بوتفليقة وجنرالات الجزائر 2.1
صبحي حديدي
تقول النكتة إن أحد أطباء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة فارق الحياة، بعد صراع طويل مع أمراض الرئيس! احترام المرض، بوصفه ظاهرة طبيعية تصيب الآدمي فتُقعده إلى كرسي نقال، أو تعطل وظائف جسمه الحيوية أو تشل ملكاته العقلية، لا يُبطل المغزى السياسي والأخلاقي الذي تثيره النكتة؛ عن حاكم يتربع على رأس السلطة منذ 20 سنة، ويعتزم اليوم الترشح لولاية خامسة، في انتخابات 18 أبريل المقبل. الأدق، بالطبع، هو القول بأنه لم يعلن هذا الترشيح الخامس بنفسه، لأسباب شتى بينها أغلب الظن أنه لم يعد قادرا على النطق السليم؛ بل أعلنت ترشيحه أحزاب التحالف الرئاسي: جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية.
صحيفة «الوطن» الجزائرية، التي تصدر بالفرنسية، كتبت تخاطب المواطن الجزائري هكذا: «تخال نفسك في سنة 2019، ونقول لك كلا. إنما أنت لا تزال في سنة… 2014»؛ لأن الزمن، عند «البطانة الرئاسية»، لا يزال متوقفا عند الدورة الرابعة للانتخابات الرئاسية! فمن الواضح، تتابع الصحيفة، أن مظاهر الجمود والتلفيق والعنف الاستبدادي تظل هي ذاتها خصائص السلطة الراهنة، رغم كل الضغوط الأخلاقية والسياسية والاقتصادية التي مورست من أجل الانفتاح على حقائق الجزائر في العالم المعاصر. وهكذا، لا حرج على الجزائري، الذي يصغي اليوم إلى أسباب التحالف الرئاسي في إعادة ترشيح بوتفليقة، إذا تراءى له أنه إنما يصغي إلى الأسباب ذاتها التي سيقت في امتداح «المجاهد» بوتفليقة سنة 2014: «تقديرا لحكمة وسداد خياراته وتثمينا للإنجازات الهامة التي حققتها الجزائر تحت قيادته».
لا جديد على مستوى الطرافة، أيضا، إذ بلغ عدد المتنطحين للمنصب 172 مرشحا، أغلبهم دمى في أيدي الأجهزة الأمنية لإسباغ مقدار أدنى من روح المسرح على الانتخابات؛ والقليل منهم يتزعمون أحزابا وحركات سياسية، لا تخفى مساهماتهم الحميدة في تصنيع الدراما ذاتها؛ وثمة مَنْ سبق له أن ترأس الحكومة، أو حتى نافس بوتفليقة إلى آخر الشوط؛ ولا يعدم المشهد جنرالات متقاعدين، وضباط أمن أفلت نجومهم… وفي قلب الكواليس، ثمة شقيق الرئيس الذي يدير الكثير من الخيوط، ولا يحتاج المرء إلى كبير اتفاق مع الصحافي الجزائري الإشكالي محمد سيفاوي لكي يصادق على توصيفه التالي: «سعيد بوتفليقة في الجزائر هو ما كانت عليه ليلى طرابلسي في تونس»!
الأرجح، في المقابل، أن المرء يخطئ إذا ساجل بأن بوتفليقة لا يحكم في الجزائر، ليس خلال الدورات الثلاث الأولى وحدها، بل كذلك على امتداد السنوات الخمس الماضية؛ التي صرف معظمها مقعدا، صامتا، نزيل المشافي العسكرية الفرنسية، مستبدلا شخصه الفيزيائي بصورة فوتوغرافية. لقد حكم بالفعل، ويواصل الحكم اليوم، ولعله سوف يواصله خلال الولاية الخامسة، بعيدا عن أي لغز أو سر أو خفاء خارج المبدأ الأول والأخير: أنه رأس البطانة الحاكمة والواجهة لها، في آن معا؛ ومصدر توافقها وتصالحها وتفاهماتها، في السراء كما الضراء؛ والقيّم على الفساد، والمافيات، واقتسام ثروات البلاد؛ وأخيرا، ولس آخرا البتة: الخيار الأفضل للقوى الخارجية، الجبارة، ذات الصلة بالجزائر وصاحبة المصلحة في الحفاظ على «استقرار» النظام.
هل في وسع رجل مريض، قعيد الفراش والكرسي النقال أن يتولى كل هذا؟ نعم، غني عن القول، ما دامت معادلة حضوره في هذه العناصر كافة لا تتطلب إلا احتلال مقدمة المسرح، الذي في كواليسه يتوافق أعضاء البطانة؛ بل حدث أحيانا أنهم إلى الواجهة احتكموا، ومن خلاله صدروا الانطباعات للجزائريين بإسقاط هذا الرأس أو الإطاحة بذاك، طبقا لقرارات الرئيس القعيد إياه.