شوف تشوف

الرأيالرئيسية

بوتين و«الجنايات الدولية»

 خلصت محكمة الجنايات الدولية إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مجرم حرب، على خلفية غزو روسيا لأوكرانيا. وأصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية، للاشتباه في مسؤوليته عن ترحيل أطفال، ونقل أشخاص، من دون سند قانوني من أوكرانيا إلى روسيا. ولم تشر المذكرة إلى الآثار الكارثية الأخرى نتيجة الحرب التي تجاوزت عامها الأول، كما أن المحكمة غضت الطرف عن جرائم ارتكبتها روسيا في دول أخرى مثل سوريا والشيشان، لا تقل عنها في حالة أوكرانيا من حيث العدد، والنوعية، والآثار الراهنة، والمستقبلية. ورغم أن مذكرة المحكمة لا تملك سلطة لتقديم الرئيس الروسي إلى العدالة، ولا ردعه بأوكرانيا أو في غيرها، فإنها أثارت الجدل من جديد حول هذه المحكمة، والسياسات التي تعمل وفقها منذ تأسيسها على أساس «اتفاقية روما» عام 2002، حيث ركزت عملها، بطريقة تمييزية، على الجرائم ضد الإنسانية بإفريقيا، وهو ما عرضها لانتقادات من الاتحاد الإفريقي.

مقالات ذات صلة

لا تقتصر الانتقادات لأسلوب عمل المحكمة على الأفارقة، بل تمتد إلى مناطق أخرى. والأمثلة كثيرة في العراق، ليبيا، سوريا، وفلسطين. وهناك مطالبات ودعاوى قضائية لم تولها المحكمة اهتماما، وهي مرفوعة منذ عدة أعوام ضد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، لدورهما في غزو العراق عام 2003، بعدما تبين كذب الادعاءات الخاصة بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، والتي قامت على أساسها الحرب قبل 20 عاما، وأدت إلى تدمير الدولة العراقية، وتوليد مشكلات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة في المنطقة لا حصر لها. كما أن المحكمة تقاعست عن دورها ومسؤوليتها تجاه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهي جرائم لا تحتاج إلى لجان تحقيق دولية، وتتم يوميا على الهواء، يقوم بها المستوطنون وقوات الأمن والجيش الإسرائيلية، ومن ذلك الاقتحامات المتواصلة للمدن والمخيمات الفلسطينية والقيام بإعدامات لشباب فلسطينيين، من دون أن يحصل تحرك أو رد فعل من «الجنائية الدولية». والمرة الوحيدة التي تحركت فيها بخصوص اعتداءات إسرائيل، كانت بصدد الحرب على غزة 2014، وانتهى تقريرها إلى وضع إسرائيل وحركة حماس على المستوى نفسه من المسؤولية. ولا تعدم المحكمة الحجج للتهرب من مواجهة الحقائق، فهي تتذرع أحيانا بعدم عضوية الولايات المتحدة وإسرائيل وعدم توقيعهما «اتفاقية روما»، كي لا توجه مذكرات اتهام ضد بوش وبلير ونتنياهو، رغم أن الأدلة كثيرة على الجرائم.

فقدت قرارات دولية كثيرة قيمتها، بسبب التدخلات من الدول الكبرى، صاحبة النفوذ في المؤسسات الدولية. ومعروف أن القسم الأكبر منها يختص بالجرائم الإسرائيلية الموثقة منذ عام 1948. وتشكل التغطية المستمرة لإسرائيل انتقاصا من قيمة القانون الدولي ووزنه من جهة، ومن جهة ثانية، تفتح الباب من دول متنفذة لارتكاب جرائم متنوعة بحق شعوب دول أخرى. وتتحمل المسؤولية عن اختلال الموازين وتمييع القضايا الولايات المتحدة، والدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، الذي يبدو عاجزا أمام جرائم الدول الكبرى. وبالتالي، قرار الجنائية الدولية بحق بوتين لن يمنعه من مواصلة حربه التدميرية في أوكرانيا، بل سوف ينعكس لصالحه وسيسلح أنصاره وآلته الدعائية بحجج ديماغوجية إضافية، لتصويره أنه مستهدف من الغرب، وأن المحكمة أداة في أيدي واشنطن وحلفائها.

بشير البكر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى