بوسعيد يدق ناقوس خطر هشاشة المالية العمومية
محمد اليوبي
أكد وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، أول أمس الخميس بالرباط، أن الاقتصاد الوطني سيواجه صعوبات مقلقة خلال السنة المقبلة، ستنعكس على توجهات مشروع قانون المالية لسنة 2019، رغم حفاظ المالية العمومية على توازناتها خلال السنة الحالية، لكن تبقى هذه التوازنات غير هيكلية بالنظر لهشاشة مرتكزاتها وتأثرها السريع بتقلبات الوضع الداخلي والخارجي.
وأوضح بوسعيد، خلال الاجتماع المشترك للجنتي المالية بالبرلمان، خصص لتقديم حصيلة تنفيذ الستة أشهر الأولى من قانون المالية والإطار العام لمشروع ميزانية 2019، أن السنة المقبلة ستعرف بعض الإكراهات والتحديات، خاصة ما يتعلق بتزايد النزاعات الحمائية على مستوى الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار النفط. وأضاف بوسعيد أن هذه الإكراهات تتصل، أيضا، بانتظارات الأوساط الاقتصادية الوطنية في ظل التحديات المرتبطة بالاستثمار الخاص، وكذا الإشكاليات المرتبطة بالمداخيل الجبائية، فضلا عن ارتفاع الانتظارات والمطالب الاجتماعية الخاصة بتحسين الخدمات ورفع القدرة الشرائية لشريحة عريضة من المواطنين.
وشدد بوسعيد على أن هذه الإكراهات تفرض على الحكومة تدقيق وتحديد أولويات واضحة تعمل على تعزيز التوجه الاجتماعي والاقتصادي لمشروع قانون المالية ومواصلة الإصلاحات الهيكلية.
ومن أبرز عوامل الهشاشة في توازنات المالية العمومية، التي تحدث عنها بوسعيد، ارتفاع أسعار المواد النفطية، الذي وصل إلى حوالي 71 دولار للبرميل، ونفاد هبات الخليج، بمعدل مليار دولار سنويا، وتزايد المطالب الاجتماعية، خاصة تلك المرتبطة بتحسين الدخل والقدرة الشرائية لدى الأجراء، فضلا عن دخول مجموعة من الإصلاحات مرحلة الذروة على مستوى التنزيل، من قبيل الجهوية وإصلاح التعليم، وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وإصلاح العدل، والاستراتيجية الجديدة للماء، بالإضافة إلى وجود نفقات قارة وغير قابلة للتقليص، وكذلك الالتزامات في إطار الاتفاقيات الموقعة أمام الملك محمد السادس.
وينتظر، حسب بوسعيد، أن يبلغ معدل النمو نسبة 3.6 في المائة خلال السنة الجارية مقابل توقع أولي في حدود 3.2 في المائة وقت إعداد مشروع قانون المالية، مسجلا أن هذا التحيين الإيجابي لتوقعات نمو الاقتصاد الوطني للسنة الجارية راجع إلى التحسن الطفيف للناتج الداخلي الخام غير الفلاحي (3.3 في المائة خلال الفصل الأول من سنة 2018 عوض 2.5 في المائة خلال الفصل الأول من سنة 2017) كنتيجة أساسا للأداء الجيد لقطاعات المعادن والصناعات التحويلية والسياحة.
وسجل الوزير ارتفاع العجز التجاري بنسبة 7,8 في المائة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب بنسبة 33 في المائة في ظرف ستة أشهر، وهو ما اعتبره مؤشرا غير إيجابي وخسارة كبيرة مقارنة مع السنة الماضية، كما عرفت الاحتياطات الدولية الصافية، الى متم يونيو، انخفاضا بـ 13 مليار درهم مقارنة مع متم دجنبر 2017، فيما ارتفعت نسبة العجز إلى 20 مليار درهم مقابل 12 مليارا خلال السنة الماضية.
وأبرز الوزير، في معرض بسطه لتطور الوضعية الاقتصادية الوطنية، أنه تم تسجيل «أداء مرض» للأنشطة غير الفلاحية في قطاعات الصيد البحري والمعادن (إنتاج الفوسفاط مشتقاته) والطاقة والصناعة والسياحة والنقل الجوي، مشيرا إلى وجود ارتفاع نسبي للقروض البنكية بـ2.4 مليار درهم خلال الخمسة أشهر الأولى لسنة 2018، ومذكرا بانتعاش سوق الشغل للسنة الثانية على التوالي عبر إحداث 116 ألف منصب شغل مابين الفصلين الأولين من سنتي 2017 و2018، وانخفاض طفيف لمعدل البطالة بـ 0.2 نقطة إلى 10.5 في المائة..، مشيرا إلى أنه من المتوقع تسجيل تحسن مطرد لآفاق النمو الاقتصادي العالمي، خصوصا بمنطقة الأورو التي تشكل نسبة 70 في المائة من حجم مبادلات المغرب الخارجية، وتأثيرها الإيجابي على الطلب الخارجي، وبالتالي على نسبة النمو.
وتطرق بوسعيد إلى استمرار التطور الإيجابي للصادرات (زائد 11.4 في المائة)، خاصة بقطاعات الطيران والسيارات ومبيعات الفوسفاط ومشتقاته، مؤكدا أن عائدات السياحة (زائد 15.5 في المئة) وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج التي بلغت (زائد 8.5 في المئة)، ساهمت في تحسن معدل تغطية عجز الميزان التجاري بـ2.2 نقطة مئوية، لافتا إلى أنه سجل، حتى متم يونيو 2018، تراجع المداخيل بنسبة 3,1 في المائة، بسبب تراجع الضريبة على الشركات، مشيرا إلى ارتفاع طفيف للمداخيل الجبائية (زائد 785 مليون درهم) على مستوى المداخيل، نتيجة للتحسن الذي سجلته كل من الضريبة على القيمة المضافة (زائد 2 مليار درهم)، والضريبة على الدخل (زائد مليار درهم)، والرسوم الجمركية (زائد 723 مليون درهم)، والذي مكن من تخفيف أثر انخفاض الضريبة على الشركات (ناقص 3،4 ملايير درهم).
وأكد بوسعيد أن السنة المقبلة ستعرف نفقات إضافية تقدر بحوالي 30 مليار درهم، مشيرا إلى أن اختيار التوجه الاجتماعي لمشروع قانون المالية لسنة 2019 يعني إقرار نفقات إضافية بحوالي 16 مليار درهم، فضلا عن أن التوجه الرامي لدعم الاستثمار العمومي في البنيات التحتية الأساسية والتجهيزات الكبرى بهدف تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، يعني إقرار نفقات إضافية بحوالي 11 مليار درهم، أما مواصلة الإصلاحات الكبرى، فستكون لها كلفة إضافية بمبلغ 3,5 ملايير درهم، معتبرا أن مواصلة الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية تندرج ضمن أولويات هذا المشروع، والتي تشدد على ضرورة ضمان استقرار العجز في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتقليص حجم المديونية إلى أقل من 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق 2021.