محمد اليوبي
كشف محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أمام أعضاء مجلس النواب، عن شروع مصالح وزارته في إعداد مشروع قانون يمنع تضارب المصالح، وذلك لمحاصرة الفساد داخل القطاع العام، ومن المنتظر أن يكون المشروع جاهزا في الأسابيع القليلة المقبلة لإحالته على البرلمان للمصادقة عليه خلال الدورة التشريعية الخريفية.
وقف تضارب المصالح
أوضح بنشعبون، أثناء مناقشة مشروع قانون رقم 46.19 يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، المنعقد أول أمس الثلاثاء، أنه لوقف تضارب المصالح في المغرب سيتم الإعداد لمشروع قانون، ويرتقب أن يعرض خلال الدورة الخريفية القادمة، وقال بنشعبون إن مشروع القانون المتعلق بمنع تضارب المصالح، الذي اعتبره وجها من أوجه الفساد، يحدد بشكل دقيق المفهوم الواسع لتضارب المصالح ويتطرق لمسطرة التصريح المتعلقة بتضارب المصالح. واستغرب الوزير غياب إعمال هذه المسطرة في المرفق العام فيما هي إجراء عادي ومعمول به في القطاع الخاص وتسيير الشركات المجهولة، وأشار الوزير إلى أن المشروع سيتطرق لمسطرة التصريح بتضارب المصالح، وهو أمر كان معمولا به في القطاع الخاص، موضحا أنه في القطاع الخاص «لا يمكن لرئيس شركة أو بنك أن يشتري الأسهم أو التوفر على المعلومة، باعتباره يدخل في تضارب المصالح».
ودعا بنشعبون النواب البرلمانيين إلى التسريع بالمصادقة على مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية، وذلك لتفعيل عملها في أقرب الآجال، مؤكدا أن المغاربة ينتظرون شروع الهيئة في عملها الرقابي والتصدي للرشوة كوجه من أوجه الفساد.
ويندرج مشروع القانون في إطار تنزيل أحكام الدستور وخاصة الفصل 167 منه، وذلك من خلال تعزيز موقع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها كمؤسسة وطنية للحكامة، والتي تضطلع بمهامها، في إطار من التعاون والتكامل والتنسيق المؤسسي والوظيفي، مع السلطات والمؤسسات والهيئات الأخرى المعتبرة ضمن المنظومة الوطنية المعنية بمكافحة الفساد، كما يندرج في سياق تأهيل الهيئة للنهوض بالمهام الملقاة على عاتقها، سواء في نشر قيم النزاهة والشفافية والوقاية من الرشوة، أو في مجال الإسهام في مكافحة الفساد.
ويتضمن المشروع مقتضيات جديدة تهدف، بصفة أساسية، إلى توسيع نطاق مهام الهيئة، ومراجعة آليات اشتغالها وقواعد تنظيم عملها ونظام حكامتها، وذلك بغية تحقيق درجة النجاعة والفعالية المطلوبة في عملها، وتوطيد الجهود التي تبذلها الدولة من خلال الأدوار المسندة لعدد من السلطات والهيئات لمواجهة ظاهرة الفساد بكل تجلياته، والعمل على محاصرتها بالوسائل الوقائية والردعية المتاحة.
ومن أهم المستجدات الواردة في المشروع، توسيع مفهوم الفساد، وينص القانون على أن المهام الجديدة الموكولة للهيئة في مجال مكافحة الفساد، تتمثل في إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه وتطبيقاته، حتى يكون مفهوم الفساد شاملا لجريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، بدل حصر مفهوم الفساد في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر، كما ينص على ذلك القانون الحالي للهيئة، كما يشمل مفهوم الفساد أيضا المخالفات الإدارية والمالية، التي تشكل سلوكات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.
أنواع أفعال الفساد
يميز مشروع القانون بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة وهما، الأفعال التي تشكل جرائم بطبيعتها، حيث عناصرها الجرمية واضحة، تحيلها الهيئة إلى النيابة العامة المختصة، ثم الأفعال التي تشكل مخالفات إدارية ومالية تكتسي طابعا خاصا يتنافى مع مبادئ التخليق والحكامة الجيدة وحسن تدبير الأموال العمومية، دون أن ترقى إلى درجة تكييفها جرائم قائمة بذاتها، ولكونها تعتبر مخالفات مهنية بالأساس، فإنها في حال ثبوتها تؤدي إلى متابعة تأديبية في حق مرتكبها وتوقيع عقوبات إدارية أو مالية في شأنها، مع تمكين الهيئة من إجراء أبحاث وتحريات وإعداد تقارير تحيلها على السلطات والهيئات المختصة، بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية حسب الحالة.
ومنح المشروع للهيئة مجموعة من الصلاحيات الجديدة، نتيجة توسيع مفهوم الفساد، وتتمثل هذه الصلاحيات في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات في شأن حالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الوقائع المضمنة بها من خلال القيام بعمليات البحث والتحري، عبر إجراءات ميدانية تتجسد في الصلاحيات المخولة لمأموري الهيئة، من أهمها الدخول إلى مقرات الأشخاص الخاضعين للقانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص وطلب الوثائق والمستندات والاستماع للأشخاص المعنيين، كما يتيح المشروع للهيئة وضع يدها على حالات الفساد التي تصل إلى علمها تلقائيا ودون أن تكون مقيدة بوجود شكاية أو تبليغ، كما يمكن المشروع الهيئة من التنصيب مطالبة بالحق المدني في القضايا المتعلقة بالفساد المعروضة على القضاء في حالة عدم تقديم الوكيل القضائي للمملكة لمطالبه المدنية نيابة عن الدولة داخل أجل ثلاثة أشهر، وذلك بغرض تمكين الهيئة من تتبع قضايا الفساد المعروضة على القضاء.
وعلاوة على ذلك، فقد منح مشروع القانون الهيئة أيضا اختصاصا جديدا يتمثل في إمكانية قيامها، بطلب من السلطات العمومية، بإجراء تحقيقات إدارية في وقائع خاصة تتضمن مؤشرات حول شبهة وجود فساد وإعداد تقرير بشأنها، وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به الهيئة من استقلالية، وهذا الاختصاص يكتسي طابعا نوعيا سيمكن الدولة من التوفر على آلية موازية ومستقلة للبحث والتحري والتحقيق في القضايا التي لا تكتسي طابعا جرميا ولكن شبهة الفساد قد تحوم بشأنها.