بوتفليقة يستنفر الجيش والأمن والجمارك لإحياء المعرض الدولي للكتاب
إعداد : حسن البصري
أول رهان خاضه محيي الدين عميمور بعد تعيينه وزيرا للثقافة والاتصال، هو بعث المعرض الدولي للكتاب بعد أن دخل إغماءة طويلة جعلت الجزائريين ينسون الموعد الفكري ويلغونه من مفكرتهم.
لكن انبعاث المعرض من جديد لا يمنح للوزارة حق الإشراف المباشر على كل كبيرة وصغيرة. يتذكر عميمور تلك الفترة الحرجة في علاقته بالناشرين ويقول: «كان دور وزارة الاتصال والثقافة هذه المرة هو المتابعة عن بعد، وبدون التدخل المباشر في عملية التسيير والتنظيم، وهو ما عهد به إلى اتحاد الناشرين، الذي لا أشك في رصيده من النوايا الطيبة، ولكن هذه لم تكن تكفي وحدها لتحقيق الأهداف المرجوة».
لكن في غياب دعم الحكومة لاتحاد الناشرين فقد كانت نسبة نجاح المعرض نسبية، رغم أن الوزارة هي جزء من الدولة: «الدولة لم تقدم مساعدة للاتحاد هذا فيه ظلم كبير يسيء للجميع، فقد وضع عدد من مؤسسات الدولة الإمكانيات الضرورية الممكنة تحت تصرف الاتحاد. وساهم في التمويل والإعداد للمعرض من المصالح التابعة للوزارة أو الموجودة تحت وصايتها، وكل في مجال اختصاصه وبالأسلوب الذي طلب منه، الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومؤسسة التلفزة، والإذاعة، والوكالة الوطنية للنشر والإشهار، إلى جانب بنك الفلاحة والتنمية الريفية، والخطوط الجوية.. وغيرها».
اعترف الوزير بأن المعرض لم يحقق كل الطموحات التي كانت معلقة عليه، رغم أن الكثيرين يتفقون على أنه حقق نجاحا تجاوز كل التوقعات. «أتفق مع من يرى أن السلبيات كانت كثيرة، وواجبنا أن نقف وقفة تقييمية للأمر كله، ليكون عبرة لنا في المعارض القادمة». يقول الوزير في رده على تساؤلات نائب برلماني خلال تقييم المعرض في المؤسسة التشريعية.
يسرد الوزير في مجلس الشعب أجواء المعرض زيقول: «بدأ العمل لإنجاز المعرض قبل شهور من تعييني على رأس القطاع، والتزمت بعدم التدخل تماما في شؤونه. لكنني رأيت، قبل الافتتاح، أن أطلع على الاستعدادات النهائية، خاصة بعد أن تلقيت شكاوى من مسؤولي الوزارة المكلفين بالمتابعة تقول بأن هناك توترا كبيرا في أجواء المعرض، وبأن هناك من قيادة اتحاد الناشرين من يرفض التنسيق مع إطارات الوزارة ويتعامل معهم بنوع من التعالي، مستعملا أسماء شخصيات سامية في الدولة، وسمعت نفس الشيء من مسؤولي المعرض جعلني هذا أشعر بقلق كبير، فقررت القيام بزيارة ميدانية لموقع المعرض قبل الافتتاح بيومين، وهناك فوجئت بأن نسبة الإنجاز لم تكن تتجاوز ثلاثين في المائة، وبأن حاويات كثيرة كانت لا تزال قابعة في الميناء منذ نحو شهر، وبأن هناك سوء تفاهم بين الهيأة المكلفة بالتنظيم ومعظم المتعاملين معها، سواء هيأة المعرض أو المصالح المكلفة بالجمارك أو الأمن أو غيرها، وبأن هناك جوا من القلق يسود أوساط العارضين، وبأن هناك وعودا كثيرة أعطيت، كانت كشيكات بدون رصيد.
وعلى الفور اتصلت بالسيد علي بن فليس رئيس الحكومة لأبلغه بالوضعية المقلقة، ولأقول له، بكل صراحة، أنني أفكر جديا في تأجيل إقامة المعرض أو على أحسن الفروض، تخفيض مستوى الافتتاح، بحيث لا يقوم به رئيس الجمهورية شخصيا، لكن بعض الرفاق قالوا لي بأن هذا سيكون بالنسبة لي انتحارا سياسيا، وقلت بأنني أقبل ذلك ولكنني أرفض أن تهتز صورة الجزائر، التي كانت من رواد معارض الكتاب».
كلف رئيس الحكومة وزيره بمتابعة الأمر شخصيا، معبرا عن ثقته الكاملة في أن النجاح سيكون حليف كل الجهود المخلصة، وهكذا انطلق عمل محموم في الساعات الأخيرة لتدارك الموقف.
انخرط البوليس في حالة الاستنفار، خاصة المديرية العامة للأمن الوطني التي نقلت فرع المراقبة على الحدود، وعلى غير المألوف، إلى مقر المعرض نفسه، لتسهيل عمل رجال الجمارك، الذين قدموا العديد من التسهيلات التي سمحت بإدخال محتويات الحاويات مباشرة إلى موقع المعرض، وأحيانا بتفتيش رمزي.
«أقدم الشكر لرئيس الجمهورية، الذي سمح بتأخير افتتاح المعرض لمدة ساعتين ونصف، وهو تأخير أتحمل شخصيا مسؤوليته، وأعتذر عنه للمدعوين، وزراء وبرلمانيين ورؤساء للبعثات الدبلوماسية، ولعل عذري الوحيد هو حرصي المبالغ فيه على إنجاح أول معرض كتاب تحتضنه الجزائر بعد غياب دام أربعة عشرة سنة».
اعترف الوزير بأن عملية الرقابة المألوفة في كل البلدان لم تتم في الجزائر بالدقة المطلوبة، لأننا كنا في صراع مع الزمن، وهكذا فمن الممكن تماما، وفي فورة الحماس الكبير لإقامة المعرض في اليوم المحدد له، «أن تكون بعض الكتب قد تسربت إلى المعرض، سواء تلك التي لم تكن موجودة على القوائم المتفق عليها، كما يحدث في كل دول العالم، أو تلك التي كانت وزارة الشؤون الدينية قد تحفظت على محتواها».
يؤكد الوزير في تقييمه للمعرض بأنه حقق ما عجز عن تحقيقه السياسي والديبلوماسي «لأنه مكن الجزائر من الخروج من عزلتها التي دامت عشر سنوات»، مضيفا «من لم يزر معرض الكتاب الدولي لا يستطيع أن يدرك مدى حب الجزائري للكتاب، أما من قرأ الصحافة الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية وزار المعرض فسيكون حكمه قاسيا، لأنه يكتشف أن الصحافة ضد القراء، ومهما كانت اتجاهاتهم وأفكارهم، لأنها صحافة تعنى بالمنظر وتصدر أحكاما مسبقة. والإقبال على الكتاب الإسلامي شكل زحمة وسط المعرض ولعل هذا ما جعل بعض الصحف تعتبر المعرض خطرا على ما أسمته بالمشروع الديمقراطي اللائكي»، لقد شعروا بوجود واقع آخر، هو اهتمام أصحاب اللحى والكندورة بالقراءة».
يعترف الوزير بالمد الفرنسي إلى حد الاستلاب ويؤكد بأن الجزائر سقطت في فخ صور لها اللغة الفرنسية كغنيمة حرب، بل يصف الإقبال على الفرنسية بالتسونامي، «نتيجة للتراخي المعيب لمن يعنيهم الأمر أو يجب أن يعنيهم الأمر، استطاع التسونامي الفرنسي التهام معظم المجالات، خصوصا مجالات الإعلام والثقافة، وأصاب المحيط الاجتماعي والاقتصادي ومعالم العمران ومجالات البيئة بأسوأ مظاهر الاستلاب».
لم يتم الحسم في التعامل مع قضية اللغة، وهذا واحد من أهم الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية المؤسفة، يقول عميمور، مما جعل الثقافة مقصورة على المهرجانات الغنائية والاحتفالات الراقصة.
«أما بالنسبة لي شخصيا فلا أعتقد أن مروري العابر على وزارة الثقافة قد ترك أثرا مميزا يمكن أن أعتز به، ربما باستثناء إقامة المعرض الدولي للكتاب بعد توقف دام نحو 16 سنة، واستصدار القرار الحكومي بإلغاء الضرائب على الكتب المستوردة في إطار المعرض، ثم إقامة ندوة الأمير عبد القادر بالتعاون مع مؤسسة البابطين، وعقد المؤتمر العربي للموسيقى الذي انتخب فيه جزائري لنيابة الرئاسة، واستصدار قرار الجامعة العربية بجعل الجزائر عاصمة للثقافة العربية في عام 2007».