مَنْضُوحُ
بَرِّقْ لِمَنْ لا يَعْرِفُكَ
أي هَدِّد مَنْ لا علم له بك، فإن من عرفك لا يعبأ بك، والتبريق: تحديدُ النظر ويروى «برّقي» بالتأنيث، يقال: بَرَّقَ عينيه تَبْرِيقاً، إذا أوسعهما، كأنه قال بَرّق عينيك، فحذف المفعول، ويجوز أن يكون من قولهم: رَعَد الرجل وَبَرَق إذا أوعد وتهدَّد، وشدد إرادة التكثير، أي كثر وعيدَك لمن لا يعرفك.
بَرْدُ غَدَاةٍ غَرَّ عَبْداً مِنْ ظَمأ
هذا قيل في عبد سَرَحَ الماشية في غداة باردة ولم يتزود فيها الماء، فهلك عَطَشاً، و «مِن» في قوله «من ظمأ» صِلَة غَرَّ، يقال: مَنْ غرك مِنْ فلان؟ أي مَنْ أَوْطَأَك عَشْوة من جهته؟ يعني أن البرد غره من إهلاك الظمأ إياه فَاغْتَرَّ، ويجوز أن يكون التقدير: غر عبداً مِنْ فقد ظمأ، أي قَدَّر في نفسه أنه يفقد الظمأ فلا يظمأ. يضرب في الأخذ بالحزم.
بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى
هي جمع زُبْيَة. وهي حُفْرة تُحْفَر للأسد إذا أرادوا صَيْده، وأصلُها الرابية لا يَعْلُوها الماء، فإذا بلغها السيلُ كان جارفا مُجْحفاً. يضرب لما جاوز الحد. قال المؤرج: حدثني سعيد بن سماك بن حَرْب عن أبيه عن ابن المعتنر قال: أُتِيَ مُعاذُ بن جبل بثلاثة نَفَر فتلهم أسد في زُبْيَة فلم يدر كيف يفتيهم، فسأل علياً رضي الله عنه وهو مُحْتَبٍ بفِناء الكعبة، فقال: قُصُّوا عليَّ خبركم، قالوا: صِدْنا أَسَداً في زُبْية، فاجتمعنا عليه، فتدافع الناسُ عليها، فَرَمَوُا برجل فيها، فتعلق الرجل بآخَرَ، وتعلق الآخر بآخر، فَهَووْا فيها ثلاثتهم، فقضَى فيها عليٌّ رضي الله عنه أن للأول رُبُعَ الدية، وللثاني النصف، وللثالث الدية كلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقضائه فيهم، فقال: لقد أَرْشَدَكَ الله للحق.
باءَتْ عَرَارِ بِكَحْلَ
يقال: هما بَقَرَتَانِ انتطحتا فماتتا جميعاً، وَعَرارِ: مبنى على الكسر مثل قَطَام. ويضرب المثل لكل مستويين، يقع أحدهما بإزاء الآخر.
يقال: كان كثير بن شهاب الحارثي ضرب عبد الله بن الحجاج الثعلبي من بني ثعلبة بن ذبيان بالري، فلما عزل كثير أقيد منه عبد الله فهتَم فاه وقال:
باءَتْ عَرَارِ بكَحْلَ فيما بَيْنَنَا/وَالحَقُّ يَعْرِفُه أُولُو الأَلْبَابِ.
بَعْدَ الَّلتَيَّا وَالَّتِي
هما الداهية الكبيرة والصغيرة، وكَنَى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبيهاً بالحيَّة، فإنها إذا كثر سمها صغرت لأن السم يأكل جَسَدها، وقيل: الأصل فيه أن رجلاً من جَدِيس تزوج امرأة قصيرة، فقاسى منها الشدائد، وكان يعبر عنها بالتصغير، فتزوج امرأة طويلة، فقاسى منها ضعف ما قاسى من الصغيرة، فطلقها، وقال: بعد اللَّتَيَّا والَّتِي لا أتزوج أبدا، فجرى ذلك على الداهية، وقيل: إن العرب تصغِّر الشيء العظيم، كالدُّهَيْم والُّلهَيْم، وذلك منهم رَمْز.
بِأبِي وُجُوهَ الْيَتامَى
ويروى «وا، بأبي» يشير بقوله «وا» إلى التوجُّع على فقدهم، ثم قال «بأبي» أي أفْدِي بأبي وجوهَهم. والمثل يُضرب في التحنن على الأقارب. وأصله أن سعد القَرْقَرة – وهو رجل من أهل هَجَر – كان النعمان بن المنذر يضحك منه، وكان للنعمان بن المنذر فرس يقال له اليحموم يُرْدِى من ركبه، فقال يوماً لسعد: ارْكَبْهُ واطلب عليه الوحْشَ، فامتنع سعد، فقهره النعمان على ذلك، فلما ركبه نظر إلى بعض ولَده وقال هذا القول، فضحك النعمان وأعفاه من ركوبه، فقال سعد:
نَحْنُ بغَرْسِ الوَدِىِّ أعْلَمُنَا/مِنَّا بِجَرْىِ الْجِيَادِ فِي السَّلَفِ
يَا لَهْفَ أمِّي فَكَيْفَ أطْعَنُهُ/مُسْتَمْسِكاَ وَالْيَدَانِ فِي الْعُرُفِ
ويروى «بجر الجياد في السَّدَفِ» ويروى «السُّدَف» والسُّلَف، والسُّدَف، فالسَّدَف: الضوء والظلمة أيضاً، والحرفُ من الأضداد، والسَّدَفُ: جمع سُدْفَة: وهي اختلاط الضوء والظلمة، والسَّلَفَ: جمع سالف مثل خادم وخَدَم وحارس وحَرَس، وهو آباؤه المتقدمون، والسُّلَفُ: جمع سُلْفة وهي الدبرة (هي القطعة المستوية من الأرض) من الأرض، وقوله «أعلمنا» أراد أعلم منا وهي لغة أهل هَجَر، يقولون: نحن أعلمنا بكذا منا، وأجود هذه الروايات هذه الأخيرة أعني «في السُّلَفِ» لأن سعدا كان من أهل الحِراثة والزِّراعة، فهو يقول: نحن بغرس الودىّ في الديار والمشارات أعلم منا بِجَرْىِ الجياد.
بِاُذُنِ السَّماعِ سُمِّيتَ
يضرب للرجل يذكر الجودَ ثم يفعله. وتقدير الكلام بسماع أذنٍ شأنها السماع سميت بكذا وكذا، أي إنما سميت جوادا بما تسمع من ذكر الجود وتفعله، وهذا كقولهم «إنما سميت هانئا لتهنئ» وأضاف الأذن إلى السماع لملازمتها إياه، والتسمية تكون بمعنى الذكر كما قال:
وَسَمِّهَا أحْسَنَ أسمائها/أي واذكرها بأحسن أسمائها.
ومعنى المثل بما سُمِعَ من جودك ذكرت وشكرت، يحثه على الجود، قال الأموي: معنها أن فعلك يصدِّقُ ما سمعته الأذنان من قولك.
بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ
هذا من قول طَرَفة بن العبد حين أمَر النعمان بقتله، فقال:
أبا مُنْذِر أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنَا/حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشر أهْوَنُ من بَعْضِ
يضرب عند ظهور الشرين بينهما تفاوت. وهذا كقولهم «إنَّ من الشر خِيارا».
بِبَطْنِهِ يَعْدُو الذَّكَرُ
يقال: إن الذكر من خيل يَعْدُو على حسب ما يأكل، وذلك أن الذكر أكثر أكلا من الأنثى فيكون عَدْوُهُ أكثر، ويقال: إن أصله أن رجلا أتى امرأته جائعا، فتهيأت له، فلم يلتفت إليها ولا إلى ولدها، فلما شبع دعا ولده فقرّبهم، وأراد الباءة، فقالت المرأة: ببطنه يعدو الذكر. وقال أبو زيد: زعموا أن امرأة سابَقَتْ رجلا عظيمَ البطنِ فقالت له ترهبه بذلك: ما أعظَمَ بطنك! فقال الرجل: ببطنه يَعْدُو الذكر.