شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

بوس عمك

تنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة «مخيمات إنقاص الوزن»، أو ما يطلق عليها في الثقافة الشعبية الأمريكية «fat camps»، وهو لفظ تحقيري، هدفه السخرية من الأطفال والمراهقين «المطبزين»، الذين يفشل ذووهم في تربيتهم على العادات الغذائية والرياضية السليمة، فيقومون بإرسالهم – بعد أن تنتهي حلول الأرض- إلى أقرب مخيم للسمنة. وفي الوقت الذي يخسر فيه الطفل الأمريكي القليل من دهون البطن والأرداف، يخسر طفل آخر في بقعة بائسة من الأرض، براءته، ويفقد ثقته في هذا العالم.

تفجرت «عاوتاني» فضيحة اعتداء جنسي شنيع ضد مجموعة من القاصرين بالجديدة. بطلها وحش آدمي، ينتحل صفة مؤطر في مخيم صيفي، تم تصويره بالجرم المشهود في أحد شواطئ المدينة، فيديو مقزز لمجرم حقت عليه عذابات الجحيم.

تشكل المخيمات الصيفية جزءا من ذاكرة الطفولة المغربية. صداقات، ومهارات، ومغامرات وذكريات غالية، ترسخت في قلب وعقل كل مغربي، كان له الحظ في عيش تجربة المخيم الممتعة. لا يقتصر تقليد إرسال الأبناء إلى المخيمات الصيفية على الأسر الفقيرة العاجزة عن توفير رحلات استجمام مكلفة ماديا، بل هو تقليد متعارف عليه لدى الأثرياء أيضا، الذين يتخلصون من «فشوش» أطفالهم، عبر إرسالهم إلى مخيمات سويسرية فخمة مثلا. لا يعكر صفو هذه التجارب الطفولية البريئة سوى مرضى النفوس، الذين يبثون سم جرائمهم المقرفة، في أوصال مؤسسات مهمتها الأسمى هي تربية الناشئة.

فما السبيل لحماية أبنائنا من بطش هؤلاء المنحرفين؟ ومن المسؤول المباشر عن سلامة الطفل المغربي؟ وهل البيدوفيليا وباء حديث، أم هو ممارسة مسكوت عنها في الثقافة الشعبية؟ «بوس عمك» هو فعل أمر، يتردد على مسامع الأطفال المغاربة بدون استثناء من طرف ذويهم، في محاولة انتهاك أولى لحرمة أجسادهم الصغيرة. وتعنت تام في التجاوب مع الرفض النفسي والجسدي، الذي يعبر عنه الطفل عن طريق الصراخ والبكاء و«التركال». «بوس عمك» هو شكل من أشكال العنف النفسي ضد الأطفال. كيف يستقيم في عقل الآباء والأمهات إجبار فلذات أكبادهم على تقبيل أشخاص بالغين، تفاديا للإحراج أو رغبة في إرضاء العم والخال. «يطرطقو كاع هاد العائلة، أنا ولدي مايبوس حد». من الصعب استيعاب واحترام مفهوم الاستقلالية الجسدية لدى الأطفال داخل منظومة أخلاقية ودينية تستنكر وترفض وتهاجم مفهوم الرضائية لدى الراشدين. إن الإمعان في انتهاك قدسية جسد الطفل، عبر التوبيخ والعقاب والترهيب تفقد هذا الطفل احترامه وتقديره لذاته، وتربي لديه إحساسا بالخجل والعار من التعبير عن رغبته في الرفض أو الاحتجاج على مختلف أنواع الاعتداءات، جنسية كانت أو جسدية.

تعج ثقافتنا الشعبية بالطابوهات الجنسية المفزعة، مثل زنا المحارم، والاغتصاب الزوجي، والاعتداء على الأطفال من طرف ذويهم. طابوهات تحتمي بالفضيحة والشوهة و«ستر ماستر الله». تنتعش هذه الجرائم المقززة في بيئة يسودها الخوف، وتسيطر عليها عقلية لوم الضحية. صحيح أن المس بالسلامة الجسدية والنفسية لطفل بريء يظل من أفظع الخطايا، لكن يبقى انتهاك جسد طفل ضعيف من طرف أقرب المقربين إليه، أكثر السيناريوهات فظاعة. إن الحديث بجرأة وصراحة عن وباء اغتصاب القاصرين، يعتبر بمثابة السير وسط حقل من الألغام.

لمن يشتكي الطفل المغلوب على أمره، إذا كان المعتدي أبا أو أخا أو قريبا أو معلما أو فقيها أو جارا أو مدرب رياضة؟ ليست البيدوفيليا وليدة اليوم، بل تعتبر أشد الانحرافات السلوكية شيوعا عبر التاريخ. إذ إن البيدوفيليا كانت تعتبر ممارسة وميولا جنسيا «طبيعيا» لدى معظم الحضارات والثقافات. خلدت الأشعار والمدونات التاريخية قصص حب وعشق ووله بين أباطرة وخلفاء وسلاطين، وبين معشوقيهم من الغلمان.

إن لفظ هذه الممارسات الحقيرة من طرف الإنسان المعاصر جاء نتيجة نضالات حقوقية وفكرية مريرة، للتحرر من بعض المعتقدات التي تؤصل لهذا الفعل الشنيع. تساهم عقلية «ولد وطلق» في تكريس المزيد من المآسي الاجتماعية والإنسانية. تعج أحياؤنا وشواطئنا وأبواب مدارسنا، بأطفال يلعبون ويسبحون ويتجولون، لساعات طويلة دون أدنى مراقبة، من طرف الأمهات المنشغلات بالمسلسلات التركية، أو «تقرقيب الناب». تقع المسؤولية الأخلاقية والقانونية لحماية القاصرين على عاتق المنظومة المجتمعية ككل، بدءا بإعادة تأهيل دور الأسرة، من خلال التوعية والتثقيف وكسر الطابوهات المشينة، ومرورا بالمدرسة عبر الاهتمام بالتربية الجنسية السليمة، وانتهاء بالمشرع الذي أصبح واجبا عليه تشديد العقوبات في حق المنحرفين.

إن الخطوة الأولى في رحلة إنقاذ أطفالنا من براثن هؤلاء المجرمين، هي التخلص التام من وصمات العار التي تلقي بظلالها القاتمة على قضايا الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال. إن تصديق الضحايا، وحمايتهم والابتعاد عن لومهم سينتج لنا أجيالا واعية، وبمناعة نفسية صلبة. ختاما، يظل الدفاع باستماتة عن سلامة الطفل المغربي، أهم من العنتريات واللطميات الحقوقية، لأولئك الحالمين بمجتمعات طوباوية، الذين يطلون علينا موسميا من أبراجهم العاجية، ليزايدوا على أم مكلومة وأب مفجوع في فلذة كبده. مزايدات تنتصر للمجرم دائما، وتسلب الضحية حقها في القصاص وشفاء الغليل. نعم للمحاكمة العادلة، نعم للإخصاء الكيميائي، نعم لعقوبة الإعدام، نعم للعقوبات السجنية المشددة. ولا عزاء لسرطان الصوابية السياسية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى