بوضياف كان معزولا واستعان بمطرودي المخابرات لفهم أوضاع الجزائر
يونس جنوحي
كانت كارثة إذن. محمد بوضياف انقلب على الجنرالات الذين جاؤوا به إلى السلطة، منذ يوم وصوله إلى الجزائر. وجاء صديقه علي كافي، الذي لم يكن يعرف، كما يصفه هنا هشام عبود، أي شيء عن دور رئيس الجمهورية ولا صلاحياته، وفجأة أصبح مقربا من الرئيس. بينما قام الأخير بتعيين صهره مديرا لديوانه رغم أنه لا يتوفر نهائيا على أية خبرة سياسية ولا إدارية.
الطُعم
كان علي هارون الطعم الذي ابتلعه محمد بوضياف. إذ اختاره الجنرالات وكلفوه بالتقرب من الرئيس الجديد مباشرة بعد أن أحسوا بأنه سحب البساط من تحت أقدامهم، وسوف يصبح التخلص منه أمرا صعبا للغاية.
يقول هشام عبود: «لم يكن الجنرال خالد نزار، الزعيم الكبير للمافيا، والمالك الحقيقي للسلطة في الجزائر، ليعول على بوضياف لكي يعيد إصلاح النظام، أو يُزيح نظام المافيا.
ماذا سوف يفعل بوضياف، إذن، في هذه الظروف؟ ليس أمامه سوى أن يستفيد من مختلف الانتهازيين المحيطين به من كل الأقطاب».
استهزأ الجنرالات بمساعي بوضياف لتقوية الحزب الشعبي الوطني ومحاولة إعادته إلى السلطة. السنوات التي غابها الرئيس محمد بوضياف عن البلاد جعلته غير مدرك لبعض الحقائق. أقساها أن أعضاء الأحزاب الوطنية كان جلهم مدينين للجنرالات أو أصدقاء لكبار الضباط. وبالتالي فإن أية توصيات «سياسية» لبوضياف كانت تصل إلى الجنرالات حتى لو حاول عزل عالمه عن عالمهم.
الحاسة السادسة
يقول هشام عبود إن الرئيس محمد بوضياف كان يحتاج إلى مهلة لكي يتعرف على الوجوه التي كانت متعلقة بالجيش أو مرتبطة بهم ماديا ومصلحيا. وهذا المعطى لوحده يمكن أن يعتبر اليوم فضيحة سياسية. إذ كيف يعقل أن يكون رئيس الجمهورية معزولا عن أجهزة المخابرات. إذ لو أن بوضياف كان يتحكم في مخابرات بلاده، لطلب تقارير عن كل الأشخاص المحيطين به لكي يكون فكرة عن ثروتهم وعلاقاتهم ومصاهراتهم والأماكن التي كانوا يقضون فيها عطلهم في الوقت نفسه الذي كان فيه بوضياف يكابد لكي يؤسس لسلطته.
أضاع بوضياف الكثير من الوقت في محاولة فهم طريقة اشتغال النظام. ولم يكن أمامه سوى الاعتماد على حاسته السادسة حتى يبقى بعيدا عن الأشخاص الذين لم يكن يثق بهم، رغم محاولاتهم توهيمه أنهم وطنيون. وما أكثرهم.
أعداء الأمس
الجنرالات كان لديهم الكثير من الأعداء. أشخاص كثيرون في ثمانينيات القرن الماضي اضطروا إلى مغادرة الجزائر خوفا على حياتهم وعلى حياة أبنائهم، وتركوا البلاد خلفهم للجنرالات لكي يتحكموا فيها براحتهم. هؤلاء رأوا في وصول محمد بوضياف إلى السلطة فرصة مناسبة جدا لكي يعودوا بقوة إلى الجزائر. يقول هشام عبود إن من أبرز هؤلاء العائدين كان ثمة موظف سابق في الأجهزة الأمنية كان اسمه الحركي الذي يعرف به لدى رموز النظام والأجهزة، «كامل».
هذا الأخير طلب لقاء محمد بوضياف، والتقاه فعلا بشكل تطوعي. أي أن هذا النوع من اللقاءات لم يكن رسميا ولم يتم في مقر رئاسة الجمهورية. وإنما كانت هذه الاجتماعات تتم بشكل سري بعيدا عن أعين الفضوليين، وبالتالي فإنها لم تكن رسمية.
كان «كامل» يحاول وضع بوضياف في الصورة، ويشرح له طريقة عمل النظام ويكشف له أسرار الصفقات بل واقترح عليه أيضا لائحة بأسماء الضباط الذين يتعين عليه التعامل معهم، وكان أحد هؤلاء العسكريين الذين اقترحوا عليه لكي يقربهم منه، الكوماندان مراد.
في تلك الأثناء كان الجنرالات لا يزالون متوجسين من محمد بوضياف، ويُدركون جيدا أنه انقلب عليهم ولا مجال لإزاحته خصوصا وأنه أصبح يحظى بدعم رؤساء دول عربية وغربية. وهكذا عينوا الجنرال العماري، أحد أشهر أعضاء المافيا، لكي يتكلف خصيصا بالتنصت على الهاتف الذي كان يستعمله محمد بوضياف في مقر رئاسة الجمهورية، ويعد أعوانه تقارير مفصلة جدا عن كل المكالمات الهاتفية التي يجريها رئيس الجمهورية حتى لو كانت إلى منزله لطلب الطعام.