بو عشرين وجه ووجه
من غرائب تداعيات فضيحة الصحافيين الفرنسيين المفترسين اللذين حاولا ابتزاز الملك، أحدهما بدعوى أن زوجته مريضة والثانية بدعوى أنها تريد أن تستثمر في الخيول، أن ماسح أحذية معروفا سبق له أن صدر ضده حكم بالنصب والاحتيال بسبب سطوه على فيلا مهاجر مغربي، وسبق له أن تلقى أموالا من الأمير مولاي هشام للكتابة عنه بدعوى أن والدته مريضة، تطوع لإعطاء الدروس لزملائه الصحافيين الذين لم يصدر في حقهم أي حكم بالنصب ولم يضبطوا وهم يسطون على مقالات جاك أطالي.
أخونا الذي ابتليت به هذه المهنة محكوم بالنصب لأنه حاول شراء فيلا من مهاجر مغربي بأقل من سعرها، وحتى عندما أفلس صديقه الملياردير عمدة طنجة السابق وباع فيلته بمراكش استغل أخونا الفرصة واشترى منه الأثاث بسعر زهيد.
أخونا «الفهايمي» مصاب بمرض انتحال وسرقة مقالات الآخرين دون خجل بحثا عن نجومية تدر عليه المزيد من الثروة. فبسبب طفولة شقية ومحرومة تكونت لديه عقدة «اللهطة» وراء جمع المال، وأنا وجميع من كان يعاشر الرجل كان يعرف أنه «كحيان» لا يملك عشاء ليلة، وكان محشرا داخل ستوديو حقير بأكدال لا يوجد فيه غير صالون صغير يستعمله للنوم ومرحاض إذا دخلت إليه يجب أن تترك نصف جسدك خارجا من فرط ضيقه.
هذا الرجل بعد حصوله على شيك بتسعين مليونا من الأمير هشام أصبح شخصا آخر، تنكر لصديقته التي أعالته طيلة سنوات «التحنكير»، مما تسبب لها في سرطان قضى عليها ببطء.
ولكي يخفف من عذاب ضميره توسل إلى ولي نعمته الأمير هشام لكي يتحمل مصاريف علاج المريضة، بعد فوات الأوان.
وبين عشية وضحاها اشترى سيارة بسبعين مليونا وأصبح يدمن عادة المرور أمام الكومبيس بمدينة العرفان والأحياء الجامعية، ماسكا مقود السيارة بيد ومخرجا اليد الأخرى من نافذة السيارة.
ثم أصبح يساهم في المقاولات الإعلامية بالصنطيحة، فيغادرها بعد فترة قصيرة ومئات الملايين في جيبه، إلى أن أصبح اليوم من كبار المقاولين ويمتلك حسابا بنكيا في إسبانيا وراء ظهر مكتب الصرف يتلقى فيه العمولات بمختلف العملات.
لذلك فأمثال هذه الميكروبات التي ابتليت بها مهنة الصحافة هي آخر من يحق لها أن تتحدث عن فضيحة إريك لوران وكاترين غراسيي.
لأن ما قام به هذان الصحافيان هو ما يقومون به يوميا بطرق مختلفة وملتوية. وإذا قال أحدهم العكس فنحن مستعدون لإعطاء الأمثلة بأسماء الضحايا وبالتواريخ والأمكنة والشهود.
والواقع أن هذه الحادثة غير المسبوقة في تاريخ الصحافة العالمية يجب أن تدرس في معاهد الإعلام كدرس مستقل تحت عنوان «إذا عرضت عليك ثلاثة ملايير مقابل عدم نشر تحقيق ماذا ستفعل» ؟
بالنسبة لإريك لوران وزميلته مربية الخيول فالجواب واضح، لقد اختارا إنهاء مشوارهما مع الكتابة والاستمتاع بتقاعد مريح على حساب القصر، لكن حساب الحقل ليس هو حساب البيدر، فقد تحولت في لحظة واحدة أحلام الصحافي وزميلته إلى كابوس مخيف قد ينتهي بهما وراء القضبان، خصوصا بعدما أقحمت كاترين غراسيي المخابرات الفرنسية في الموضوع وقالت إن الجهاز سلمها تقريرا سريا حول الملك محمد السادس، الشيء الذي كذبته وزارة الدفاع الفرنسية، فهل ستذهب الوزارة إلى حد مقاضاة الصحافية بسبب هذا الاتهام الخطير ؟
وسواء أخذت هذه المحاكمة طريقها العادي أو قرر القضاء الفرنسي حفظها، لسبب يتعلق بعيب شكلي في المسطرة، فإن الحكم بإعدام سمعة الصحافيين قد صدر منذ وقعا على عقد بيع تاريخهما الذي خطاه بيديهما وتسلما عنه تسبيقا قدره 80 ألف أورو.
شخصيا ما أثارني خلال متابعتي لتداعيات هذه الفضيحة في الإعلام الفرنسي هو إحجام القناتين العموميتين الثانية والثالثة عن الخوض في الموضوع جملة وتفصيلا.
أما القنوات التي خاضت في الموضوع فقد أظهر بعض منشطي برامجها تحيزا واضحا دفاعا عن الصحافيين وبحثا لهما عن أعذار، فقط لأن القصر الملكي هو المشتكي. ولو كان المشتكي شخصية فرنسية لكان تعاملهم مغايرا وأكثر مهنية وحيادا. ولنا في قضية بيطانكور خير مثال، حيث جلد الصحافيون زملاءهم بلا رحمة.
والسؤال الذي أطرحه شخصيا، لمعرفتي بصرامة الفرنسيين مع كل ما له علاقة بالمال، هو كيف سكتت الصحافة الفرنسية حول جانب مهم في هذه الفضيحة وهو التهرب الضريبي ؟
فالمبالغ كانت ستدفع نقدا، فأين مديرية الضرائب ؟
فإذا كانت التهمة الموجهة لهذين الصحافيين هي الابتزاز فإن تهمة أخرى يجب أن تضاف إلى ملفهما وهي التهرب الضريبي.
لنفترض حسن النية وأن الأمر يتعلق بصفقة، هل من المقبول قانونيا تسلم أموال «كاش» ؟
ورغم غوص الصحافيين في الوحل حتى العنق إلا أنهما يملكان الوجه لتبرير ما قاما به.
فالأخت كاترين قالت إنها قبلت العرض في لحظة ضعف لأنها رأت أن حياتها ستتغير، مضيفة والدموع في عينيها «طمعوني وواحد الراس كايقول ليا نقبل ولاخر لا، وقبلت باش مانخرجش الكتاب ماشي باش نقتل شي واحد».
المشكلة أن ضعف كاترين غراسيي أمام إغراء المال لم يظهر مع كتابها الأخير، بل إننا كنا قد سمعنا قبل سنوات في عز الربيع العربي بنعلي وزوجته الكوافورة يصرحان بأن كاترين حاولت ابتزازهما مقابل عدم نشر كتاب «حاكمة قرطاج»، وقد أثار ذلك قبل أيام صحافي فرنسي في قناة «إي تيلي» متهما زميلته بالإدمان على عادة الضعف أمام إغراء المال.
وفوق هذا وذاك يتحدون ويتوعدون بنشر الكتاب، رغم أن دار النشر قررت عدم الاستمرار في التعامل مع الصحافيين المفترسين، «وشوف على جبهة».
الصحافة الفرنسية بشكل خاص تحب إعطاء الدروس للجميع وتخاطب الناس من فوق كما لو أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، وفي حالة الصحافيين المفترسين فإن تحقيقا يجب أن يفتح حول ما قالته كاترين غراسيي من كونها اعتمدت في الكتاب على تقرير للمخابرات حول تحركات محمد السادس.
إننا لم نعد أمام صحافي وزميلته يؤلفان كتبا لابتزاز الأنظمة بحثا عن تقاعد مريح، بل نحن أمام مؤامرة خارجية على استقرار دولة ذات سيادة.
وطالما أن لوران يقول إنه يملك تقريرا للمخابرات، الجزائرية بكل تأكيد، حول فساد محتمل داخل المكتب الشريف للفوسفاط، فالجهة التي تقصد زعزعة المغرب هي الدولة التي تتحكم في هذا الجهاز الاستخباراتي الذي وفر التقرير، أما الصحافي فليس في نهاية المطاف سوى أداة للتنفيذ، ولا مصلحة للمغرب في شراء صمته لأنه مجرد مسخر.
ومثلما أعطت المخابرات الجزائرية تقارير مغلوطة لهذا الصحافي فقرر أن يبتز بها المغرب، فإنها يمكن أن تعطي التقرير ذاته أو تقارير أخرى لصحافيين غيره، وكم هم كثر في فرنسا ولا ينتظرون غير أن «تحاشيه» لهم جهة ما.
لذلك فالمسألة أكبر وأخطر من مجرد عملية ابتزاز، فاستهداف المؤسسة الملكية واستهداف المكتب الشريف للفوسفاط بالذات، بوصفه القلب النابض للاقتصاد الوطني، ينطوي على نية مبيتة من طرف النظام الجزائري لخلق متاعب للمغرب مع شركائه الدوليين، خصوصا بعدما تراجع سعر البترول وأصبح النظام الجزائري على شفا الإفلاس بسبب عدم تنويعه لمصادر دخله واقتصاره بنهم على عائدات المحروقات.
القوى الدولية التي تشتغل على إسقاط الأنظمة تريد أن ترد سبب سقوط هذه الأخيرة للزعزعة التي تحدثها مثل هذه الكتب، لكن الحقيقة أن القوى الدولية الطامعة في تقسيم الدول المستهدفة قصد الاستيلاء على ثرواتها، تستعمل مثل هذه الكتب وهؤلاء الصحافيين من أجل خلق الفتنة التي تسمح لها في ما بعد بالتدخل عسكريا، كما فعلت في ليبيا عندما قصفت طائرات الحلف الأطلسي مدن العقيد، وسوريا وغيرها من الدول التي تصدر مواطنيها اليوم نحو أوربا بمئات الآلاف.
إنه مخطط جهنمي لخلق الفتنة، التي هي أشد من القتل، والمغرب مستهدف بهذا المخطط وهناك جهات إقليمية معادية تشتغل ليل نهار لإنجاحه.
لذلك على المغاربة أن يكونوا حذرين جدا إزاء ما يشاهدون ويقرؤون، فليس كل ما يلمع ذهبا، أما رئيس الحكومة وحزبه فلا يجب التعويل عليهم في هذه الحرب لأن هؤلاء لديهم حربهم الخاصة التي سنأتي على ذكر تفاصيلها مستقبلا.
ونحن الذين نرى بحسرة في القلب وغصة في الحلق العائلات السورية في أسواقنا وأمام مساجدنا يستجدون صارخين «عايلة سورية يا إخوان»، لا نريد أن ننتهي نحن أيضا أمام مساجد الجيران نستجديهم صارخين «عايلة مغربية يا إخوان» .
فالحذر كل الحذر من هؤلاء الصحافيين المفترسين في الداخل والخارج.