يتم، منذ شتنبر، تنزيل طريقة جديدة معتمدة فِي الدعم التربوي. ويتعلق الأمر بمقاربة «Teaching at the Right Level» المعروفة اختصارا بـTaRL» »، أي «التدريس وفق المُسْتَوَى المناسب». تبني هذه المقاربة، حسب الوزارة، جاء «مبنيا عَلَى تشخيص تمَّ السنة الدراسية الماضية ببعض مؤسسات التَّعْلِيم الابتدائي فِي المَغْرِب». لذلك جندت الوزارة الوصية كل مواردها المادية والبشرية لإنجاح العمل بهذه المقاربة التي يراهن عليها شكيب بنموسى وفريقه لرفع مستوى التعلمات لدى التلاميذ الذين حالت «الهشاشة» التي ينتمون إليها دون تمكنهم من مهارات القراءة والكتابة والحساب. استمرار متخذي القرار التعليمي في الاعتماد على مقاربات تعليمية مستوردة أثار جدلا واسعا، مرة أخرى، أعاد للأذهان تجربة مكتب الخبير البلجيكي «كزافيي».
الوصفة الهندية لحل معضلة غياب الجودة
يشتغل فريق في ديوان شكيب بنموسى منذ لحظة تعيينه على ملف رئيسي يتعلق بالدعم التربوي. ولم يقتصر عمل هذا الفريق على بلورة جيل جديد من الشراكات مع جمعيات المجتمع المدني، بل وأيضا تبني مقاربة بيداغوجية مستوردة من الهند أثبتت فعاليتها هناك. ويعول بنموسى وفريقه على فك شفرة ضعف جودة التعلمات، المتمثلة في كون التلاميذ المغاربة، وخاصة الذين يدرسون في التعليم العمومي، لا يتقنون القراءة والكتابة والحساب، رغم قضائهم سنوات طويلة في الفصول الدراسية.
الإعلان الرسمي لتبني هذه المقاربة جرى، قبل أيام، في لقاء ترأسه وزير القطاع شكيب بنموسى، والوالي المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية محمد دردوري، فضلا عن مديرين مركزيين بوزارة التربية الوطنية، وممثلين عن هيئة التفتيش وعن الأساتذة الذين استفادوا من تكوين ومواكبة من فريق هندي متخصص قصد تطبيق هذه المقاربة الجديدة في الدعم التربوي للمتعلمين.
وأبرز بنموسى، في كلمة له بالمناسبة، أن اعتماد هذه المقاربة «جاء مبنيا عَلَى تشخيص تمَّ السنة الدراسية الماضية ببعض مؤسسات التَّعْلِيم الابتدائي فِي المَغْرِب»، مشددا على «ضرورة الدعم الاستدراكي للتعلمات الَّتِي يتلقاها بعض التلاميذ الذِينَ يجدون صعوبات عِنْدَ انطلاقة كل سنة دراسيةّ».
ولم يفت بنموسى التنويه بهذه المنهجية، مؤكدا أهمية «الاستفادة من التجارب الدولية وجعلها متطابقة مع الواقع المحلي وخصوصيات التدريس في المغرب».
وأهَمُ الخصائص المميِّزة لمقاربة «TaRL» كما تعتمدها المؤسسة الهندية «براثام/pratham» للتربية وَالتَعْلِيم»؛ تتمثل في «استهداف معالجة التعثرات المتراكمة لدى المتعلمات والمتعلمين باعتماد تشخيص دقيق بواسطة رائز بسيط بشكل فردي».
وبعد تشخيص مُستوى وأداء كل تلميذ، يتم «تفييء المتعلمين وفق مستوى الأداء واعتماد أنشطة تفريدية باعتماد مبدَأي التفاعل واللعب البيداغوجي»، كما تتسم هذه الطريقة فِي الدعم التربوي بـ «تبني البعد الإنساني المؤطر للعلاقة بين متعلم وأستاذ».
مع الإشارة هنا إلى أن العمل بالخطة الإصلاحية الجديدة التي تبناها شكيب بنموسى وفريقه خصصت لها فترة 2023 -2026، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة حول قدرة هذه المقاربة في تحقيق الجودة المفقودة في نظامنا التعليمي في هذه الفترة الوجيزة، وأيضا أسئلة تطرح اليوم حول التكلفة المالية لهذه المقاربة، فضلا عن أسئلة تتعلق بمصير اعتمادها بعد أن يتم تعيين وزير جديد للقطاع، أي بعد 2026.
هل ينجح الاستيراد؟
التركيز الذي تبديه الوزارة الوصية على هذا المشروع ورهانها عليه لحل معضلة غياب الجودة، خلق جدلا جديدا/قديما حول فعالية مناهج ومقاربات مستوردة لحل مشكلات مرتبطة بالسياق المغربي. إذ تعيد للأذهان عشرات الصفقات التي أبرمها المغرب، طيلة العقدين الماضيين، مع خبراء ومكاتب أجنبية، سواء في مجال التعليم المدرسي أو في مجال التكوين. ولعل أبرز هذه الصفقات التي أثارت في حينها جدلا سياسيا وإعلاميا كبيرا، تلك التي أبرمت سنة 2009 مع مكتب بلجيكي يرأسه الخبير الدولي «كزافيي روجرز». إذ مقابل صفقة ماتزال قيمتها المالية غامضة إلى الآن تم اعتماد هذا المكتب الذي انتدب بدوره عشرات الخبراء الفرانكفونيين، (بلجيكيون وفرنسيون ولبنانيون وتونسيون وجزائريون وأفارقة)، تكفلت وزارة التربية الوطنية حينها برواتبهم التي لا تقل عن ألف أورو يوميا، لتنزيل ما اعتبر حينها «منهجية ثورية» من شأنها أن تردم الهوة بين المعارف المتضمنة في المناهج والبرامج من جهة والحياة اليومية للتلاميذ.
التعبئة التي قامت بها الوزيرة السابقة، لطيفة العبيدة، لصالح هذه المقاربة البلجيكية لا تختلف كثيرا عن التعبئة التي يقوم بها اليوم شكيب بنموسى. إذ يتكفل اليوم خبراء هنود بتكوين وتنزيل وتقويم المقاربة الجديدة، ومن الطبيعي أن يكون هذا التعاون يتم ضمن تعاقدات أبرمتها الوزارة مع منظمة «براثام للتربية والتكوين» مقابل مبالغ تتشارك جهات كثيرة في دفعها، أبرزها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية، لكون الولاة والعمل هم المسؤولون فعليا عن تنزيل برامج الدعم التربوي على صعيد الجهات والأقاليم والجماعات، وهم المسؤولون أيضا عن مختلف الشراكات التي يتم عقدها مع الجمعيات العاملة في مجال الدعم.
إذن، في الوقت الذي يتفق الجميع على أن منظومة التربية والتكوين ببلادنا تعاني من مرض مزمن اسمه «غياب الجودة»، نجد اختلافا كبيرا بين مختلف الأطراف المهتمة بالشأن التربوي حول الوصفة الناجعة.
إذ يذهب البعض إلى أن مشكلة غياب الجودة لا ينبغي اختزالها في إجراء واحد، كالدعم مثلا، بل ينبغي حلها بشكل شمولي، بحيث يتم الحرص أيضا على جودة المناهج وجودة تكوين المدرسين وإشراك الأسر وتحفيز الموظفين، غير أن لمتخذي القرار التعليمي اليوم رأيا آخر، وهو أن تجريب مقاربة جديدة في الدعم التربوي من شأنه أن يقلص الهوة بين التلاميذ على مستوى التعلمات. الأمر الذي لن يمر دون جدل، خصوصا أن للمغاربة تجارب فاشلة سابقة مع استيراد المقاربات التربوية.
عن كثب:
قصتنا مع الاستيراد
بدأت قصة نظامنا التعليمي مع إدمان الاستيراد منذ عشرية الإصلاح عندما تبنى الميثاق الوطني للتربية والتكوين مقاربة التدريس بالكفايات في مطلع الألفية الثالثة. لتنبري زمرة من الخبراء المغاربة في علوم التدريس والبيداغوجيا لمحاولة تبيئة هذه المقاربة مغربيا، وخاصة في الشق المتعلق بالمناهج والبرامج، لينتجوا ما عُرف بـ«الكتاب الأبيض»، الذي يعد، وبكل أمانة، أهم وثيقة مغربية في مجالها إلى اليوم. صحيح أن قيمتها اليوم لم تعد موجودة قياسا لما سيتم تبنيه من سياسات تعليمية في ما بعد، لكنها كانت محاولة جادة ومحترمة أثبت فيها المغرب إمكانية بلورة نموذج بيداغوجي مغربي أصيل.
المؤسف هو أن هذه المقاربة، وعلى الرغم مما كتب فيها طوال العقدين الماضيين، من شروحات وتعليقات وحواش، لم تنفذ إلى مستويات أعمق، أي مستويات التدريس والتقويم الفصليين، إذ ما تزال دروسنا عبارة عن معلومات تشحن بها عقول التلاميذ شحنا، ويتم استرجاعها في التقويمات المختلفة، بما في ذلك الامتحانات الوطنية للباكلوريا.
مسلسل الاستيراد عندنا لم يتوقف، إذ تحول إلى ما يشبه الإدمان. ليتم التعاقد مع مكتب البلجيكي كزافيي مع بداية 2009، والذي سيفرض العمل بنسخة جديدة من مقاربة التدريس بالكفايات، هي «بيداغوجيا الإدماج»، وتم حينها تقديم هذه البيداغوجيا على أنها «المنقذ من الضلال». وتم إغراق الأساتذة والمفتشين في ملايين الأوراق يتوجب عليهم ملؤها، على أساس أنها تمثل تنزيلا فعليا لبيدغوجيا تنمي المهارات. وتم تنظيم آلاف الساعات من التكوينات المستمرة التي تجاوزت كلفتها في سنتين أربعة ملايير درهم.
رياح التغيير السياسي التي هبت سنة 2012، حملت معها حكومة اعتبرت أن كل ما له صلة بمرحلة ما قبلها هو «فساد»، لذلك تم فسخ العقدة مع المكتب البلجيكي ودفع ملايين الأوروهات مقابل ذلك، دون تقويم موضوعي. وهي خطوة ستكون موضوع تقريع قوي وغير مسبوق من طرف الملك في خطاب يوليوز 2015.
بعد هذا ظهرت موجة جديدة على مستوى العالم تتمثل في ما يعرف بالمهارات الحياتية life skills وبدأ الجميع يبشر بـ«الفتح الجديد»، ولم يتوقف هذا الهوس عند حدود التعليم المدرسي بل امتد للتعليم العالي والجامعي. وعلى ضوء هذا الهوس تمت محاولة تعديل النموذج البيداغوجي في الجامعة مثلا، عندما تم تبني ما يعرف بـ«الباشلر». لكن هذا الاختيار، وكما كان متوقعا تم توقيفه بجرة قلم كالمعتاد، لأننا ابتلينا بذهنيات مسؤولين شعارها هو «أنا وحدي مضوي البلاد..». لتضيع ملايين الدولارات صرفت طوال ثلاث سنوات على هذا المشروع.
وفي التعليم المدرسي، استمر الهوس الجماعي بالاستيراد، حيث يتم الآن تجريب منهجية في التدريس تعرف بـ«طاغل». ويتعلق الأمر بمقاربة تحمل اسم «Teaching at the Right Level» (المعروفة اختصارا بـ TaRL) أي «التدريس وفق المُسْتَوَى المناسب». فرأينا تلاميذ وأساتذة يستنسخون النموذج الهندي بحذافيره حيث يفترشون الحصائر، ولن نستغرب، مادام الأمر يتعلق بهوس وإدمان، أن يتم تعويض «الوزرة» بالتنورة الهندية الشهيرة، ويتم التخلي عن التدريس في القاعات والاكتفاء بتعليق السبورات على الأشجار.
والسؤال ما الذي تمتلكه العقول الهندية ولا تمتلكه عقولنا؟ كيف تسنى للهنود صياغة نموذجهم الخاص في الدعم التربوي والتدريس بينما عجزنا نحن؟
لا شك في أن الأمر مجرد «موجة» عابرة ستنتهي بمجرد تعيين وزير جديد، لكون الذهنية هي نفسها منذ عقدين. فمثلما كان خبراء المكتب البلجيكي يصولون ويجولون باسم «الخبرة»، والوزارة تدفع تعويضاتهم الخيالية بالأورو (ألف أورو في اليوم)، ها هم خبراء الهند يفعلون الشيء نفسه، محاطين بـ«خبراء مغاربة» تم «تكوينهم» وهؤلاء سيشرعون هم أنفسهم في تكوين المدرسين، وعينهم على تعويضاتهم التي تقدر بـ 150 درهما للساعة الواحدة. ولنا أن نتصور حجم المال العام الذي سيضيع في تنزيل مقاربة مستوردة، مقاربة لا شيء يثبت أنها فعالة في سياقنا المغربي.
رقم:30 ألفا
لمواكبة تنزيل المقاربة الهندية في التدريس، تم، منذ شهر ماي الماضي وإلى اليوم، عقد لقاءات تكوينية لفائدة 51 مفتشا تربويا، وهؤلاء أشرفوا على تكوين 600 أستاذ. ليتم بعد ذلك إطلاق النموذج التجريبي فِي 200 مؤسسة تعليمية مع أكثر من 15.000 مستفيد مع انطلاق السنة الدراسية الحالية. وحسب المعطيات الرسمية المواكبة لتنزيل هذه المقاربة، فإن «نموذج تقويم الأداء» يرتكز على «مواءمة الرائز وفق الخصوصيات الوطنية»، واستفاد منه 30 ألف تلميذ وتلميذة طيلة شهر شتنبر، واستفاد 50 في المئة منهم من أنشطة TaRL و50 في المئة من أنشطة الدعم المألوفة. وتم التحقق من نتائج الرائز من طرف المفتشين المواكبين، بمساعدة فريق إحدى الجمعيات، قبل أن يختتم نموذج الأداء بإجراء تقييم موضوعي من خلال مقارنة نتائج الجهات القائمة به.
///////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
المغرب «نجح» في تعميم المدارس و«فشل» في الاحتفاظ بالأطفال داخلها
المجلس الأعلى «يُحضِّر» لصدمة جديدة تَهُمُّ مستوى تلاميذ الابتدائي والإعدادي
لا يبدو أن سلسلة الأخبار السيئة عن التعليم المغربي ستنتهي قريبا. وآخر حلقات هذه السلسلة ستأتي قريبا من المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وتحديدا من الهيئة الوطنية للتقييم التابعة له، والذي انتهى من جمع المعطيات الخاصة بالبرنامج الوطني لتقييم المكتسباتPNEA_2024» » وتم الشروع في تحليل هذه المعطيات، التي غطّت جميع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، في الفترة الممتدّة ما بين 30 ماي و04 يونيو 2022 الماضيين.
صدمة جديدة مرتقبة
يهدف البرنامج الوطني PNEA_2024 لتقييم مكتسبات تلامذة السنتين السادسة ابتدائي والثالثة ثانوي إعدادي، في اللغات والرياضيات والعلوم، وربطها بسياقها التربوي والاجتماعي والاقتصادي، وكذا قياس تأثير الممارسات التربوية للأساتذة والتدبيرية لمديري المؤسسات على مكتسبات التلامذة؛ وتقييم أثر الإصلاحات التربوية على التحصيل الدراسي الفعلي للمتعلمين؛ وبالتالي المساهمة في خلق دينامية جديدة لإصلاح المناهج التعليمية وتجويد الممارسات التربوية للأساتذة والتدبيرية للمديرين من منظور تطوير جودة التعلمات والرفع من المردودية الداخلية للمؤسسات التعليمية.
الدراسة الحالية شملت 11823 من تلامذة السنة السادسة ابتدائي، مُوزّعين على 382 مؤسسة، و14478 من تلامذة السنة الثالثة ثانوي إعدادي، مُوزّعين على 441 مؤسسة. حيث تمّ تجريب 480 بُنداً في كل مستوى دراسي وكل مادّة، بما مجموعه 4320 بنداً.
ما يضيف نتائج الدراسة المرتقبة لسلسلة الأخبار السيئة عن التعليم المغربي، ما خلصت إليه نتائج البرنامج ذاته، والتي تم نشرها في دجنبر الماضي فقط، حيث تم الحديث عن أن أكثر من ثلث التلاميذ لا يتوفرون على الكفايات اللازمة التي تضمن مواصلتهم لتعليمهم المدرسي، مبرزة أن التلاميذ الذين لا يستوفون الكفايات الأساسية يمكن أن يصبحوا مهددين بالانقطاع عن الدراسة.
كما أن الجائحة عمقت هذه الأزمة وأثرها سيقوي هذا الضعف المسجل في صفوف التلاميذ.
الوزير يعترف بالمشكلة
في هذا السياق، اعترف شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بأن النسبة الأكبر من تلاميذ التعليم الابتدائي لا يتقنون إجراء عملية حسابية بسيطة.
وأضاف بنموسى، في لقاء نظمته جمعية الخريجين المغاربة من المدرسة الوطنية للطرق والقناطر بفرنسا، الخميس في سلا، أن 13 في المائة فقط من تلاميذ السنة الخامسة ابتدائي يجيدون إجراء عملية قسمة برقم واحد، أي أن 87 في المائة لا يتقنون عملية حسابية بسيطة.
وأورد الوزير هذه الأرقام مستنداً إلى دراسة جديدة قدمت نتائجها أخيرا، شملت 30 ألف تلميذ وتلميذة في السنوات الثالثة والرابعة والخامسة من المستوى الابتدائي. وأكد بنموسى، في حديثه أمام ثلة من المسؤولين المغاربة المسيرين لعدد من المؤسسات العمومية والخاصة، أن «تعميم التعليم الابتدائي مكتسب، لكن يبقى الأهم هو ضمان الجودة ومحاربة الهدر المدرسي».
واعتبر المسؤول الوزاري أن إصلاح هذا الوضع ممكن من خلال الخروج من المقاربة التقليدية التي تعتقد أن تدارك الوضع متاح من خلال رفع ساعات الدروس أو بشكل طبيعي داخل الأقسام، وأشار، في هذا الصدد، إلى أن نسبة مهمة من التلاميذ متأخرون بأربع سنوات عن زملائهم في المستوى.