شوف تشوف

الرأيالرئيسية

بوتين أم روسيا..

 

إميل أمين

 

قبل بضعة أيام تحدث رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، عن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب الروسية على بلاده، معتبرا أن مقتل بوتين هو الطريق الوحيد وربما الدرب السديد.

لا يختلف رأي بودانوف كثيرا عما اقترحه من قبل عضو مجلس الشيوخ النافذ السيناتور ليندسي غراهام، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي بايدن أخيرا، حتى وإن حاولت نخبته السياسية مداراة ومواراة المشهد.

على أن «نظرة عليا» للمشهد تستدعي التساؤل الجوهري التالي: هل المطلوب هو رأس بوتين الشخص، أم إلحاق الأذى الذي لا يصد ولا يرد بروسيا، العنقاء التي صحت من الرماد من جديد، خلال العقدين المنصرمين؟

الشاهد أنه لا يمر يوم في الإعلام الأمريكي إلا وتخرج علينا قراءات، تتساءل عن المشهد الروسي بعد غياب أو تغييب بوتين، وكأن هناك من يحاول أن يرسخ المشهد في أذهان الناس شرقا وغربا، أو من يتنبأ ذاتيا واستشرافيا، ضمن رؤية غربية باتت ممجوجة.

«الفورين بوليسي» ذائعة الصيت أفردت بدورها ملفا كاملا لهذا الطرح، وكأن روسيا جمهورية موز وليست دولة لها دستورها وبرلمانها، بل ونخبتها القادرة على إنجاب مائة بوتين وبوتين مرة أخرى.

الكثيرون في الإعلام الأمريكي والأوروبي يركزون، منذ بضعة أسابيع، على مشهد يظهر رعشة في يد الرئيس بوتين، وعندهم أنها دلالة ربما تشي بمرض خطير قد يكون ورما خبيثا في الغدة الدرقية.

ما تحاول المجلة الأمريكية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك، الجهة الأكثر وصولا وتواصلا بصناع السياسة والقرار الأمريكي الحقيقيين، هو تأكيد نهاية بوتين القريبة، سواء كان ذلك بالمرض، أو بشبح الإبعاد القسري، والترويج لفكرة أنها لحظة خطيرة، بل ربما مزلزلة للاستقرار العالمي، وأمن الكوكب الأزرق، سيما أن بوتين حاكم أوتوقراطي ركز السلطة في يديه، ولهذا فمن غير المتوقع التنبؤ بما ستؤول إليه الأحوال، في حال تواريه عن سدة حكم الكرملين.

لم تنفك الآلة الدعائية الإعلامية الأمريكية تحديدا تتحدث عن فكرة حدوث انقلاب داخلي ضد الرئيس بوتين، والبعض وضع سيناريوهات حول جهات بعينها يمكن أن تقود ولديها القدرة، ليس فقط الجيش، بل خدمة الحرس الفيدرالي، والحرس الوطني، وإن تناست تلك الأصوات أن التنسيق بين كل هذه الجوقة أمر غير ممكن عمليا، فيما الأقرب عقلا وعدلا، هو قيام رئيس الوزراء ميخائيل ميسوشيستين بإدارة شؤون البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، وذلك لحين انتخاب رئيس روسي جديد.

يعن لنا هنا أن نتساءل غير موفرين فكرة المؤامرة التاريخية الغربية جهة روسيا بالتحديد: هل هناك من يسعى إلى إحداث فوضى في الداخل الروسي؟ وإذا كان ذلك كذلك، ترى هل قدر هؤلاء أكلاف مثل هذا الحدث الرهيب، في دولة هي الثانية نوويا حول العالم؟

يدرك العقلاء والحكماء في داخل الإمبراطورية المنفلتة، أن جريان الأقدار بمثل هذا السيناريو المخيف، ربما يكون أكثر ضررا بالأمن العالمي، من لحظة تفكك الاتحاد السوفياتي نفسه، وفي النهاية تبقى جميعها أطماعا فكرية إمبريالية تقليدية، حكما لن تسمح بها جماعة السيلوفيكي، أي الدائرة المحيطة بالرئيس بوتين، والتي ولاؤها الحقيقي لروسيا السلافية ذات الأمجاد التاريخية، بأكثر من الولاء لشخص، وربما هذا هو البعد الذي يغيب عن أعين المحللين السياسيين الأمريكيين.

من هذا المنطلق تظل روسيا هي الهدف الاستراتيجي، وبوتين الهدف التكتيكي للاستراتيجية الأمريكية، وللناتو دفعة واحدة، وما «تحالف رامشتاين» لصاحبه لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، سوى البداية المؤكدة للنوايا الهادفة إلى الخلاص من صحوة الدب الروسي.

لقد أضحى واضحا أن تحالف «الأربعين»، إنما هدفه الأساس هو إطالة أمد الحرب الأوكرانية لتضحى مستنقعا لبوتين وروسيا معا، هناك حيث يفقد الجيش الروسي عدته وعتاده وخيرة جنوده وشبابه، وتتبخر أحلام المؤسسة العسكرية الروسية.

ما نقوله ليس تحليلات أو توقعات، بل تصريحات جاءت على لسان أوستن نفسه، فقد صرح الوزير برتبة جنرال لصحيفة «الوول ستريت جورنال» الأمريكية، نهار 25 أبريل المنصرم، خلال زيارته إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بالقول: «إن القدرات العسكرية الروسية يجب أن تتدهور، وإن أمريكا تريد إضعاف روسيا إلى الدرجة التي لا يمكنها إعادة بناء جيشها».

أوستن نفسه وقبل لقاء رامشتاين صرح بكلمات أكثر إثارة، إذ وعد بـ«تحريك السماء والأرض، لتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية»، في إشارة لا تخطئها العين إلى الهدف الأمريكي الأكبر، عبر سد الفجوة بين قوة الجيشين الروسي والأوكراني، من خلال توفير معدات عسكرية ثقيلة لكييف.

يتساءل المرء: كيف يقرأ الصينيون هذه التصريحات؟ وما هي تبعاتها على التحالف الروسي – الصيني القائم والقادم بقوة، بجوار الهند وعدد من دول العالم التي سئمت من الفوقية الإمبريالية الأمريكية؟

حكما لن يقبل الصينيون بهزيمة روسيا في ساحات الوغى الأوكرانية، لأن ذلك ببساطة يعني التفرغ لهم، وما زيارات الدبلوماسيين الأمريكيين الأخيرة إلى جزيرة تايوان، إلا مستصغر الشرر للحريق الأمريكي – الصيني الآتي سريعا، وربما لهذا صرح الجنرال مارك ميلي، رئيس أركان الجيش الأمريكي، بأن بلاده تواجه روسيا والصين معا.

 

نافذة:

الشاهد أنه لا يمر يوم في الإعلام الأمريكي إلا وتخرج علينا قراءات تتساءل عن المشهد الروسي بعد غياب أو تغييب بوتين وكأن هناك من يحاول أن يرسخ المشهد في أذهان الناس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى