بوتفليقة أهدى مسدسه الشخصي لكارلوس والأخير يؤكد أنه التقى الدليمي أثناء التخطيط لاغتيال الملك الحسن الثاني
عندما أذيع الشريط الأرشيفي الذي ظهر فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مع «كارلوس» وهو يستقبله بحفاوة في المطار، كان الرأي العام الفرنسي قد صدق بالفعل أن «بوتفليقة» كان إرهابيا ما دام احتضن هاربا من العدالة الفرنسية لأنه تسبب في مقتل عشرات الأبرياء ورجال أمن فرنسيين كانوا يسهرون على أمن الفرنسيين، وقام بتصفيتهم على طريقة العصابات والقتلة المأجورين.
نشر الفيديو سنة 2017، وكان وقتها عبد العزيز بوتفليقة يجلس على كرسي بعجلات، لا يستطيع الكلام. وحتى إن استطاع الكلام، فلا بد أنه سيفقد الكلمات لكي يدافع عن نفسه. فحتى «كارلوس» الذي ظهر معه في المقطع وهو يدخل الجزائر دخول الفاتحين خلال منتصف السبعينيات، كان هو الآخر غارقا في زنزانته الرطبة في باريس، والتي حل بها منذ الحكم عليه بالمؤبد سنة 1997.
مسدس بوتفليقة
لأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد كان كارلوس أول ما تحدث إلى الصحافة عن علاقاته بالزعماء العرب، اعترف مباشرة بأنه تلقى مسدسا من عبد العزيز بوتفليقة عندما زاره في الجزائر وهو وزير خارجية وقتها عندما كان الهواري بومدين رئيسا للجمهورية، اتضح لاحقا لـ«كارلوس» أن المسدس الذي أهداه له عبد العزيز كان في الحقيقة مسدسه الشخصي الذي لم يكن يفارقه منذ فترة قيادة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
كان المسدس رمزيا ويعني الشيء الكثير لعبد العزيز بوتفليقة، وعندما أهداه لكارلوس قال له ما معناه إنه كان ينظر إليه شريكا في حرب التحرير عبر العالم.
لقد أحرج كارلوس النظام الجزائري كثيرا عندما تحدث عن قصة المسدس. ففي الوقت الذي كان فيه بعض «أبواق» النظام الجزائري في باريس، يحاولون تبرير ظهور بوتفليقة مع «كارلوس» أيام كان مبحوثا عنه باعتباره مجرما خطيرا وقاتلا مأجورا، ويقولون إن بوتفليقة التقاه بأمر من الرئيس الأسبق الهواري بومدين. وأن الرئاسة في ذلك التاريخ استقبلته باعتباره صديقا سابقا لبومدين على اعتبار ماضيه الكبير في مجال محاربة الاستعمار والكفاح من أجل تحرير الشعوب المستضعفة ودعمه للقضية الفلسطينية.
لكن هذه «الأسطوانة» لم تكن في الحقيقة لتجد صدى لدى المتابعين الذين عادوا إلى مهاجمة عبد العزيز بوتفليقة بصورة أكبر عبر وسائل الإعلام، حتى أن بعض المتطرفين الفرنسيين دعوا إلى محاكمة بوتفليقة ومتابعته لأن الفترة التي التقى فيها «كارلوس»، حيث عرضت عليه الدولة الجزائرية جوازا جزائريا لجعله يتنقل بحرية أكبر بهوية جديدة، كان مبحوثا عنه في فرنسا بهويته الفنزويلية.
الصندوق الأسود
كان كارلوس فعلا صندوقا شديد السواد والقتامة. فقد كانت علاقته بالهواري بومدين سرية، في ذلك الوقت على الأقل، كما كان صديقا أيضا لقادة أنظمة عربية آخرين. وتنقل بفضل هذه الصداقات بين الجزائر ودمشق، ووصل إلى العراق أيضا في إطار البحث عن تمويل لجبهة التحرير الفلسطينية.
وحده أنور السادات لم يكن صديقا لكارلوس، فقد كان هذا الأخير يرى فيه خائنا عندما جلس في كامب ديفيد لكي يوقع اتفاقية السلام.
كانت مثل هذه الاتفاقيات تعني نقص التمويل لـ»كارلوس» الذي استغل إيمان السوريين به وكافة القوميين العرب، وطلب أموالا تدفقت إليه بسخاء، لكي يدرب المقاتلين على حمل السلاح واغتيال الشخصيات المرموقة سياسيين كانوا أو عسكريين. وكانت هذه التداريب تتطلب مصاريف كثيرة وتنقلات لوجيستيكية كثيرة.
في عز انهماك «كارلوس» في هذه العمليات وتنقله بين العواصم العربية الداعمة له، في الوقت الذي تبحث عنه فرنسا لكي تحاكمه، طلب منه الهواري بومدين أن يخصص بعض الوقت لكي يخطط لاغتيال الملك الحسن الثاني، في سياق لا يمت للقضية الفلسطينية بصلة، وإنما لقضية الصحراء المغربية.
بعد المسيرة الخضراء كان الهواري بومدين يحس بأن كرامته قد مُرغت في التراب، وأراد أن ينتقم، ولم يجد أبرع من «كارلوس» قاتلا مأجورا، لكي ينفذ العملية في الرباط سنة 1978. وكان عبد العزيز بوتفليقة، بالإضافة إلى شخصيات أخرى من الأمن والمخابرات الجزائريين، قد دخلوا على الخط لمساعدته في التنفيذ.
المثير في الموضوع أن «كارلوس» اعترف سنة 2014، بأنه، في إطار هذه العملية، التقى بالجنرال المغربي أحمد الدليمي، بتوصية من الهواري بومدين، في فرنسا وفي عواصم أخرى، للترتيب للعملية!