شوف تشوف

اقتصادالرئيسيةتقاريرخاص

بوادر أزمة خانقة تهدد سوق العقار

الفاعلون العقاريون يترقبون تفعيل الدعم المباشر للسكن لإنعاش المبيعات

تختلف التكهنات حول توقعات الانتعاش الاقتصادي بالمغرب وتطور معدلات التضخم، ويثير وقع هذا الأخير على سوق العقارات مخاوف متزايدة في صفوف فاعلي القطاع. ويحمل السياق التضخمي العالمي في طياته أثرا ضخما على العقار، حيث يعتبر سوقا معرضة لتقلبات أسعار الطاقة وتكاليف البناء.

مقالات ذات صلة

 

لمياء جباري

 

أدت التحديات التي تصاحب سوق العقار، من بين أمور أخرى، إلى اضطرابات على مستوى سلاسل توريد مواد البناء وتأخر المشاريع وارتفاع تكاليف البناء. وصاحبها في ذلك ارتفاع الأسعار غير المتوقع، سيما أسعار الطاقة، وتنامي الضغوط التضخمية، مما أعاق القدرة المالية وحال دون استكمال مشاريع عقارية.

في هذه السوق، يجد المستثمرون الذين يعانون من ارتفاع أسعار الفائدة أنفسهم مجبرين على خفض المحافظ العقارية بما يتماشى مع حقوق الملكية ورأسمال المقترض، وذلك في ظل السياق الحالي الذي يتسم بارتفاع معدل الفائدة والأسعار، مما يفضي إلى انخفاض عدد الصفقات والمعاملات. وفي خضم هذه الأسئلة اللامتناهية حول توقعات سنة 2023، تعتبر هذه التحديات عاملا رئيسيا في تطور أسعار السكن وعدد المبيعات.

 

تراجع بنسبة 4.8 في المائة

سجل قطاع العقار تراجعا في عدد عمليات البيع برسم العام الماضي بنحو 4,8 في المائة، وسط ترقب مستمر للدعم الذي تعتزم الدولة منحه للأسر لاقتناء السكن الرئيسي عوض الإعفاءات الضريبية لفائدة المنعشين العقاريين. حسب معطيات صادرة عن بنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، تراجعت معاملات العقارات السكنية بنحو 5,5 في المائة، والأراضي الحضرية بنحو 1,3 في المائة، والعقارات الموجهة للاستخدام المهني بـ6,1 في المائة. على مستوى الأسعار، استقرت أسعار الأصول العقارية على أساس سنوي، حيث سجلت تراجعا طفيفا بنحو 0,3 في المائة، بعدما ارتفعت أسعار الأراضي الحضرية بـ1,2 في المائة، و0,5 في المائة للعقارات الموجهة للاستخدام المهني، فيما تراجعت العقارات السكنية بـ0,1 في المائة.

هذه الأرقام تؤشر على الترقب الذي يطبع قطاع العقار في المغرب منذ الفترة التي تفشى فيها فيروس «كورونا» وزاد خلال السنة الماضية مع إعلان الحكومة عن توجهها لتخصيص دعم مالي مباشر للأسر لاقتناء السكن عوض منح التحفيزات الضريبية للمنعشين العقاريين؛ لكن لم تطبق، إلى حد الساعة، أي إجراءات في هذا الصدد. حسب المعطيات الرسمية، بلغت الإعفاءات الضريبية التي خصصتها الحكومة عام 2021 للقطاع العقاري 6.5 مليارات درهم، وتسمى هذه الإعفاءات بالنفقات الجبائية؛ وهي آلية توظفها الدولة من أجل تخفيف العبء الضريبي على بعض الفئات أو الأنشطة الاقتصادية، وتتخذ أشكالا تتنوع بين تخفيض معدلات الضرائب والإعفاء التام.

 

الدعم المباشر.. المشاورات الأخيرة

يرتقب صدور مشروع مرسوم يُحدد كيفية الاستفادة من الدعم المباشر للسكن الذي اقترحته الحكومة، والمحدد في 300 ألف درهم بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، و600 ألف درهم للطبقة المتوسطة. وأكد مصدر من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة أن مشروع المرسوم يوجد حاليا في مرحلة المشاورات الأخيرة، وقريبا سيتم إصداره. وأشار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، الخميس 2 مارس، في الندوة الصحفية التي أعقبت مجلس الحكومة، أن مشروع المرسوم «يجب أن يخضع لدراسة مدققة»، مشددا على أنه كي يعطي المرسوم أجوبة حقيقية، يجب أن ينجز في إطار سليم. وكما جاء في قانون مالية 2023، ستعد الوزارتان المعنيتان مشروع مرسوم يوضح شروط تقديم هذا الدعم للراغبين في اقتناء السكن لأول مرة، وكذا شروط الحصول عليه والمعنيين به.

بعد شهرين من بداية السنة الجارية وتفعيل قانون المالية، مازال المنعشون والمواطنون يترقبون الكشف عن تفاصيل الدعم. توفيق كميل، رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، أكد أن مسألة الدعم قرار حكومي وجب وضع كل الترتيبات قبل تنزيله، مضيفا أن الحكومة أخذت الوقت الكافي وتشتغل لإخراج النص التنظيمي، والمنعشون العقاريون ينتظرون صيغته النهائية لإبداء ملاحظاتهم بشأنه، نظرا لكونهم «يمارسون في الميدان ويعرفون حاجيات المواطنين». وقال كميل، لمصدر إعلامي، إن الأسر تنتظر من المشروع الكثير، وأن اجتماعات ماراطونية عُقدت في هذا الشأن، وقد أخذت فيها وزيرة الاقتصاد والمالية كل الملاحظات التي طرحها المنعشون العقاريون.  ويرى أن القرار لا يقتصر فقط على وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بل على الحكومة كلها. تقوم مقاربة الحكومة على إحداث هذا الدعم المباشر بدل الاعتماد على النفقات والإعفاءات الضريبية وتوفير الوعاء العقاري، والتي يصعب تقييم أثرها الاقتصادي والاجتماعي، كما تؤكد وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح علوي. ويقترح مشروع قانون المالية، من أجل تفعيل هذا التدبير تغيير الحساب المرصد لأمور خصوصية المسمى «صندوق التضامن للسكنى والاندماج الحضري»، حيث ينتظر أن يحمل اسم «صندوق التضامن لدعم السكن للسكنى والاندماج الحضري». وسيخصص لهذا الصندوق الذي يدرج ضمن الحسابات الخصوصية للخزينة موارد تصل إلى ملياري درهم برسم العام المقبل.

 

تحديات ضخمة.. وسبل التخفيف

من الجلي أن ارتفاع معدلات الأسعار يهدد باحتمال وقوع كساد النشاط الاقتصادي لعدة قطاعات حيوية، ولا تستثنى من ذلك سوق العقارات. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يعتبر احتمال حدوث ركود فعلي في هذا السوق احتمالا واردا؟ كشف مركز الأبحاث «سي دي جي كابيتال إنسايت»، التابع لصندوق الإيداع والتدبير، في مذكرة تحليلية حول توقعات سوق الأسهم، أنه «من المرجح أن يستمر مهنيو العقارات في الشعور بآثار ارتفاع الأسعار»، خاصة بعد سنة 2021 التي اتسمت بحصيلة إيجابية عموما، مدفوعة بفترة التعافي من تداعيات الجائحة وبالحوافز الضريبية. وتشير المذكرة إلى أن «الحرب في أوكرانيا وارتفاع مستويات التضخم، جنبا إلى جنب مع رفع أسعار الفائدة والتباطؤ الاقتصادي، أدت جميعها إلى خلق تحديات ضخمة أمام قطاع العقار بالمغرب»، مضيفة أن القطاع يواجه أيضا الإشكاليات المتمثلة في اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف البناء والتمويل. ويرى محللو مركز الأبحاث أن هذه الرياح المعاكسة ستعصف بصناعة العقارات، مما يحيل على تباطؤ معدل النمو خلال سنة 2023. والجدير بالذكر أن أحد العوامل التي تثير قلق الأسر التي اعتمدت وسيلة الرهن العقاري للحصول على عقارات هو احتمالية أن يؤدي السياق التضخمي إلى رفع أسعار الفائدة.
وأوردت مذكرة مركز الأبحاث في هذا الصدد، أن من شأن هذه الضغوط المطبقة على دخل الأسر جراء التضخم وفي ظل عدم وجود أي زيادات في الأجور، إلى جانب سياق ارتفاع أسعار الفائدة، أن يقيد في نهاية المطاف المعاملات العقارية. ويتسم السياق الحالي، أيضا، باضطرابات سلسلة التوريد، مما يؤدي إلى نقص السلع الأساسية. وأفاد المصدر ذاته بأن انتكاسة صعوبات التموين، سيما صعوبات التموين بالمنتجات شبه النهائية والتي تواجهها الصناعات المغربية، يمكن أن تشكل فرصة حقيقية أمام القطاع العقاري. وأوضح أنه «في سبيل تخفيف الضغوط اللوجستية، يمكن أن تلجأ الصناعة المغربية إلى الاستثمار في المستودعات لتخزين المدخلات بهدف تقليل التعرض لتقلبات أسعار المواد الخام في السوق، فضلا عن اعتماد تدابير وقائية متعلقة بسلاسل التوريد من أجل مواجهة النقص وارتفاع التكاليف اللوجستية. فالمنظومة العقارية، التي تعتمد بشكل كبير على السلع المستوردة، معرضة لعواقب اضطرابات سلسلة التوريد، وقد يستغرق التخلص من الأثر التراكمي لهذه الاضطرابات وقتا طويلا».  وأكدت مذكرة مركز أبحاث «سي دي جي» على أنه عقب التوقعات التي ألقت بظلالها القاتمة على الآفاق الاقتصادية كما يتضح من خلال انخفاض أوراش بناء الوحدات بنسبة 13,6 في المائة خلال النصف الأول من سنة 2022 مقارنة بالنصف الأول من سنة 2021، ستشهد سنة 2023 نهاية الإقبال غير المسبوق الذي ميز سنة 2021، من تأجيل مبيعات سنة 2020 (سنة الحجر الصحي) إلى غاية سنة 2021، مرورا بتمديد الإعفاء الضريبي وخفض رسوم التسجيل المتعلقة بشراء العقارات، وصولا إلى جاذبية معدلات العقارات. ورغم ذلك، يعتقد محللو المركز أن رفع الميزانية الاستثمارية من شأنه أن يعوض جزئيا ضعف الطلب الملحوظ في قطاع العقارات، مشيرين إلى أنه من المرتقب أن يمثل قطاع البنية التحتية المحرك الرئيسي لنمو البناء في سنة 2023، مدفوعا بتوجيهات قانون المالية التي تستند إلى عدة محاور، منها إنعاش الاقتصاد من خلال دعم الاستثمار، عبر رفع الميزانية الاستثمارية بنسبة 22,4 في المائة، وهو ما يعادل مبلغ 300 مليار درهم، المنصوص عليه في مشروع قانون المالية. ويتمثل الخبر السار، على الرغم من السياق التضخمي الذي يؤثر على قيمة الأصول المالية، في أن الاستثمارات العقارية، ولا سيما العقارات المدرة للدخل، تتمتع بخصوصية أدائها الجيد في بيئة تتسم بارتفاع المعدلات، ولا يتعين الآن سوى التحقق من قدرة العقارات على مقاومة الضغوط التضخمية لطمأنة المستثمرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى