شوف تشوف

بانوراما

بنموسى أمام معضلة ضعف انخراط صغار الموظفين في خطته الإصلاحية

 

تواجه وزارة التربية الوطنية معضلة ضعف انخراط مختلف الفاعلين التربويين، مركزيا وجهويا ومحليا، في مختلف المشاريع التي تبنتها، وخاصة ما يعرف بخريطة الطريق الجديدة. الأمر الذي سيؤثر حتما على وتيرة تنفيذها، خاصة وأن الحكومة تراهن على الفترة ما بين 2023 و2026 لتحسين وضع التعليم ببلادنا.

هذه المعضلة بدأت مباشرة بعد انتهاء العمل بالبرنامج الاستعجالي واستفحلت مع مرور السنوات، ليصل الوضع حاليا لمستوى من «اللامبالاة» مثير للاستغراب.

 

ضعف الانخراط

لجأت وزارة التربية الوطنية لخطة مالية تتمثل في رفع تعويضات رؤساء المشاريع المختلفة وأيضا عضوية لجان العمل لتحقيق وتيرة مقبولة في تنزيل خطتها الجديدة التي حملها معه الوزير الحالي شكيب بنموسى. اضطرار الوزارة إلى هذه الخطة مرده إلى ضعف انخراط العديد من الهيئات، وعلى رأسها المفتشين في مختلف هذه المشاريع، سواء منها ما يتعلق بالتعليم الأولي أو التكوين المستمر والحياة المدرسية. ولوحظت هذه الظاهرة، تفيد مصادر، منذ توقيف العمل بالقانون الإطار كما شرعت الحكومة السابقة في تنزيله.

وحسب المصادر نفسها، فقد لوحظ فتور كبير في انخراط المفتشين والمكونين ورؤساء المصالح والأقسام عندما شرع الوزير الحالي في تعميم مشاورات، رأى فيها هؤلاء «مضيعة للوقت»، خصوصا وأن المشاريع التي شُرع في تنزيلها إبان ولاية سعيد أمزازي تطلبت وقتا طويلا لصياغتها وتحسينها وتجريب منهجيات تنزيلها جهوية وإقليميا.

تبرم مختلف الموظفين من الانخراط في مشاريع الإصلاح الحالية سبب إحراجا كبيرا للمسؤولين الجهويين والإقليميين، الذين يترقبون تغييرات في المسؤوليات في أقرب وقت، وبالتالي كان عليهم، حسب المصادر نفسها، اللجوء للحلول الشخصية في تعيين رؤساء المشاريع والأقطاب واللجان. واستدلت المصادر نفسها بما حدث في تنزيل خطة الدعم التربوي الهندية والمعروفة بـ«طارل»، حيث وجد بعض مديري الأكاديميات أنفسهم في وضعية ابتزاز صريحة من طرف مفتشين طالبوا بتعويضات مالية غير معتادة للانخراط في تنزيل هذه المنهجية في التدريس، وبالتالي تفادي إحراج رؤسائهم مع وزير له أسلوب خاص في التعامل مع المسؤولين الجهويين والإقليميين.

وترتكز خارطة الطريق لإصلاح المدرسة العمومية على ثلاثة أقطاب رئيسية؛ التلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية بثلاثة أهداف رئيسية تركز على التعلمات الأساس والأنشطة الموازية والحد من الهدر المدرسي، وفق مقاربة نسقية تتمحور حول قياس الأثر داخل الأقسام الدراسية. ولبلوغ هذا المسعى، تراهن خارطة الطريق على جعل التلاميذ منفتحين متحكمين في التعلمات الأساس ومستكملين تعليمهم الأساسي، مع توفير فضاءات آمنة وملائمة للاستقبال تسودها روح التعاون بين كل الفاعلين، وكذا مدرسين متمكنين يحظون بالتقدير وملتزمين بنجاح تلاميذهم.

وفق هذا التوجه، جاءت خارطة الطريق لترسم معالم مدرسة عمومية ذات جودة ترقى إلى طموحات وانتظارات المجتمع المغربي، مدرسة ضامنة لجودة التعلمات متمكنة من إكساب الأطفال المعارف والكفايات والمهارات الضرورية التي تخول لهم النجاح في مسارهم الدراسي والمهني، وتعزز تفتحهم ومواطنتهم وتنمي قيمهم الوطنية والكونية وحسهم المواطن وحبهم للاستطلاع وثقتهم في أنفسهم، وتحقق إلزامية تعليمهم وتضمن تكافؤ الفرص بين جميع التلميذات والتلاميذ من خلال مسار تعليمي إجباري إلى غاية السن 16، كيفما كان الوسط الاجتماعي والمجالي الذي يتحدرون منه.

 

خارطة طريق جديدة

التزمت خارطة الطريق هاته بإحداث التغيير الملموس والملحوظ على أقطابها المحورية، وذلك بتحقيق تعليم أولي ذي جودة، مضبوط من طرف الدولة ومعمم، مع توفير مقررات وكتب مدرسية تركز على اكتساب الكفايات والتعلمات الأساس والتحكم في اللغات، وتتبع ومواكبة فردية للتلميذات والتلاميذ لتجاوز صعوبات التعلم وتوجيه التلميذات والتلاميذ نحو مسارات دراسية تتلاءم مع مؤهلاتهم للرفع من فرص نجاحهم وتوفير دعم اجتماعي معزز من أجل تحقيق تكافؤ الفرص بين كل التلاميذ والتلميذات.

كما تعهدت بالارتقاء بمهنة التدريس من خلال تكوين للتميز يركز على الجانب التطبيقي والعملي، وخلق ظروف عمل ملائمة تستجيب لاحتياجات الأستاذات والأساتذة، وتعزز تأثيرهم الإيجابي على التلميذات والتلاميذ، وإرساء نظام لتدبير المسار المهني المحفز والمثمن لهم، يحث على الارتقاء بالمردودية لما فيه مصلحة التلميذ.

كما التزمت بتوفير مؤسسات توفر ظروف استقبال حسنة ومجهزة وتستعمل الوسائل الرقمية، وإدارة تربوية تتوفر على مؤهلات قيادة المؤسسة للارتقاء بجودتها وتنمية روح التعاون بين كل الفاعلين بها من أجل إرساء جو آمن، والقيام بأنشطة موازية ورياضية تمكن التلميذات والتلاميذ من التفتح وتحقيق ذواتهم.

ولتحقيق مدرسة عمومية ذات جودة للجميع يتطلب هذا الهدف الاستراتيجي توفير ثلاثة شروط أساسية تتمثل في إرساء حكامة تعتمد على بنيات مناسبة لقياس الجودة، وحفز مسؤولية الفاعلين والتزامهم بانخراطهم المسؤول لإنجاح الإصلاح وتأمين الموارد المالية اللازمة وانسجامها مع الأثر المنشود واستدامتها.

وتهدف الوزارة بحلول سنة 2026 إلى مضاعفة نسبة تلاميذ التعليم الابتدائي المتحكمين في التعلمات الأساس لتصل إلى 60 في المائة، ومضاعفة نسبة التلاميذ المستفيدين من الأنشطة الموازية، ثم تقليص نسبة الهدر المدرسي بنسبة الثلث. وبالنسبة للتعليم الأولي، تقترح الوزارة إحداث 4000 وحدة جديدة على الأقل لولوج 90 في المائة من الأطفال إلى التعليم الأولي، مع تطوير النموذج البيداغوجي والإشراف على جودة التعلمات، فضلا عن إرساء تكوين إشهادي لصالح كافة المربين والمربيات.

مراجعة نظام التقويمات في الجامعات

أضحت الحاجة إلى إعادة النظر في نظامي التكوين والتقويم في الجامعة المغربية ضرورة ملحّة، لأن النظام الحالي أثبت فشله في تحقيق أغلب الأهداف التي أعلن عنها في السنوات الأخيرة، ليس فقط لأن هذا النظام أدخل الأساتذة الجادين في دوامة من البيروقراطية الورقية على حساب مهامّ البحث العلمي، بل لأنه أيضا أفسح المجال لظهور ظواهر فساد جديدة «أبطالها» أساتذة وإداريون حوّلوا بعض الشّعَب إلى «إقطاعيات» محكمة الإغلاق..

شهادة «الماستر» إحدى أبرز هذه الظواهر الجديدة، فما وراء المقررات الرسمية المنظمة للتكوين والتقويم في هذه الشهادة هناك عشوائية رهيبة صارت معها شهادة للمفاخرة، شهادة بدون رهانات مجتمعية حقيقية وبتكوينات علمية هزيلة وبفوضوية و«إسهال» في التخصصات، حتى إن كلية الآداب والعلوم الإنسانية في إحدى المدن العتيقة أنشأت أكثر من ثلاثين ماستر.. ومن يقرأ بعض العناوين لا يمكنه إلا أن يستلقي على قفاه من الضحك، فقد صدق من قال إن «مِن شر البلية ما يضحك».. عناوين «قل ما شئت»، وأحيانا عندما يغريك عنوان «ماستر» ما نظرا إلى تركيبته اللغوية المُنمقة وتبدأ في البحث عن التخصصات التي تُدرَّس فيه، ستفاجأ ببعض الأساتذة المكونين يدرّسون في الماستر المجزوءات نفسَها التي يدرّسونها في مستويات ما قبل الإجازة بالفاصلة والنقطة، دون اجتهاد، وآخرين اهتدوا إلى طريقة «عبقرية» في التكوين سماها أحدهم «التعلم الذاتي»، وهي اعتمادهم كلية على عروض الطلبة، فينتقون الجيد منها ويجمعونه في «منشور» يباع على أنه «مقرر» في مراكز النسخ في الكليات..

أما دكتور «رائج» الاسم في الرباط، لكونه فاعلا جمعويا لا يشق له غبار، فيتعامل مع الماستر بطريقة المقاولين المغاربة، أي يحضر اسمه على الأوراق المقدمة للوزارة فقط، بينما «يفوت» إنجاز المجزوءات لـ«بريكولور» آخر، في تواطؤ واضح من طرف العمادة، لكون الدكتور منشغلا بما هو أهم، أي «بمشاريع» مدرة للدخل مع منظمة دولية.

أما بعض «الماسترات» غير المجانية، والتي تُفتَح عادة في وجه موظفي وأطر القطاعين العام والخاص، فهي تجارة مربحة تدر مئات الملايين، وتخضع لرقابة صورية. ونظرا إلى التسيب أضحى هذا النوع من الماستر «موضة» في بعض الإدارات، كالأمن والقضاء والمالية، فتجد موظفا مُهمّا يستهويه كثيرا أن يضيف «الماستر» إلى جملة مفاخره، فيدفع مسبقا ثمن الماستر.. وليس من الضروريّ أن يواظب على الحضور، لذلك نجد أن بعض عمداء الكليات وبعض الأساتذة الجامعيين أضحى اختراع الماسترات هوايتَهم الرسمية.. وأضحوا معها أغنياء يسكنون الفيلات ويقودون سيارات رباعية الدفع.

تجعلنا بعض «الماسترات» نستغرب كيف استطاع منشئوها الأفذاذ انتزاع التراخيص من اللجنة المكلفة في الوزارة، ففي الوقت الذي يعاني بعض الأساتذة الجامعيين المعترَف بكفاءاتهم الأمرّين لانتزاع قبول الوزارة للماسترات التي يقترحونها، نجد البعض الآخر، وفي التخصصات نفسها في جامعات أخرى، لا يجدون أي مشكلة تذكر، مع أنهم غير قادرين على الالتزام بدفاتر التحملات التي وضعوها، فنجدهم يغضّون الطرف عن حالات الغش في الامتحانات، حتى عندما تنجز في حق الطلبة المخالفين تقارير.. ويتساهلون في مواضيع الامتحانات ذاتها، إذ المهم هو أن تكون نسبة الطلبة الناجحين مرتفعة.. ويسدل الستار وتصفق الوزارة لهذا النجاح البارز.. ومع بداية «الموسم الاحتجاجي» الجديد، يلتحق هؤلاء المتخرجون بسلفهم العاطل أمام البرلمان للمطالبة بالشغل.. وقد يحدث، إذا هبت رياح الفرص كما تشتهيه السفن، أن يُعَيَّنوا تعيينا مباشرا دون تكوين في التعليم لتعليم أبناء الشعب معنى العبث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى