محمد اليوبي
كشف وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، عن الأضرار الجسيمة التي لحقت الاقتصاد الوطني جراء تداعيات جائحة كورونا، حيث من المنتظر أن يسجل انكماشا متزايدا، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة عجز الميزانية، ما سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع المديونية إلى أرقام قياسية.
وأوضح الوزير، في عرض قدمه، أول أمس الاثنين، أمام مجلسي البرلمان، أن إعداد مشروع قانون المالية يأتي في ظل سياق مضطرب، ويطبعه عدم اليقين جراء استمرار تداعيات الأزمة المرتبطة بجائحة كوفيد 19، حيث شهدت العديد من البلدان، خلال الأشهر الأخيرة، بروز موجة جديدة من الوباء وخاصة لدى بعض الشركاء الأوروبيين، مما اضطر هذه البلدان إلى اتخاذ تدابير وقائية أثرت على وتيرة استعادة النشاط الاقتصادي، وكنتيجة لذلك من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الأوروبي انكماشا بـ 8,3% سنة 2020. وأشار الوزير إلى أنه بالنظر لارتباط مجموعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية في بلادنا بالطلب الخارجي، فإن مساهمتها في الناتج الداخلي الخام تأثرت بشكل كبير، كما أن التطورات الأخيرة للجائحة، والقرارات المتخذة لاحتواء آثارها الصحية في ظل الارتفاع المقلق لكل المؤشرات المرتبطة بها على المستوى الوطني، فاقمت من أزمة هذه القطاعات، وهكذا من المنتظر أن تتراجع القيمة المضافة لقطاع السياحة بحوالي %50، وقطاع النقل بـ12%، وقطاع التجارة بـ9,1%..
وأضاف الوزير أنه كنتيجة لذلك، وأخذا بعين الاعتبار الأثر الناتج عن سنة فلاحية جافة، من المنتظر أن يتزايد انكماش الاقتصاد الوطني نسبيا برسم سنة 2020، لينتقل من ناقص %5 المتوقعة في إطار قانون المالية المعدل إلى ناقص 5,8%، وفي نفس السياق، ستتأثر التوازنات الماكرو-اقتصادية بشكل كبير، حيث إن عجز الخزينة سيصل إلى %7,5 ، وكنتيجة مباشرة لذلك سيرتفع معدل المديونية ليبلغ 76%.
وأكد الوزير أن هذه الأرقام تعكس حجم الضرر الذي تكبده الاقتصاد الوطني جراء هذه الجائحة، وكذا التدابير التي تم اتخاذها لمواجهتها، كما تعكس الضغط الكبير الذي أحدثته على مستوى التوازنات المالية والخارجية في ظل تراجع موارد الميزانية العامة للدولة، وتراجع مداخيل السياحة، والاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى تفعيل الأوراش الإصلاحية المتعلقة بخطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وتعميم التغطية الاجتماعية، وإصلاح القطاع العام، سيمكن في الوقت نفسه من الحد من الآثار السلبية لأزمة جائحة كورونا، ومن استشراف آفاق واعدة لبناء اقتصاد قوي وأكثر إدماجا لمختلف الفئات الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، قال بنشعبون إنه من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني انتعاشا بنسبة زائد 4,8 في المائة، أخذا بعين الاعتبار سيناريو تعافي الاقتصاد العالمي كما حدده صندوق النقد الدولي خاصة في منطقة الأورو، واعتمادا على فرضية محصول للحبوب في حدود 70 مليون قنطار، وسعر غاز البوطان بمعدل 350 دولارا للطن، كما تعتزم الحكومة، يضيف المسؤول الحكومي، الانخراط في مسار تقليص عجز الخزينة انطلاقا من سنة 2021، في أفق تحقيق استقرار مستوى المديونية، وذلك من خلال العمل على تطوير الموارد، بالاعتماد على آليات التمويل المبتكرة في إطار الشراكة المؤسساتية التي ستمكن من تحصيل 14 مليار درهم، إضافة إلى التدبير النشيط للمحفظة العمومية من خلال تفويت الأصول ومواصلة عملية الخوصصة، مما سيمكن من ضخ حوالي 10 ملايير درهم في ميزانية الدولة. كما سيتم الحرص، في المقابل، على عقلنة نفقات التسيير العادي للإدارة، وبناء على ذلك، يقول الوزير، من المتوقع أن يتم تقليص عجز الخزينة برسم السنة المالية 2021 إلى 6,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 7,5 برسم قانون المالية المعدل للسنة المالية 2020.
من جهة أخرى، قال الوزير إن التأسيس لمثالية الدولة وعقلنة تدبيرها يشكل أحد مرتكزات مشروع قانون المالية لسنة 2021، موضحا أن الحكومة ستحرص على الإسراع بتفعيل التوجيهات الملكية السامية بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية.
وتم في هذا الإطار، يتابع الوزير، إعداد مشروعي قانونين يتعلق الأول بإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية، ويخص الثاني إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية من خلال التنصيص خاصة على تصفية تلك التي لم تعد تحقق الغاية المرجوة منها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتجميع بعضها بهدف تحسين مردوديتها وتجانسها وعقلنة تدبيرها، مسجلا أن هذا الإصلاح سيمكن من توفير هوامش مالية يجدر توجيهها لمجالات ذات نفع اقتصادي واجتماعي أكبر.
وأضاف أن الحكومة ستعمل، وفق المنظور ذاته، على مواصلة إصلاح الإدارة من خلال تنزيل مقتضيات القانون المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، الذي يهدف إلى تقوية أواصر الثقة بين الإدارة والمرتفقين خاصة من خلال تأطير معالجة ملفاتهم وطلباتهم بآجال قصوى، فضلا عن تسريع ورش رقمنة الإدارة، وما يرافق ذلك من تكريس للشفافية والفعالية في تقديم الخدمات للمواطنين والمستثمرين، مشيرا إلى أنه سيتم تكثيف الجهود في ما يتعلق بالتنزيل السريع لميثاق اللاتمركز الإداري لتعزيز النجاعة في اتخاذ القرار على المستوى المحلي، وتعزيز آليات المواكبة لتنزيل الجهوية، وتمكين الجهات من ممارسة اختصاصاتها.
وسجل الوزير أن الرهانات والتحديات التي أطرت إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2021، هي نفسها التي ستؤطر «عملنا في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمالية على مدى السنوات المقبلة»، لافتا إلى أن هذه الرهانات تفرضها من جهة حتمية مواجهة التطورات المتسارعة والمقلقة لجائحة فيروس كورونا، وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومن جهة أخرى، ضرورة التأسيس للمستقبل عبر معالجة الاختلالات ومظاهر العجز التي أبانت عنها الأزمة، والانكباب على تفعيل الإصلاحات الكبرى.
وتوجه الوزير إلى كل الفاعلين الاقتصاديين، وأرباب الشركات الكبرى والمتوسطة وكذا الصغرى، وإلى كل مساهم في الاقتصاد الوطني، بالقول إن «الدولة سخرت إمكانيات وآليات غير مسبوقة لمواكبة حاجيات الاقتصاد الوطني في ظل هذه الجائحة، وذلك حتى نضمن استمرار دوران عجلة الاقتصاد الوطني، ونتمكن من الحفاظ على مناصب الشغل»، مشيرا إلى أنه سيتم العمل في الأسابيع القليلة القادمة على التسريع بتفعيل التعليمات الملكية السامية من أجل تحفيز الاستثمار، وخاصة عبر صندوق محمد السادس للاستثمار.