شوف تشوف

سياسية

بنكيران يستعين بـ«الجرار» لإنقاذ حكومته

إعداد: محمد اليوبي
بدأت ملامح الخريطة الحزبية المقبلة تتضح أكثر فأكثر، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، والتي أفرزت قطبين سياسيين كبيرين، أحدهما يقوده حزب العدالة والتنمية والثاني يقوده حزب الأصالة والمعاصرة. هذه الانتخابات كسرت كل الخطوط الحمراء المعلنة بين الطرفين، ما يرجح بقوة فرضية تحالفهما في المستقبل على المستوى الحكومي، كما ساهمت نتائج الاقتراع ليوم رابع شتنبر الجاري في تغيير منطق التحالفات بين الأغلبية والمعارضة لتشكيل المجالس الجهوية والجماعية.
كشفت نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية عن حقيقة الخريطة السياسية والحزبية المغربية، وتموقع كل حزب في التحالفات المطروحة، حيث أفرزت النتائج تحالفات هجينة بأغلب المدن والمناطق، بعيدا عن الاصطفاف الحزبي الذي يعرفه المشهد السياسي المغربي منذ تشكيل حكومة بنكيران، عقب الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2011، وأعطت تقدما لحزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي الحالي.
خطوط حمراء
قبل ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، كان المشهد السياسي المغربي منقسما إلى قطبين، قطب المعارضة بقيادة حزب الأصالة والمعاصرة بتحالف مع أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، وقطب التحالف الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب التجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية. في اليوم الموالي لإعلان النتائج النهائية للانتخابات، تم خلط أوراق التحالفات، رغم إصدار كل قطب لبيانات مكتوبة بلغة تشبه لغة البيانات العسكرية، حيث أعلنت أحزاب المعارضة وضع خطوط حمراء أمام كل تحالف يقوده حزب العدالة والتنمية، وأكد ذلك إلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة في ندوة صحفية عقدها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، وبعد مرور وقت وجيز ردت أحزاب التحالف الحكومي ببلاغ مضاد، أعلنت فيه بدورها عن حصر التحالفات لتشكيل مجالس الجهات والجماعات في أحزاب التحالف فقط.
قادة أحزاب المعارضة سارعوا إلى عقد اجتماع لمناقشة نتائج الانتخابات، بعد إعلان فوز العدالة والتنمية بالأغلبية بالعديد من المدن الكبرى، وقرروا عدم الانخراط في أي تحالف يقوده حزب العدالة والتنمية، كما أعلنوا عن رفضهم التام لما وصفوه بالممارسات الخطيرة التي عرفتها هذه الاستحقاقات، طيلة يوم الاقتراع، من تجاوزات وخروقات أكدت، وفق تصريحاتهم أن الحكومة لم تكن مؤهلة، بالمرة، لتحمل مسؤولية الإشراف على انتخابات نزيهة، بالإضافة إلى أن رئيسها واصل طيلة الحملة وخلال يوم الاقتراع، مسلسل الانتهاكات، واستغلال إدارة الشأن العمومي، للتهجم على أحزاب المعارضة، ومحاولة تغليب كفة حزبه.
وأكد قادة أحزاب المعارضة أنهم قرروا عدم الانخراط نهائيا في أي تحالف، يقوده حزب العدالة والتنمية، انطلاقا مما ارتكب من خروقات وانتهاكات. وأوصى زعماء أحزاب المعارضة في هذا الصدد أعضاءها بالالتزام بهذا الموقف، جوابا عن هذه الممارسات التي اعتبروها ذبحا للديمقراطية، وتكريسا لنهج الغش الانتخابي.
وبعد وقت وجيز، عقد قادة أحزاب الأغلبية الحكومية، بدورهم اجتماعا للرد على بلاغ المعارضة، أكدوا فيه أن أحزابهم ستدبر تحالفاتها في إطار احترام منطق الأغلبية الحكومية، وستحرص على تنزيله على مختلف مستويات الجماعات الترابية. وشددوا على أن عقد التحالفات خارج منطق الأغلبية لا يمكن أن يكون إلا استثناء يخضع لتشاور مسبق. وأبرزت أحزاب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، أن الاستحقاقات الانتخابية مرت في أجواء عادية، ما يشكل دليلا آخر على استقرار المغرب ونجاح تجربته الديمقراطية، بحسبها، مشيدة بنجاح الحكومة في تدبير هذه الاستحقاقات في جو من النزاهة والشفافية..
وعبرت أحزاب التحالف الحكومي عن اعتزازها بالنتائج الايجابية التي حصلت عليها الأحزاب المكونة للتحالف الحكومي، ما اعتبرته دليلا على رضى المواطنين عن أداء هذه الأغلبية بصفة عامة٠
وبخصوص تدبير التحالفات بين أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية، ترك رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، هامش المناورة، وسجل في ندوة صحفية عقدها، أنه ليس هناك خط أحمر في التحالفات في بعض الجماعات مع أي كان، وقال: “حزب الاستقلال صديق للعدالة والتنمية، ولم يحدث أن وقع بيننا شيء، إلى أن جاء حميد شباط الذي استهدفنا، وكان ردنا بمقدار، واليوم جاءت نتيجة كلامه وسياسته ضده”. وأكد بنكيران أنه “لا مشكلة لنا في التحالف مع الاستقلال، ولكن نقول إن لنا أغلبية للتحالف معها، وهذا ماشي لعب بل اختيار”. وبخصوص التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، أكد بنكيران عدم وجود خط أحمر بين الحزبين وقال: “هؤلاء مغاربة مثلنا مثلهم، وأن حزب الأصالة والمعاصرة قام بأمور لم تعد كما كانت”٠
الانفتاح على المعارضة
قبل عقد اجتماع بين قادة الأغلبية من أجل التفاوض حول اقتسام الجهات والمجالس البلدية، وجه صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، رسائل مشفرة إلى حليفه حزب العدالة والتنمية، وهي رسائل كان الهدف منها هو تكسير الخطوط الحمراء التي وضعها بنكيران بخصوص التحالف مع أحزاب المعارضة لتشكيل المجالس الجهوية والجماعية. وأعلن مزوار عن قرار حزبه بالتحالف مع جميع المكونات السياسية بما فيها أحزاب المعارضة، وقال: “لدينا علاقات هادئة مع جميع الأحزاب، ونحن منضبطون داخل الأغلبية، وليس لدينا أعداء من الجهة الأخرى. نحترم جميع الأحزاب ونقدرها، لأن الواقع الميداني يتجاوز كل الخطوط الحمراء”، مقترحا فتح حوار وطني بين هذه الأحزاب من أجل التوصل إلى توافقات حول تنزيل ورش الجهوية، وتشكيل مجالس الجهات بالإجماع.
ورغم أن بنكيران أعلن أن أولوية حزبه في مسألة التحالفات ستكون مع أحزاب الأغلبية، وأن قادة أحزاب المعارضة أعلنوا بدورهم عن رفضهم الانخراط في أي تحالف يقوده حزب العدالة والتنمية، أكد مزوار أن “مسألة الجهوية يجب أن نسير فيها نحو نوع من التوازن ما بين القوى بالتركيز على الكفاءات بغض النظر عن الأغلبية والمعارضة”. ودعا مزوار إلى تفعيل العقل والمسؤولية أكثر من الحسابات السياسية الضيقة، وتغليب خطاب المسؤولية بدل المزايدات السياسية والقراءات الحزبية الضيقة. وأشار مزوار إلى أن المنطق العددي يعطي الأغلبية للمعارضة في تشكيل مجالس الجهات، ولذلك يقترح الخروج من هذا المنطق عبر فتح مفاوضات بين الأغلبية والمعارضة للتوصل إلى توافقات لتدبير مجالس الجهات.
وتحدث مزوار عن تنزيل التحالفات السياسية بين أحزاب الأغلبية على أرض الواقع، أثناء تشكيل المجالس الجماعية والجهوية، نظرا للخصوصيات المحلية بكل مدينة والتي تفرض تحالفات خارج ضوابط الأغلبية والمعارضة، دون أن يستبعد إمكانية تحالف حزب التجمع الوطني للأحرار مع أحزاب المعارضة رغم تواجد أحزاب الأغلبية. وقال مزوار في هذا الصدد إن “التجمع الوطني للأحرار سيذهب في اتجاه احترام الضوابط الأخلاقية للتحالف مع مكونات الأغلبية، لكن هناك خصوصيات محلية كذلك، يجب تدبيرها بتنسيق مع قيادة الحزب”. وأضاف: “المرحلة تقتضي نوعا من الرزانة وسمو الفكر، ويجب أخذ مسافة بين حملة انتخابية وتدبير الشأن المحلي لمدة ست سنوات”. ووجه مزوار نداء لكل الهيئات السياسية من أجل الجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى توافقات وخلق إجماع حول انتخاب المجالس الجهوية. ودعا إلى تجاوز ما وقع في الحملة الانتخابية، لأنه “لا يجب أن يطغى ما وقع في 15 يوما على 5 سنوات من التدبير” بحسب قوله.
وربما هذا ما يبرر موقف رئيس الحكومة الذي ترك هامشا للمناورة، لأنه استشعر خطورة الضغوطات التي مارسها حزب التجمع الوطني للأحرار من خلال مطالبته برئاسة جهتين وبلديات بعض المدن الكبرى. ولذلك فشل أول اجتماع لقادة الأغلبية خصص لتوزيع رئاسة الجهات في ما بينهم، وقرروا إجراء جولة ثانية من المفاوضات، توجت بدورها بالفشل قبل 24 ساعة فقط من انتهاء الفترة القانونية لإيداع الترشيحات الخاصة برؤساء مجالس المدن ومجالس الجهات. وأمام الفشل في التوصل إلى صيغة توافقية بين قادة الأغلبية، أصدر حزب العدالة والتنمية بلاغا بشكل منفرد، أعلن من خلاله فتح باب التحالف مع أحزاب الأصالة والمعاصرة والاستقلال، خلافا للبلاغ الذي أصدرته أحزاب التحالف الحكومي، والذي حصر التحالفات فقط بين مكونات الأغلبية. وأكد البلاغ الصادر عن الأمانة العامة لحزب رئيس الحكومة، عقب فشل المفاوضات، أن الحزب حرص على احترام منطق الأغلبية الحكومية في تحالفاته، وإشراكها ما أمكن في تدبير الجماعات الترابية التي حصل بها الحزب على الأغلبية المطلقة، لكنه وجه رسائل مشفرة إلى حلفائه، عندما شدد على وفائه بجميع الالتزامات والاتفاقات التي تمت لحد إصدار البلاغ مع مكونات الأغلبية الحكومية، مشيرا في الوقت ذاته إلى “عدم استبعاد إمكانية التحالف مع باقي الأحزاب الوطنية الراغبة في ذلك”.

أزمة داخل البيت الحكومي
يرجع سبب “تفجر” التحالف الحكومي إلى وجود خلافات كبيرة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار لم يفلح زعماء التحالف في تجاوزها، أمام تشبث كل طرف بمطالبه، وأبرزها تمسك مزوار بالحصول على رئاسة جهتي درعة تافيلالت، وسوس ماسة درعة، وكذلك رئاسة المجلس البلدي لمدينة تطوان التي حصل فيها حزب العدالة والتنمية على الأغلبية، إذ تشبث بمنح الرئاسة إلى رشيد طالبي العلمي، رئيس مجلس النواب. وبرر مزوار تشبثه برئاسة جهة درعة تافيلات، ومنح رئاستها لسعيد اشباعتو، عضو المكتب السياسي السابق بحزب الاتحاد الاشتراكي والرئيس السابق لجهة مكناس تافيلات، بوجود اتفاق سابق مع هذا الأخير، بمنحه الجهة بعد فقدانه المقعد البرلماني داخل مجلس النواب، بسبب الترحال السياسي من الاتحاد الاشتراكي إلى التجمع الوطني للأحرار. لكن عبد الإله بنكيران أعلن “الفيتو” على اشباعتو، وأكد أن حزب العدالة والتنمية قرر منح رئاسة الجهة إلى الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان السابق، حيث يتوفر حزب العدالة والتنمية على 13 مقعدا بهذه الجهة، متبوعا بالتجمع الوطني للأحرار بـ11 مقعدا، ثم الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية بـ5 مقاعد لكل منهما. وبعد تشبث بنكيران بهذه الجهة، طلب مزوار منحه جهة الرباط سلا، والتي يتوفر فيها حزب العدالة والتنمية على الأغلبية، حيث حصل على 26 مقعدا، وحزب التجمع الوطني للأحرار على 6 مقاعد، ثم التقدم والاشتراكية على 6 مقاعد، فالحركة الشعبية التي حصلت على 4 مقاعد.
خلاف آخر اندلع بين مكونات التحالف الحكومي، حول رئاسة جهة سوس ماسة، حيث طالب حزب التقدم والاشتراكية بنصيبه من الجهات الأربع التي حصلت فيها مكونات التحالف على الأغلبية، واقترح نبيل بنعبد الله منح رئاسة هذه الجهة التي تعد ثالث أغنى جهة بالمغرب إلى عبد اللطيف أوعمو، الذي فقد رئاسة مجلس بلدية تيزنيت لصالح حزب العدالة والتنمية. واشترط بنعبد الله على بنكيران حصوله على هذه الجهة مقابل دعم مدير ديوانه جامع المعتصم للحصول على عمودية مدينة سلا. لكن صلاح الدين مزوار رفض التنازل عن هذه الجهة، معلنا تشبث حزبه بها، لكونه ظل يترأسها منذ سنوات. ويتوفر حزب العدالة والتنمية بهذه الجهة على 23 عضوا، وحزب التجمع الوطني للأحرار على 7 أعضاء، والتقدم والاشتراكية على أربعة مقاعد، في حين لم يحصل حزب الحركة الشعبية بها على أي مقعد.

هل تؤدي الانتخابات الجماعية إلى تحالف كبير بين «البيجيدي» و«البام»؟
تزامنا مع الأزمة التي اندلعت داخل البيت الحكومي، إثر فشل المفاوضات حول اقتسام بعض الجهات والمجالس الجماعية، سارعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إلى تدبيج بلاغ نشره الموقع الرسمي للحزب في منتصف الليل، أعلنت فيه قرار الحزب التحالف مع أحزاب المعارضة، بعدما كانت تعتبر ذلك خطا أحمر.
وفي صباح الغد، بدأت ترد بلاغات واتفاقيات تحمل في «ترويستها» رمز «المصباح» إلى جانب رمز «التراكتور»، ولأول مرة فتح حزب العدالة والتنمية المجال لحزب الأصالة والمعاصرة للحصول على أغلبيات تخول له رئاسة مجالس بالعديد من المدن، ومنها مدن وجماعات لا يتوفر فيها «البام» على مقاعد مهمة.
وهكذا حصلت تحالفات بين أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بالعديد من المدن، حيث تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة لتشكيل المجلس البلدي لمدينة قلعة السراغنة، كما تحالف الحزبان لتشكيل المكتب المسير لبلدية سيدي بنور. وبررت قيادة حزب رئيس الحكومة وضع يدها في يد «البام»، كما تفعل دائما، باستحضار المصلحة العامة للساكنة، وضمانا للانسجام والفعالية التي تلبي طموحات عموم الساكنة. ولم تتدخل الأمانة العامة للحزب لوقف هذه التحالفات، ما يؤكد أنها تمت بموافقتها، مع ما ينسجم مع مذكرة الحزب التي وقعها بنكيران، بعد الإعلان عن النتائج، حيث اشترط ضرورة مصادقة الأمانة العامة على أي تحالف يتم خارج تحالف أحزاب الأغلبية.
كما تحالف «المصباح» مع «الجرار» و«الحمامة» بمدينة ميدلت، لتشكيل المجلس البلدي، بتوقيع ميثاق شرف، جاء فيه أن التحالف في ما بينها مستمر ومتين وأن كل أساليب التشويش المغرضة لن تنال منه، وتم توزيع المناصب بين المكونات على أساس منح رئاسة المجلس لحزب العدالة والتنمية وباقي تشكيلة المكتب تمت بالتراضي والتوافق بين المكونات. وبدت معالم التحالف بين الحزبين بشكل جلي بمدينة الناظور، فرغم توفر مكونات الأغلبية الحكومية على الأغلبية لنيل رئاسة المجلس البلدي، اختار بنكيران وضع يده في يد «البام» وأهداه بلدية الناظور على طبق من ذهب، ما دفع مستشاري الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار إلى تقديم شكاية لزعيمي حزبيهم. ولم يفلح العنصر ومزوار في إقناع بنكيران بفك الارتباط بحزب «البام» وتشكيل تحالف بديل يتكون من العدالة والتنمية والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، خاصة أن حزب الأصالة والمعاصرة يتوفر على 16 عضوا مدعوما بحزب العدالة والتنمية الذي يتوفر على 6 أعضاء، شكلوا أغلبية مكونه من 22 عضوا من أصل 43 عضوا يتكون منهم المجلس، في حين يتوفر حزب الحركة الشعبية على 13 عضوا وحزب التجمع الوطني للأحرار على 8 أعضاء، بما مجموعه 21 عضوا، ما يعني أن مكونات التحالف الحكومي تتوفر على الأغلبية المطلقة لو حافظ حزب العدالة والتنمية على ميثاق التحالف الحكومي.
وبمدينة بركان وببعض مدن الريف والجهة الشرقية، تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة، ضد مرشحي حزب الحركة الشعبية المنتمي للأغلبية الحكومية، واصطف بنكيران إلى جانب حزب «الجرار» لتشكيل مجلس بلدية بركان ومجلس الجماعة الحضرية «شراعة» للإطاحة بمرشحي الحركة الشعبية. كما تحالف الحزب مع حزب الاستقلال بالعديد من المدن، ومنها مدينة جرسيف، على أساس إسناد رئاسة البلدية لحزب الاستقلال ورئاسة المجلس الإقليمي لحزب العدالة والتنمية. وتحالفت أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي بجهة الداخلة- واد الذهب، حيث تم إسناد رئاسة بلدية الداخلة إلى حزب العدالة والتنمية، ورئاسة الجهة إلى حزب الاستقلال. وتحالف «البيجيدي» مع الاستقلال ضد الحركة الشعبية بالمجلس البلدي لمدينة تنغير.

هل ستفجر حمامة تطوان التحالف الحكومي؟

كل الأنظار متوجهة إلى مدينة تطوان، لكونها ستشكل اختبارا حقيقيا للتحالفات الحزبية، وستهدد نتائجها التحالف الحكومي القائم حاليا، لما حملته من متناقضات، لكون أحزاب التحالف الحكومي تتوفر على أغلبية مريحة للحصول على رئاسة المجلس البلدي للمدينة، لكن دخول مرشحين اثنين من أحزاب التحالف بعثر كل الأوراق والحسابات، فتم تشكيل تحالفات هجينة بعيدة كل البعد عن منطق الأغلبية والمعارضة، وهكذا وجد حزب العدالة والتنمية نفسه متحالفا مع حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال لمواجهة مرشح التجمع الوطني للأحرار الذي تحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي.
والغريب في الأمر أن رشيد الطالبي العلمي، أعلن في اليوم الأخير لوضع الترشيحات أنه لن يترشح للتنافس على رئاسة المجلس البلدي لمدينة تطوان، وساهم موقف الطالبي في عودة المفاوضات بين قادة التحالف الحكومي المشكل من العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، حيث تم خلالها الحسم في توزيع الجهات الأربع التي تتوفر فيها مكونات التحالف على الأغلبية، وهي جهة درعة تافيلات التي حصل عليها الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان السابق عن حزب العدالة والتنمية، وجهة فاس مكناس التي سيترشح فيها امحند العنصر، وزير الشباب والرياضة والأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وسيكون في مواجهة قوية مع حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وجهة سوس ماسة، التي ستؤول رئاستها إلى إبراهيم الحافيظي، عن التجمع الوطني للأحرار، وأخيرا جهة الرباط سلا القنيطرة، التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية، ورشح فيها القيادي بالحزب، عبد الصمد السكال.
وعقب توتر العلاقة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، حيث بمجرد إصدار حزب رئيس الحكومة لبلاغ، إثر فشل المفاوضات، أكد فيه حرصه على احترام منطق الأغلبية الحكومية في تحالفاته، وإشراكها ما أمكن في تدبير الجماعات الترابية التي حصل بها الحزب على الأغلبية المطلقة، لكنه في الوقت ذاته، أشار إلى “عدم استبعاد إمكانية التحالف مع باقي الأحزاب الوطنية الراغبة في ذلك”، ورد حزب التجمع الوطني للأحرار ببلاغ مضاد، اعتبر فيه أن احترام إرادة الناخبين مسألة مبدئية والتزام أخلاقي وانضباط لقيم الديمقراطية، وأكد أن المسؤوليات على رأس المدن التي حظيت بأغلبيات مطلقة واضحة، يجب أن تؤول لمن رسى عليه اختيار الناخبين، ونفس المبدأ يجب أن يسري بشكل طبيعي على الجهات، وبالنسبة للجهات التي لم ينل فيها أي طرف من أطراف الائتلاف الحكومي، أغلبية مطلقة، يقترح التجمع الوطني للأحرار، أن تبقى موضع ترتيبات توافقية داخل الائتلاف.
وكانت المفاجأة في اليوم الأخير المخصص لوضع الترشيحات، فقبل 50 دقيقة عن انتهاء المهلة المحددة قانونيا لانتهاء وضع ملفات الترشيح الخاصة برئاسة المجالس الجهوية والجماعية، وضع رشيد الطالبي العلمي، ترشيحه لرئاسة المجلس البلدي لمدينة تطوان، ما خلط أوراق رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وأعاد كل حساباته إلى نقطة الصفر، واتهمت قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب العدالة والتنمية بالإخلال بالالتزامات التي التزم بها أثناء المفاوضات، ومنها عدم ترشيح إدعمار لرئاسة المجلس البلدي، واقتراح شخص آخر مكانه، لكن في المساء، يقول مصدر تجمعي، انقلب حزب العدالة والتنمية وعقد تحالفا مع حزب الأصالة والمعاصرة لتشكيل أغلبية داخل المجلس، وهو ما دفع بالطالبي العلمي إلى تقديم ترشيحه والبحث عن أغلبية جديدة لتشكيل المجلس، ويتوقع العديد من المتتبعون أنه من شأن هذه الانقلابات في التحالفات بين العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار أن تنسف التحالف الحكومي بالعديد من الجهات والمدن أثناء تشكيل المجالس الجهوية والجماعية.
وإثر التطورات التي وقعت في اليوم الأخير من المهلة المحددة لوضع ملفات الترشيح المتعلقة برئاسات مجالس الجهات والمجالس الجماعية، والتي قلبت منطق التحالفات بين الأغلبية والمعارضة، عقد المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، اجتماعا طارئا لتدارس هذه التطورات بعد إخلال حزب العدالة والتنمية بميثاق تحالف أحزاب الأغلبية ولجوءه إلى التحالف مع حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال بالعديد من المدن والجهات، واستغربت قيادة التجمع، منطق الابتزاز غير المباشر الذي يتعرض له التجمع عبر بعض الحملات الإعلامية الموجهة والمجانبة للحقيقة، معتبرة غياب التوافق أو التصرف الأحادي في بعض الحالات التي لم تحصل فيها أغلبيات واضحة مدخلا مشروعا لاتخاذ القرارات المناسبة بكل مسؤولية وروح ديمقراطية، وأكد المكتب السياسي على استمرار التزامه باتفاق الأغلبية في شموليته تماما كما التزمت به باقي الأطراف، وعلى اعتبار الاتفاق بين مكونات الأغلبية الحكومية حول التحالفات، والذي أكد على أولوية الائتلاف الحكومي، وإمكانية الانفتاح على باقي الأطراف السياسية، المنطلق الأساس لتدبير التحالفات وفق ما تمليه نتائج الاقتراع والشروط الموضوعية لكل حالة على حدة.

الزهري: «تحالف «البيجيدي» و«البام» تجربة لائتلاف حكومي بين الحزبين»

الجديد الذي حملته نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، هو انقلاب حزب العدالة والتنمية على حلفائه داخل الحكومة وتحالفه مع حزب الأصالة والمعاصرة، كما حصل بمدينة الناظور، حيث سارع حزب رئيس الحكومة إلى التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، ليحصل مرشح هذا الأخير على رئاسة المجلس البلدي ضد مرشح حزب الحركة الشعبية مدعوما بحزب التجمع الوطني للأحرار.
ولم يفلح الأمين العام لحزب الحركة الشعبية في إقناع رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بالتراجع عن التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة لتشكيل الأغلبية المسيرة لمجلس مدينة الناظور، وأكدت مصادر قيادية من حزب الحركة الشعبية، أن بنكيران وضع يده في يد «البام» وأهداهم بلدية الناظور على طبق من ذهب، في حين تتوفر مكونات التحالف الحكومي على أغلبية مريحة لتسيير المجلس، وأكد سعيد رحموني، المرشح لرئاسة المجلس البلدي عن حزب الحركة الشعبية، أن مستشارين جماعيين من العدالة والتنمية يقودهم البرلماني نور الدين بركاني، تربطهم مصالح شخصية مع مرشح الأصالة والمعاصرة، وقرروا تشكيل تحالف مع «الجرار» لدعمه في الحصول على رئاسة البلدية.
وفي هذا الصدد، يرى حفيظ الزهري، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الانتخابات الأخيرة ليوم 4 شتنبر، نتجت عنها أغلبية وسيطرة للأحزاب الممثلة في البرلمان المتمتعة بدعم الدولة على نتائجها مما جعل التحالف يقتصر على الثمانية في أغلب المدن والقرى في وقت تلعب فيه الأحزاب الصغرى دور المكمل في بعض الحالات النشاز، لكن رغم كل البيانات التي تساقطت كأوراق الخريف من هنا وهناك، سواء من الأغلبية أو المعارضة لم تصمد أمام الطموحات الشخصية لبعض الوكلاء وكسرت كل الخطوط الحمراء التي ظل يطرب مسامعنا بها بعض الزعماء السياسيين، لتصبح بين عشية وضحاها خطوطا بيضاء ناصعة تسمح بتحالف رجعي الأمس بتقدمي اليوم .
وأوضح المتحدث ذاته، أن «ما جادت علينا به قريحة بعض الزعماء السياسيين من تبريرات لبعض التحالفات النشاز يستوجب وقفة تأمل تقتضي دراسة استشراقية للمستقبل السياسي لهذه التحالفات، خصوصا تحالف حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، فهل هو بمثابة تجارب محلية في أفق تجربة وطنية بعد الانتخابات التشريعية لـ 2016 إن لم تكن هناك انتخابات سابقة لأوانها؟»، وأضاف قائلا «إن الخفي في مثل هذا التحالف أقوى مما هو ظاهر وأكبر مما له علاقة بالمحلي، فيمكن اعتباره بمثابة تجارب محلية في أفق تحالف حكومي قادم في الأفق قد يجمع بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية بمعارضة الاستقلال وتجمع اليسار الذي أصبح من المفروض عليه ترميم صفوفه في أفق الوحدة بعد التراجع الكبير الذي عرفه خلال هذه الانتخابات، لتبقى أحزاب الوسط كلاعب المساندة النقدية في أفق ترميم صفوفها».
واعتبر الزهري، أن المسار الديمقراطي الذي اختار فيه المغرب التدرج وعدم التسرع يؤكد الاتجاه نحو القطبية الحزبية وتقليص عدد الأحزاب في المشهد السياسي الجديد والقضاء على ظاهرة البلقنة الحزبية التي ميزت المشهد الحزبي منذ سنوات، مؤكدا أن تحالف العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يعد بمثابة إشارات واضحة لوضع سياسي جديد يقودان من خلاله سفينة الحكومة المقبلة بأريحية وبثنائية فقط بعيدا عن التحالفات متعددة الرؤوس وصعبة التحكم، فيها مرتكزين في ذلك على مدى نجاح التجارب المحلية أو فشلها.

هل تنتهي قصة تحالف بنكيران ومزوار كما بدأت؟

في السياسة ليس هناك أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون كذلك، بل ثمة مصالح مشتركة.. هذا ما جسده بشكل لافت وظاهر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي مد يده إلى عدوه اللدود صلاح الدين مزوار، لإنقاذ حكومته من السقوط بعد انسحاب حزب الاستقلال منها.
فبعد صراع شرس بينه وصلاح الدين مزوار، افتتح خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تبادل فيها الطرفان الكثير من السب والشتم والقذف، ها هما الخصمان المتصارعان في السابق حليفان اليوم ضمن الأغلبية الحكومية، بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة وانضمام حزب مزوار إليها ضمن الأغلبية الجديدة لحكومة بنكيران في نسختها الثانية.
نال رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار صلاح الدين مزوار الكثير من سباب وهجمات بنكيران ، إذ اعتبره تارة لقيطا سياسيا ولد فجأة ليرأس حزبا سياسيا دون أن يملك «شرعية» نضالية و«عقدا» تاريخيا يثبت به سلامة بنوته للسياسة أو للحزب الذي جيء به إليه، حسب تعبير بنكيران. ومواقع التواصل الاجتماعي تشهد على الكثير من مسلسل تلك الخصومة بين الرجلين، وعلى القاموس اللغوي المستعمل فيها والخارج عن قاموس السياسة وبعيدا عن حق التحفظ.
في أوج الصراع بين مزوار وبنكيران في العام 2011، خلال حملة الانتخابات التشريعية، خاطب بنكيران خصمه آنذاك وحليفه الحالي مزوار: «أقول لسي مزوار، غادي ننصحك نصيحة لله، ابتعد عن رئاسة الحكومة راها بزاف عليك.. رئاسة الحكومة باش تدير لفلوس داز وقتها، رئاسة الحكومة ديال الوجاهة داز وقتها، اليوم راه أخويا القضية سخونة وصعيبة، والشعب المغربي قهر الخوف، ويطالب بحقوقه ويريد من يتحدث معه بوضوح وبصراحة، ماشي اللي يتخفى في التلفزيونات»، قبل أن يضيف في مناسبة أخرى موجها كلامه إلى مزوار: «اسمح لي نقول ليك أ السي مزوار كيف المغاربة غادي يتيقوا فيك وهم لم يكونوا يعرفونك حتى للبارح؟ هل سينسون كيف أصبحت رئيسا لحزبك؟ لو كان السي المنصوري نقولو بعدا ممكن، السي المنصوري حيدو ليك إلياس العماري باش تولي أنتا أمين عام ديال الأحرار، لأن المنصوري رفض يطيع إلياس العماري وفؤاد عالي الهمة أكثر من لقياس، منين غادي تجيب الاستقلالية ديال القرار ومنين غادي تجيب القوة لتتحمل مسؤوليتك في رفض التعليمات التي تأتي من أناس يدعون القرب من المحيط الملكي. أنت لا تملك هذه القوة وما عندكش، اسمح ليا ما فيدكش».
كما قال في مناسبة أخرى رادا على أحد تصريحات مزوار: «السي مزوار قال حنا ماشي بحال تونس ومصر ولن نترك الإسلاميين يصلون إلى السلطة. وأنا أقول لسي مزوار: واش هاذ الكلام ديالك بعدا ولا قالوه ليك؟ بنكيران يقول لك: أنت مهزوز سياسيا».
وأيقن بنكيران بدهائه السياسي أن فوز حزبه في تشريعات 2011 مضمون أكثر من أي وقت مضى، لذلك حاول أن يترك منفذا يمكن أن يعود به إلى مزوار في حال احتياجه ذات يوم كحليف، فخطابه قائلا: «خاص المعقول آ السي مزوار، لا انت ولا الناس اللي كيدفعوك، راكم غالطين، بعدوا من هذه الانتخابات راه من مصلحتكم. احنا إذا انتصرتم بطريقة شفافة ونزيهة، أنا غادي نقول ليك من اليوم هنيئا لك، ولكن ما تعولش عليا نكون فالحكومة ديالك، لأنه متصلاحش ليا. منرضاش وماشي في المستوى. إذا كنا حنا في رئاسة الحكومة وبغيتي تولي وزير معنا ممكن نفكر فهذا، وزير ممكن أما رئيس الحكومة غير ممكن».
ورغم أن ردود صلاح الدين مزوار لم تكن بنفس حدة تلك الهجمات المتتالية التي تعرض لها من قبل زعيم «سليط اللسان»، مكتفيا في الغالب بردود اعتبرت هادئة «فيها لغة سياسية»، ولم يصدر عنه نقد يمكن أن يوصف بالقوي، إلا ما كان قد قاله في يوم من الأيام من أن بنكيران «حلايقي»، حيث قال في إشارة منه إلى بنكيران: «كاين السياسي اللي كيتعامل مع السياسة بحال لحلايقي، يقول إذا لم يفز حزبه في الانتخابات بالمرتبة الأولى، راه مكيناش الديمقراطية، عندما تسأله عن البرنامج الاقتصادي ديالو يرد هو النموذج التركي، وكينسا بأن تركيا بلد علماني وحنا دولة مسلمة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى