شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بندقية أرخص من الخبز

 

 

يونس جنوحي

الأربعاء الماضي، نشرت الـ «فورين بوليسي» مقالا بعنوان: «طالبان صاروا الآن تُجار سلاح».

المقال موقع من طرف الصحافية والكاتبة الأسترالية «لين أودونيل»، وهي المعروفة بعمودها في المجلة وكتاباتها حول الأوضاع في شرق آسيا.

المقال يحكي، بطريقة «السيناريو» كيف أن القوات الأمريكية عند انسحابها من أفغانستان قبل عامين، تركت خلفها أسلحة يتم استغلالها الآن في بؤر التوتر التي يُقتل فيها حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الآن.

باعة السلاح، الذين حصلوا مسبقا على موافقة طالبان، يعرضون الأسلحة الأوتوماتيكية الأمريكية للبيع إلى جانب أسلحة من روسيا وباكستان، الصين وتركيا والنمسا.

تقول الكاتبة إن «تجارة مثل الإرهاب، تزدهر فعلا».

لم يقف المقال عند هذا الحد، بل فصّل في نوع الأسلحة التي تركها الأمريكيون خلفهم، والتي يبيعها حلفاء طالبان الآن للجماعات المتطرفة حول العالم. يتعلق الأمر بكميات من الرشاشات الأوتوماتيكية المتطورة التي يصل سعر الواحدة منها في السوق العالمية إلى أزيد من 2400 دولار للرشاش الواحد. في حين أن سلاحا باكستانيا من نوع Ak-47، واسع الانتشار حول العالم، لا يتجاوز سعره في سوق طالبان مبلغ 130 دولارا للبندقية الواحدة.

وهذا المثال كاف جدا لتوضيح قيمة الأسلحة التي تركها الأمريكيون خلفهم في أفغانستان، لكي تسقط في يد طالبان.

طالبان تشتغل في معقل انتشار تجارة الأفيون ومخدر «الميث» القوي، والآن ينضاف إلى هذه الأنشطة، تهريب الأسلحة وبيعها في السوق السوداء لمن يدفع أكثر.

كيف انقلب السحر على الأمريكيين ووصلت أسلحتهم إلى يد الأطراف التي تُحارب الولايات المتحدة؟

إذ أن قرار التخلي عن كميات من الأسلحة لا يمكن أن يُتخذ سهوا، أو يُترك للصدفة، ولا بد أن جهات في الجيش الأمريكي في أفغانستان، قد قررت ترك الأسلحة بتلك الطريقة.

هذه الأسلحة الأمريكية يستعملها الآن انفصاليو منطقة بلوشستان المضطربة، حسب المقال دائما، في قتل رجال الشرطة والجيش على الحدود. واستغرب محللون عسكريون كيف أن هذه الأسلحة الأمريكية وصلت إلى أيادي الانفصاليين بتلك الطريقة.

هذه الأسلحة أتاحت للانفصاليين الذين كانوا يملكون في أفضل حالاتهم بنادق لا تصلح حتى لصيد الخنازير البرية، تكنولوجيا أمريكية متطورة تُمكن مستعملها من الرؤية بوضوح ليلا، وإسقاط الأهداف من على بعد مئات الأمتار.

وهؤلاء الانفصاليون حصلوا على التجهيزات الأمريكية التي تُتيح الرؤية الليلية، بمبالغ تتراوح ما بين 500 وألف دولار للجهاز الواحد. وهو مبلغ بسيط جدا، في السوق السوداء، مقارنة مع التكلفة الحقيقية لهذه الأجهزة.

تزامن هذا المقال مع نقاش أثاره فيلم وثائقي جديد، من إنتاج أفغاني هذه المرة، عنوانه «ثلا أغنيات»، يحكي قصة شاب أفغاني، رافقته الكاميرا لأربع سنوات. تزوج وحملت زوجته التي لم تبلغ الثامنة عشرة بعدُ، وأراد الالتحاق بالجيش الأفغاني لكن عائلته رفضت التوقيع له على وثيقة الموافقة العشائرية للالتحاق بالتدريب العسكري، مخافة أن يطال العائلة انتقام طالبان.

العائلة نصحت الشاب، بما أنه صار رب أسرة وينتظر مولودا خلال أيام، أن يشتغل في زراعة الأفيون والخشخاش، بدل أن يلتحق بالجيش الأفغاني لمواجهة متطرفي طالبان.

والنتيجة أن الشاب سقط في شباك الإدمان وتدهورت حالته، وصورت الكاميرا وضعيته المزرية في مركز بسيط لعلاج الإدمان من تعاطي الأفيون، أسوأ مخدر على الأرض، ولقاءه بزوجته التي جاءت لزيارته ومعها طفلها الذي صار عمره أربع سنوات.

هذا الشاب الأفغاني لم يكن في الحقيقة سوى إحالة ذكية على وضع بلد بأكمله وليس قصة شاب أفغاني فقط. بدل الانخراط في نهضة سياسية واقتصادية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية، ها هم الأفغان مُمزقون بين تجار المخدرات، على اعتبار أفغانستان أول مصدر للمخدرات في العالم، وبين تجار السلاح، حتى صارت بندقية أوتوماتيكية واحدة أرخص من الرغيف.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى