شوف تشوف

الرأيالرئيسية

بنية القرآن الكريم

يتكون القرآن من ثلاثين جزءا في 114 سورة، منها 82 سورة مكية و20 سورة مدنية، فيصبح الرقم 102، وهناك مزيج بين مكية ومدنية في ما تبقى من الرقم، أي 12 سورة اختلف فيها فيكتمل نصاب السور 114 سورة. أما الآيات فعددها في حدود 6200 مع بعض الاختلاف يزيد وينقص، ومساحة الكلمات 77439 كلمة، ويصعد رقم الحروف إلى 320 ألف حرف.

هذا ما كان من (الجسم التشريحي) للقرآن، كما ندرس نحن جسم الإنسان، فنرى أن أطول آية جاءت في التداين، وآية الكرسي في تسبيحة خاصة، بعدها تأتي آية عدم الإكراه في الدين. وتظهر وحدة الرسالات مؤكدة عبر أول سورة «البقرة» وآخرها، فلا نفرق بينها.

هذه الآيات في حدود 604 من الصفحات نزلت ليست دفعة واحدة كما طلب ذلك أعداؤه في البداية، قبل أن يسحروا به، والسر في هذا أن القرآن نزل في زمن اقترب من ربع قرن، حيث بقي رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم في مكة يجاهد فيها، وانتهت البعثة مع عشر سنوات في المدينة الجديدة التي هاجر إليها، وتبدل اسمها من يثرب إلى المدينة المنورة، كما يعرفها اليوم جميع مسلمي الأرض.

من المهم جدا فهم (الحركية) في القرآن والتزامن مع الأحداث، لذا قد تختلط الكثير من المفاهيم على الناس حين لا ينتبهوا إلى هذا الجدل التاريخي، وتوزع مفاهيم معينة في عشرات السور كما في القتال والجهاد. ومنه جاء جواب القرآن عن السؤال، لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة بجواب كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا؛ فهو تنزل على مكث يصنع الأمة الجديدة التي ننتسب إليها اليوم. ولذا سوف أنحو منحى خاصا في الطواف الراداري، لضم المجموعات المتناثرات في نسق متصل.

نصيحتي لمن يريد أن يشتغل على القرآن كما حصل معي، حين عكفت عليه ثماني سنوات ولم يكن في نيتي أن أتمم حفظه، أن يعنى بشكل خاص بالقرآن المكي ومواعظه الأخلاقية، أخص منه بالذكر الجزأين 27 و29 وأخيرا الجزء 30، وقفزت فوق الجزء 28، لأنه مدني في غالبيته. والأجزاء التي ذكرت لها جرس موسيقي ساحر، وقطب ذكر هذا أيضا عن واقعة حدثت له، وهو على ظهر سفينة العودة إلى الوطن وامرأة أجنبية سمعت سورة «النجم» فسحرت، بل إنني رأيت المسحورين في سورة «النازعات» والشيخ «رعد الكردي» يقرأها، أنا شخصيا بكيت فيها مرات ومرات. كل سورة لها ذكرى في قلبي، وسوف أحاول أن أمشي في التفسير المزمع تحت مسميات استفدت فيها من أستاذي «جودت سعيد»، بعنوان أجنة قرآنية وآيات مفتاحية، مثل: «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»، والملائكة لا ترى في الكائن الجديد أكثر من مفسد في الأرض وسافك للدم الحرام. فيكون الجواب في كلمات «إني أعلم ما لا تعلمون» في هذا الكائن. طبعا نشير إلى سخف رجل مغربي يحمل اسم نبيين، وهو أبعد عنهما من المشرقين، حين قلب الكلمة من خليفة إلى خليقة، فضاع المعنى كله. إذ لو كان مجرد خليقة بدون تميز يذكر، ما طلب من الملائكة السجود له ولا تساءلت الملائكة عن خليفة يسفك الدم. وهنا طبعا تتراوح التفسيرات الأنثروبولوجية عن سابق لآدم في الخلق، مارس القتل. ثم معنى حضور كائن غير الملائكة يعترض على الأمر فلا يسجد، بل يستكبر في انطلاقات فلسفية عن معنى وجود الشر في العالم بواسطة إبليس وذريته، وهي ما أعيت فهم هذا الكائن الذي وصفه القرآن بأنه جدل محير: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. أكتب هذه الكلمات من وحي رمضان والحرب الأوكرانية أخذت إلى المقابر خلقا كثيرا ومن الشباب، كل ذلك بحماقة رجل اسمه بوتين. بدأ الحرب قبل عام وها قد دخلت الحرب عامها الثاني، وقد تستغرق عشر سنوات؛ فالقانون الأول في علم الحرب يقول تستطيع إشعال فتيل الحرب، ولكن نهايتها وخاتمتها ليست بيد من يبدأ هذا الشر. أذكر في هذا سلسلة من الحروب بدأت هكذا وانتهت بخواتيم، تمنى من بدأها أن لا يكون قد بدأها. ذكرياتي من السور منوعة وأذكر أين حفظتها تماما، مثلا سورة «المؤمنون» حفظتها في قبو المخابرات العسكرية في مدينتي القامشلي، وأنا أتأهب لأخطر امتحان في حياتي، نيل شهادة البكالوريا استعدادا لدخول كلية الطب.

سورة «الأنعام» حفظتها على الساحل السوري قريبا من الحدود التركية، أما سورة «يونس» فقد حفظتها في ملحق بناية زميل فاضل لي اسمه حسان جلمبو، تخرج مهندسا وتم اعتقاله لاحقا، وضُرِبَ حتى الموت في سجن تدمر الرهيب الذي حصد أرواح عشرات الآلاف من خيرة الشباب السوريين، قبل أن تبدأ البراميل في سبعين ألفا تدك المدن السورية على يد النظام السوري، فمات مليون وهرب أضعاف العدد في القارات السبع.

أما سورة «القمر» فلا أنسى موسيقاها العسكرية، وسورة «مريم» فكانت السورة الأولى وبتشجيع من والدتي رحمها الله. أما آخر سورة «المؤمنون» فكانت نغما شجيا أتمتع به وأنا أصلي خلف الإمام في مدينتي، وفي مسجد «المرابط» في دمشق كانت التلاوة تأخذني في تحليق روحي مع قراءة الإمام وأتذكر من جامع «الدلامية» والإمام الحافظ المتقن وهو يدور مع الآيات. وتبقى سورة «الملك» عزيزة على قلبي، حيث كان الإمام يقرأها كل ليلة بعد صلاة العشاء، وأنا أحلق مع الإمام والدموع تملأ وجهي من التأثر، فأقول كما قال القرآن: «ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا».

 

خالص جلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى