مات أندسون أرانتيس دو ناسيمنتو، الشهير بلقب «بيليه»، وارتدت الملاعب ثوب الحداد، لكن أسطورة كرة القدم، الذي فاقت شعبيته كل بقاع العالم، بفضل مهاراته وأهدافه الغزيرة، تحول إلى سفير فوق العادة يستقبل كلما حل بدولة استقبال الرؤساء والزعماء، وحينها ظهر أنه ملك فعلا تنتصب من أجله خيام الفرح ويقام على شرفه بروتوكول القادة.
زار بيليه عددا من الدول العربية، سواء خلال فترة لعبه كرة القدم أو بعد اعتزاله، وذلك بطلب من رؤساء أو منظمات حكومية أو اتحادات، ولقي استقبالا حارا من الرسميين ومن عشاق كرة القدم، ومن بين البلدان التي زارها، المغرب الذي قضى فيه ثلاثة أيام حافلة بالأنشطة.
أول لقاء بين بيليه ولاعبي المنتخب في المكسيك
خلال تواجد المنتخب المغربي في المكسيك للمشاركة في كأس العالم 1970، فاجأ مدرب الفريق الوطني فيدينيك، لاعبي المنتخب، بقرار زيارة مقر إقامة منتخب البرازيل. كان القرار غريبا، إذ كيف لمنتخب أن يزور منتخبا في مدينة أخرى فقط للتعرف على بيليه ونجوم البرازيل؟
يقول اللاعب أحمد العلوي، في حوار مع «تيلي ماروك»: «فعلا قبلنا الفكرة على مضض وتوجهنا إلى مقر إقامة الفريق البرازيلي وقبله مع المنتخب الألماني حيث تبادلنا الهدايا والشعارات. لقد زرنا مقر إقامة المنتخب البرازيلي رغم أنه لم يكن خصمنا في مجموعتنا، كان البرازيليون يقيمون في مدينة قريبة منا وهي غوانا خواطو، هي قرية مقدسة عندهم في المكسيك. زرنا منتخب البرازيل وتبادلنا الهدايا وأخذنا صورا مع بيليه وطوسطاو وريفيلينو، فرحوا بوجود فريق عربي كان الممثل الوحيد للقارة الإفريقية، هكذا كان فيدنيك يزيل شحنات الضغط على لاعبيه».
استغل اللاعبون المغاربة فرصة اللقاء مع سحرة البرازيل والتقطوا صورا للذكرى مع بيليه، بل إن لاعب المنتخب المغربي، سعيد غاندي، قال، في حوار مع «الأخبار»، إنه حصل على قميص بيليه وعليه توقيعه.
بيليه في مباراة استعراضية بالملعب الشرفي
في سنة 1975 حل ملك الكرة بيليه بالدار البيضاء، واستقبل استقبالا شعبيا في مطار النواصر الدولي، كانت الزيارة بدعم من مشروب غازي وكانت الغاية منها ترويج المنتوج عبر الأسطورة بيليه. رافق عثمان السليماني، رئيس الجامعة آنذاك، الضيف الرياضي في جميع تحركاته واستضافه على الطريقة المغربية في بيته، وفي اليوم الثاني نظمت مباراة استعراضية ودية بحضور ملك الكرة بيليه في الملعب الشرفي بالدار البيضاء، جمعت المنتخب المغربي، الذي شارك في مونديال المكسيك، ومنتخب مكون من نجوم كرة القدم البيضاوية.
شارك في تشكيلة الفريق الوطني المعزز بالنجم بيليه، أغلب اللاعبين الذين حضروا مونديال المكسيك سنة 1970، بقيادة باموس، بينما شهدت تشكيلة البيضاويين وجود كل من بينيني ومويسة وبتي عمر والزغراري ويمان والزغراري وعبد الرحيم وغيرهم من نجوم الكرة البيضاوية في تلك الفترة. يقول العلوي، الذي شارك ضمن فريق بيليه، «كانت فرحة العمر حين تم اختياري للمشاركة في هذه المباراة، وكلما لمس الكرة كنا نتفرج فيه».
في تلك المباراة ستحصل واقعة طريفة، حيث إن لاعب الرجاء بتي عمر سيقوم بمراوغة جميلة أعقبتها قنطرة صغيرة، أفقدت بيليه توازنه. قال بتي عمر: «لم أقصد مراوغة بيليه، كنت أعتقد أن اللاعب الذي يركض ورائي هو بيتشو فقررت أن أغالطه، لأكتشف بأن الضحية هو «بيليه» صفق لي الجمهور وطالبهم بيليه بالمزيد من التشجيع وهنأني على أدائي».
بين ملك الكرة والجوهرة السوداء بن مبارك
في لقاء جمع بيليه بالعربي بن مبارك، أسطورة الكرة المغربية، خلال حفل أقيم على شرف الضيف الكبير، قال بيليه، وهو يتحدث إلى الحاضرين بلكنة تجمع بين اللهجة البرازيلية والفرنسية، «تخيلوا لو كان قد ولد العربي في هذا الزمن. أنا متأكد من أنه كان سيأخذ كرة القدم إلى عوالم غير مستكشفة لقد كنت معجبا بِه كثيرا، وحاولت أن أقوم بتقليده فتمكنت بشكل كبير». وأضاف منوها بالجوهرة السوداء، أثناء وضع وشاح الكرة على صدره: «ما يميزك عني أنك دخلت عوالم احترافية في أوربا»، وأضاف بيليه أنه كان بإمكانه الانتقال إلى أوروبا، لكن في تلك الفترة كانت الكرة البرازيلية والأمريكية الجنوبية عالية المستوى، ولم تكن الأموال التي تضخ في كرة القدم حينها تغري بالمغامرة. وأوضح بيليه أنه «كانت هناك أوقات كثيرة أوشك فيها على التوقيع على اتفاق مع ريال مدريد، ومرة أخرى كاد يحدث الأمر مع نابولي في إيطاليا»، لكن جاذبية الدوري البرازيلي كانت أقوى.
وأضاف: «هذا ليس ندما، إذ كنت في سانتوس، وفي ذلك الوقت كان النادي يمثل قوة كبيرة»، كما وعد بزيارة المغرب رفقة نادي سانتوس للمشاركة في دورة كأس محمد الخامس بناء على طلب قدمه له، أثناء الحفل، أحمد النتيفي، الكاتب العام للجامعة.
أما أكثر ما خطف الأضواء في تلك الزيارة، فهو اللقاء التاريخي الذي جمع بين بيليه وبن مبارك، الذي كان يلقب حينها أيضا بـ«الجوهرة السوداء»، وهو اللقب الذي أطلقته عليه الصحافة الأوروبية عندما كان نجما متألقا بفريق أتلتيكو مدريد الإسباني.
في ذلك اللقاء تحدث بيليه عن رمزية القميص رقم عشرة، وتبادل القميص مع بن مبارك، وقال للصحافيين: «أنا ملك الكرة والعربي ربها». وفي نهاية الحفل وزع بيليه أمتعة رياضية خصصتها الشركة الداعمة لفرق الدار البيضاء عبارة عن أقمصة رياضية وكرات شملت حتى فرق الأحياء.
حين صادفت زيارة بيليه للجزائر انقلاب بومدين على بن بلة
يحمل الأسطورة البرازيلية بيليه العديد من الذكريات في العالم العربي، بعد أن أجرى مجموعة من الزيارات وحط الرحال في عدد من الدول العربية، سواء كلاعب مع فريقه سانتوس البرازيلي أو كسفير لكرة القدم العالمية، باعتباره واحدا من أساطير اللعبة على مر التاريخ. فقد كان اسم بيليه يطلق على كل لاعب موهوب كرويا وله بشرة سوداء، وظل على الدوام مثلا يحتذى به لجميع الأطفال.
في سنة 1965، بعد ثلاث سنوات من تتويج منتخب البرازيل بكأس العالم عام 1962 التي أقيمت في الشيلي، حل بيليه بالجزائر بدعوة خاصة من الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة. مناسبة هذه الزيارة كانت إجراء مباراة ودية جمعت بين منتخبي الجزائر والبرازيل، على أرضية الملعب البلدي في وهران، وانتهت بانتصار البرازيليين بثلاثية، سجل منها بيليه هدفا وحيدا. ومن الغرائب أن لقاء بن بلة مع بيليه كان الأخير كرئيس للجزائر، بعد أن تم الانقلاب عليه في اليوم الموالي من طرف الرئيس هواري بومدين.
زار بيليه الجزائر سنة 1979 رفقة فريق سانتوس، من أجل إجراء مباراة ودية مع منتخب الجزائر في وهران، في حين كانت الزيارة الثالثة للبلاد عام 2014، باعتباره سفيرا للكرة العالمية.
زار بيليه مصر في مناسبتين، الأولى كلاعب في صفوف فريق سانتوس البرازيلي، والثانية بصفته سفيرا للعبة، كما زار البحرين وقطر والكويت والسودان والسعودية.
حسن البصري