بقلم: خالص جلبي
أكثر ما كان يقلق الفيلسوف الفرنسي «ريني ديكارت» محاولة العثور على منهج يقيني يفسر به كل شيء بدقة الرياضيات، ولكنه اصطدم بفكرة الدين وعلم الاجتماع. وحسب كتابه «المقال على المنهج»، فقد وضع أسس منهج رباعي يمكن تحصيل اليقين منه. ووصف منهجه هذا بأنه يمكن أن يستفيد منه كل أحد بمن فيهم الأتراك، لأن الرجل عاش في القرن السابع عشر الميلادي، وكان الأتراك عام 1683 م يحاصرون فيينا بربع مليون جندي انكشاري، في الوقت الذي كان نيوتن يضع قانون الجاذبية وقوانين الميكانيك الثلاثة سارية المفعول حتى يومنا هذا، حتى مع قانون النسبية المهتم بالعالم العلوي أمام ميكانيكا الكم في العالم السفلي، ما يسمى الماكرو والميكرو(MACRO x MICRO). وذهب «توماس كون» في كتابه «بنية الثورات العلمية» أن هناك آلية للاختراقات المعرفية. فلم يكن للعالم الفرنسي «لافوازييه» الوصول إلى اكتشاف (الأكسجين) لولا كسر (النموذج الإرشادي Paradigm) ويقول إنه وصل إلى مشروعه هذا مما استفاده من «جان بياجييه»، عالم النفس الارتقائي السويسري، في اكتشاف الوعي مع مراحل النمو. واستفاد من علماء (الجشتالت) في سيكولوجيا الإدراك، وكيف تتم دفعة واحدة. وتأملات «وورف» بتأثير (اللغة على الإدراك). واستفاد من «كواين» في فهم مشكلة المعضلات الفلسفية، وإدراك ما هو تحليلي وتركيبي. وكذلك عامل الصدفة في الكشف العلمي التي كتبها الألماني «لودفيك فليك» في كتابه «ظهور الحقيقة العلمية وتطورها» في بازل عام 1935م.
ومنذ أيام ابن خلدون اعتبرت الكيمياء صناعة تحويل العناصر الخسيسة إلى ذهب. وهي قدرة يمكن أن يحققها اليوم العلم بالتلاعب بالتكوين الذري وعدد البروتونات في قلب الذرة، ولكن جوهر المشكلة كما يشرحها «كون» إبستمولوجية. و(الفلوجستون) كان يظن أن العناصر تحتويه ويخرج مع الاحتراق، ولكن لافوازييه برهن أن تسخين العناصر يزيد وزنها ولا ينقصها. وبذلك لم يثبت لافوازييه وجود الغازات والعناصر، بل أرسى أسس الكيمياء الحديثة وأكملها بعده مندلييف بجدول العناصر.
ويرى الفيلسوف «إيمانويل كانط» أن هناك جدلية بين العلم والتاريخ والفلسفة. وفلسفة العلم بدون تاريخ تطوره خواء، وتاريخ للعلم بدون فلسفة عمى، لأن العلم والفلسفة والتاريخ مثل النهر والمجرى والمصب. ولم تدرس الجغرافيا نهرا بدون هذه الإحداثيات.
أما «أينشتاين» فهو يرى أن كشف الحقيقة مرة واحدة غير كاف، والحقيقة تشبه تمثال الرخام المنصوب في الرمال المتحركة، وهو مهدد بالطمر كل حين، وفقط الأيادي الماهرة التي لا تعرف الكلل والسأم والتي تنفض عنه الرمل باستمرار، هي التي تحافظ على التماعه تحت ضوء الشمس.
وبتعبير القرآن الراسخون في العلم؛ فهناك علم وزيادة في العلم وطلب للزيادة وقل رب زدني علما ودرجات يرفع بها الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم. وفي يوم ذهب رسول من أولي العزم منهم هو موسى يطلب علما عند رجل صالح في ثلاث مغامرات لم يضبط نفسه فيها، فسرحه وشرح له عجائب تصرفه. ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟
وحسب «سكينر»، عالم النفس السلوكي، فإن «أفلاطون» لو بعث اليوم لطاف العالم يحاضر في نفس كتابه عن الجمهورية وكذلك «لفارابي» عن المدينة الفاضلة، ولكن كلا منهما سيصمت والدهشة تعقل لسانه لشرح طالب ثانوي عن الكود الوراثي والبناء دون الذري ونظرية الانفجار العظيم والفيمتو ثانية. في البيولوجيا والذرة والكوسمولوجيا والزمن. وهذا يشرح أين تطور العلم وأين وقف.
ووصف «نيوتن» التطور العلمي على صورة طفل يعتلي ظهر عملاق، فيرى وهو الطفل ما لا يراه العملاق، ولعل كل منا حدث له هذا راكبا أو مركوبا.
أما «ليسنغ» من فلاسفة التنوير فكان يطرح المسألة على شكل جدلية مختلفة بين حب العلم والحقيقة النهائية، فقال: لو أن الله وضع الحقيقة النهائية في يده اليمنى ووضع الشوق الخالد للبحث عن الحقيقة في يده اليسرى ومعها الخطأ لزام لي ثم قال لي اختر بينهما: إذاً لجثوت على ركبتي ضارعا وأنا أناشده أن يمنحني الرغبة إلى البحث، لأن الحقيقة المطلقة هي له وحده.
وشرح هذا الأمر هام وهو أن الشعور بالوصول إلى نهاية الأشياء يعني الكف عن البحث، والمقتل العقلي للفكر هو توقف الصيرورة؟ وفكر المتشددين مبني على هذا الخطأ القاتل.
ونحن البشر نتفاوت، وأما خلق الله فلا تفاوت فيه، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت.
نحن نصعد ونهبط ونتألق وننطفئ ونحيا ونموت، سنة الله التي خلت في عباده. وهذا التغير المستمر هو الذي جعل أحد الكتاب يقول إن الكاتب الماهر عندما يتأمل ما كتب يعتريه الشعور أنه لو زاد هنا لكان أفضل، ولو اختصر هناك لكان أجمل، وهي من جملة العبر في استيلاء النقص على جملة البشر.
وعندما جاءت النسبية ونظرية الكم سبقت فيزياء نيوتن، وأصبحت فيزياء نيوتن متخلفة للماضي، وغير دقيقة ولا يعني هذا إلغاء لها، بل أكثر دقة في الفضاء الكوني وما تحت الذري، وتبقى فيزياء نيوتن أفضل حيث السرعات والمسافات المحددة. وكل يوم هو في شان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام. وفي العهد القديم أن الفهم قوة.
نافذة:
يرى الفيلسوف «إيمانويل كانط» أن هناك جدلية بين العلم والتاريخ والفلسفة وفلسفة العلم بدون تاريخ تطوره خواء وتاريخ للعلم بدون فلسفة عمى