شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسي

“بلوكاج” المصادقة على قوانين التعليم والأمازيغية.. هذه كواليس حرب اللغات داخل الحكومة

اندلعت حرب اللغات داخل الأغلبية الحكومية، ونتج عنها «بلوكاج» داخل لجنة التعليم والاتصال بمجلس النواب، وعرقلة مسطرة المصادقة على ثلاثة قوانين مهمة ذات طابع استراتيجي، ويتعلق الأمر بالقانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، والقانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. ويتجلى محور الخلاف حول هذه القوانين الثلاثة كلها في اللغات، دون الحديث عن تجاهل الحكومة السابقة والحالية لهذه القوانين التي وضعتها في ذيل مخططها التشريعي.

انتقلت الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية إلى المؤسسة البرلمانية، ما انعكس بشكل كبير على سير العمل التشريعي داخل البرلمان، وكان من نتائجها عدم المصادقة على قوانين مهمة تهم الملايين من المغاربة، وعلى رأسها القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، الذي كان مبرمجا خلال الدورة التشريعية السابقة والدورة الاستثنائية، لكن الخلافات بين مكونات التحالف الحكومي تسببت في تأجيل اجتماع لجنة التعليم والاتصال إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد اعتراض فريق حزب العدالة والتنمية على تدريس المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية. واندلعت أزمة أخرى بسبب الخلافات حول التعديلات المقترحة على مشروع القانوني التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذلك مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

حرب اللغات

لم يفلح زعماء أحزاب الأغلبية في احتواء الوضع، وإيجاد حل توافقي للأزمة التي اندلعت داخل الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب، بخصوص تقديم التعديلات على مشاريع قوانين مهمة، بعد بروز خلافات عميقة حول اعتماد حرف «تيفيناغ» في كتابة اللغة الأمازيغية، أثناء مناقشة القانون التنظيمي للأمازيغية، والقانون الإطار المتعلق بالتربية والتعليم، والقانون المنظم للمجلس الأعلى للغات والثقافة، حيث فشلت فرق الأغلبية في تقديم تعديلات مشتركة على هذه القوانين المعروضة على لجنة التعليم والثقافة والاتصال، ما أدى إلى تعطيل وعرقلة مسطرة المصادقة على هذا القوانين.

وتحولت قضية إصلاح التعليم إلى موضوع للمزايدات السياسية والإيديولوجية وتصفية الحسابات داخل مكونات الأغلبية الحكومية وداخل حتى حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، وذلك على حساب مصلحة الملايين من أبناء المغاربة الذين يراهنون على إخراج القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، لإنقاذ التعليم من أزمته. والمتتبع للجدل العقيم حول هذا القانون، والذي تم اختزاله في اللغات الأجنبية، يخرج بخلاصة مفادها أن الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عن هموم المواطنين ومصلحة الوطن، خاصة أن التعليم يشكل قضية وطنية ثانية بعد قضية الوحدة الترابية، كما أن مبادرة وضع القانون الإطار جاءت تنفيذا لتوجيهات الملك محمد السادس، في خطاب العرش لسنة 2015، الداعية إلى صياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون-إطار يحدد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم على المدى البعيد، كما يعد هذا القانون من أبرز المحطات التي اقترحتها الرؤية لإضفاء المشروعية القانونية، والانسجام المؤسساتي والمصداقية السياسية على الإصلاح التربوي المنشود في أفق سنة 2030، لكون هذا القانون يشكل ضمانة أساسية لتحصين الإصلاح من أي تراجع أو تعثر أو تردد، والآن، بعد مرور ثلاث سنوات، تم هدر زمن ثمين في سجال عقيم.

وأحالت الحكومة مشروع القانون الإطار المتعلق بإصلاح التربية والتكوين على مجلس النواب، من أجل دراسته خلال الدورة التشريعية السابقة، وأثار هذا القانون الكثير من الجدل، وتمكن نواب فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب من عرقلة اجتماعات لجنة التعليم والاتصال بمجلس النواب، التي كانت مخصصة للمصادقة على القانون، وهو مشروع استراتيجي يحظى بأهمية كبرى من طرف الملك محمد السادس، وذلك بسبب انسحابهم من اجتماعات اللجنة، احتجاجا على رفض فرق برلمانية أخرى تقديم تعديلات مشتركة على المادة 31 المثيرة للجدل، والتي تنص على تدريس بعض المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية، في حين يطالب حزب «البيجيدي» ومعه حزب الاستقلال، بتعديل هذه المادة، من خلال التنصيص بطريقة فضفاضة على إمكانية تدريس بعض المضامين في بعض المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية، وهو ما رفضته الفرق البرلمانية الأخرى من الأغلبية والمعارضة.

«بلوكاج» داخل البرلمان

بعد توقف مناقشة القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بسبب انقلاب فريق حزب العدالة والتنمية على التعديلات المتوافق بشأنها بين جميع الفرق البرلمانية، تعرف اللجنة «بلوكاج» جديدا يهدد مسطرة المصادقة على مشروع قانون تنظيمي رقم 26.16 يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وكذلك مشروع قانون تنظيمي رقم 04.16 يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

وعلى غرار قانون التعليم، تم تشكيل لجنة فرعية للتوافق حول التعديلات المقترحة من طرف الفرق البرلمانية على هذين القانونين، لكن بعد انعقاد أول اجتماع للجنة، برزت خلافات بين مكونات الأغلبية الحكومية حول العديد من التعديلات المقترحة، ما دفع بفريقي حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة إلى إعلان انسحابهما من اللجنة، ومطالبتهما باعتماد المسطرة التشريعية المعمول بها للمصادقة على المشروعين، بتقديم كل فريق لتعديلاته وإخضاعها لعملية التصويت داخل اللجنة البرلمانية وفي الجلسة التشريعية.

وأكد فريق «البام»، في بلاغ أصدره عقب الانسحاب، أن تجربة الاشتغال من داخل اللجنة الفرعية أبانت من خلال تعاطيها مع تعديلات مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، عن فشلها في بلوغ الهدف الأساسي، المتمثل في تحقيق توافق حول قانون ذي بعد استراتيجي يهم كل المغاربة، بعد تراجع الحزب الأغلبي في ظل غياب المبررات والمسوغات الكافية عن النتائج التوافقية المحصل عليها داخل اللجنة إزاء جملة من القضايا الخلافية. واعتبر الفريق أن مواصلة العمل بالآلية نفسها، في غياب انسجام بين مكونات الأغلبية قد ييسر عملية التوافق، هو شكل من أشكال تبديد مزيد من الزمن التشريعي لقانونين حيويين فاق تأجيل البت فيهما كل تصور من قبل مكونات الأغلبية، وبقي حبيس هذه اللجنة ما يقرب ثلاث سنوات. وحمل الفريق المسؤولية للأغلبية الحكومية في تأخر إخراج القوانين الثلاثة وتعطيل المصادقة عليها، وطالب بعقد اجتماع عاجل للجنة من أجل استكمال مسطرة التصويت والبت في مشروع قانون التعليم.

ومن جهته، أصدر الفريق الاستقلالي بلاغا حمل من خلاله المسؤولية للأغلبية الحكومية في تعطيل المصادقة على هذه النصوص القانونية المهمة، ضدا على أحكام وروح الدستور، وانتظارات الشعب المغربي، ودعا إلى العودة السريعة للمسطرة التشريعية العادية بدل البحث عن توافقات مستحيلة المنال بين مكونات الأغلبية الحكومية، مشيرا إلى أن الفريق الاستقلالي سبق أن تقدم بتعديلاته داخل الآجال القانونية التي حددها مكتب اللجنة منذ 22 يونيو 2018، في الوقت الذي تخلفت الأغلبية النيابية عن تقديم تعديلاتها نتيجة خلافات معلنة بينها حول مشروعي القانونين التنظيميين، الأمر الذي أدى إلى تعطيل المصادقة عليهما.

وفشلت فرق الأغلبية في تقديم تعديلات مشتركة حول قانون الأمازيغية المعروض للدراسة على لجنة المالية والتعليم، بعد خلافات عميقة حول التنصيص على اعتماد حرف «تيفيناغ» لكتابة اللغة الأمازيغية، ما دفع بفريق العدالة والتنمية، الذي يطالب بكتابة الأمازيغية باللغة العربية، إلى تقديم تعديلاته بشكل مستقل عن باقي فرق الأغلبية، فيما قدمت فرق التجمع الدستوري، والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، تعديلات مشتركة، بعد انسحاب مجموعة التقدم والاشتراكية التي قدمت كذلك تعديلات بشكل انفرادي، ولم تفلح الاجتماعات التي عقدها رؤساء فرق الأغلبية في التوصل إلى توافق حول تعديلات مشتركة، ما ينذر بحدوث انقسام في صفوف الأغلبية أثناء التصويت على القانون.

مجلس التعليم يوصي باللغات

اعتبارا للأهمية الخاصة للغات في تحسين جودة التعليم، وفي النجاح الدراسي، وفي المردودية الداخلية والخارجية للمدرسة، وفي النهوض بالبحث وفي تحقيق الاندماج، فإن الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، جعلت منها رافعة قائمة بذاتها، مع استحضار ارتباطها العضوي بالنموذج البيداغوجي. ويعتبر المجلس أن تحديد وضع كل لغة على حدة داخل المدرسة بوضوح، يعد عاملا حاسما في تطوير تدريس اللغات والتدريس بها، ومن ثم تحقيق التكامل في ما بينها، وكذا الانسجام بين المكونات القطاعية للمنظومة. ومن هذا المنظور، حث المجلس على مراعاة عدة اعتبارات، أهمها اعتبار اللغة العربية لغة رسمية للدولة ولغة معتمدة في تدبير الشأن العام، ومقوما أساسيا من مقومات الهوية المغربية واللغة الأساس والأولى للتمدرس، كما تحضر اللغة الأمازيغية، وهي أيضا لغة رسمية للدولة، بوصفها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، ولغة مدرجة في المدرسة منذ 2003، يتعين تطوير وضعها في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع مقتضيات الدستور.

أما بشأن اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، فإن رؤية المجلس الأعلى للتربية والتكوين حثت على ضرورة الانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر، ما يتعين معه تنمية تدريسها وتعلمها في أسلاك التعليم والتكوين، وكذا توظيف المقاربات البيداغوجية الكفيلة بتعلمها المبكر، وانطلاقا من ذلك وضع المجلس هندسة لغوية تتوخى تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في التمكن من اللغات، فهما وشفهيا وقراءة وكتابة وتعبيرا، ومن ثم جودة التعلمات.

ومن بين أهداف الرؤية الاستراتيجية، جعل المتعلم عند نهاية التعليم الثانية التأهيلي (الباكالوريا) متمكنا من اللغة العربية، وقادرا على التواصل باللغة الأمازيغية، متقنا للغتين أجنبيتين على الأقل، وذلك ضمن مقاربة متدرجة تنتقل من الازدواجية اللغوية (العربية+ لغة أجنبية) إلى التعدد اللغوي (العربية+ لغتين أجنبيتين أو أكثر)، مع إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة. وأوصت الرؤية باعتماد اللغة العربية لغة التدريس بالأساس، ويتم تفعيل مبدأ التناوب اللغوي بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين أو المجزوءات باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى القريب، وفي التعليم الإعدادي على المدى المتوسط، وباللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى المتوسط.

وتنتظم الهندسة اللغوية المقترحة، حسب الأسلاك التعليمية والتكوينية والتي ينبغي الشروع في تطبيقها ابتداء من المدى القريب، وخلال المديين المتوسط والبعيد، من خلال استثمار المكتسبات اللغوية والثقافية الأولية للطفل في التعليم الأولي، وإدراج اللغة العربية واللغة الفرنسية، والتركيز على التواصل الشفهي انسجاما مع طبيعة هذا المستوى من التعليم. أما في التعليم الابتدائي، فتنص الرؤية على إلزامية اللغة العربية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرَّسة ولغة تدريس جميع المواد، وإلزامية اللغة الأمازيغية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرّسة؛ مع التركيز على الكفايات التواصلية في السنتين الأولى والثانية، وإدراج الاستعمال الكتابي في ما تبقى من هذا السلك؛ على أن يتم بالتدرج، تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الإعدادي في أفق تعميمها في باقي المستويات التعليمية، وإلزامية اللغة الفرنسية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرّسة، وإدراج اللغة الإنجليزية في السنة الرابعة في أفق نهاية العشر سنوات الجارية؛ هذا المدى يسمح باستكمال توفير المدرسين والعدة البيداغوجية اللازمة لذلك في مستوى الابتدائي.

وفي التعليم الإعدادي، تحث الرؤية على إلزامية اللغة العربية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرَّسة؛ ولغة التدريس الأساسية، وتعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالتدرج، وإلزامية اللغة الفرنسية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرَّسة، كما يتم، على المدى المتوسط، إدراجها لغة لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات، وإلزامية اللغة الإنجليزية في مستويات هذا السلك كافة بوصفها لغة مُدَرَّسة، والشروع في تطبيق هذا الاختيار في المدى القريب، وتعميمه في المدى المتوسط.

وفي التعليم الثانوي التأهيلي، دعت الرؤية إلى إلزامية اللغة العربية؛ بوصفها لغة مُدرسة؛ ولغة التدريس الأساس، وتعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالتدرج، وإلزامية اللغة الفرنسية، بوصفها لغة مُدرسة. كما يتم إدراجها لغة لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات في المدى القريب، وإلزامية اللغة الإنجليزية بوصفها لغة مُدرسة. كما يتم إدراجها لغة لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات على المدى المتوسط، وإحداث شُعب متخصصة في اللغات وآدابها وثقافاتها وحضارتها، وإدراج لغة أجنبية إلزامية ثالثة على سبيل الاختيار، لاسيما اللغة الإسبانية، مع مراعاة الخصوصيات والحاجيات الجهوية من اللغات.

أما على مستوى التعليم العالي، فتؤكد الرؤية على ضمان تنويع الخيارات اللغوية في المسالك والتخصصات والتكوينات والبحث، وفتح مسارات لمتابعة الدراسة باللغات: العربية؛ الفرنسية؛ الإنجليزية؛ الإسبانية في إطار استقلالية الجامعات، وحاجات التكوين والبحث لديها، ومراعاة متطلبات الجهوية، وتشجيع البحث العلمي والتقني بمختلف تخصصاته باللغة الإنجليزية، وإحداث مسالك تكوينية ووحدات للبحث المتخصص في اللغتين العربية والأمازيغية، وفي اللغات الأجنبية، مع إدراج التكوين في كفايات التواصل بالعربية وبالأمازيغية في مؤسسات تكوين الأطر، وإدراج وحدة مدرسة باللغة العربية في المسالك المدرسة باللغات الأجنبية في التعليم العالي، بالنسبة للمغاربة.

اللغات في قانون التربية والتكوين المعروض على البرلما

يستند القانون إلى توصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي أقرها الملك محمد السادس، والداعية إلى تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانون – إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع، ويلتزم الجميع بتفعيل مقتضياته اعتبارا لأهمية ومكانة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في تحقيق المشروع المجتمعي لبلادنا، ونظرا للأدوار المنوطة بها في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة، وضمان الحق في التربية للجميع، بما يجعلها في صدارة الأولويات الوطنية، واعتبارا لالتقاء إرادات مختلف مكونات الأمة، دولة ومجتمعا، من أجل تمكين المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي من ترصيد مكتسباتها وتجاوز اختلالاتها الحالية وضمان إصلاحها الشامل كي تضطلع بأدوارها على النحو الأمثل، ونظرا لكون التنصيص على مبادئ وتوجيهات وأهداف إصلاح المنظومة في قانون- إطار، من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل لمستلزماته، ويؤمن استمراريته، باعتباره مرجعية تشريعية ملزمة في اتخاذ النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لبلورة الأهداف والتوجيهات والمبادئ.

وتنص المادة 31 المثيرة للجدل كما وردت في القانون، على أنه تحدد الهندسة اللغوية المعتمدة عناصر السياسة اللغوية المتبعة في مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها، من خلال إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة والهادف إلى ترسيخ الهوية الوطنية، وتمكين المتعلم من اكتساب المعارف والكفايات، وتحقيق انفتاحه على محيطه المحلي والكوني، وضمان اندماجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي، وتمكين المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية، ولاسيما في التخصصات العلمية والتقنية، مع مراعاة مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص. وتنص المادة على اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع أحكام الدستور، باعتبارها لغة رسمية للدولة، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، وإرساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة تهدف إلى جعل المتعلم الحاصل على الباكالوريا متقنا للغة العربية، قادرا على التواصل بالأمازيغية، ومتمكنا من لغتين أجنبيتين على الأقل.

وينص القانون على إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد، ولاسيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية، والعمل على تهيئة المتعلمين من أجل تمكينهم من إتقان اللغات الأجنبية في سن مبكرة، وتأهيلهم قصد التملك الوظيفي لهذه اللغات، وذلك خلال أجل أقصاه ست سنوات ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون- الإطار حيز التنفيذ. ويدرج التكوين باللغة الإنجليزية في تخصصات وشعب التكوين المهني، إلى جانب اللغات المعتمدة في التكوين، والاعتماد المبكر على التوجيه والإرشاد في الميادين التي يمكن فيها للمتعلمين إحراز التقدم المدرسي والمهني والجامعي الملائم لميولهم وقدراتهم.

هذا ما قاله بنكيران عن حرف «تيفيناغ»

في أحد المهرجانات الخطابية، بمناسبة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بمدينة سلا، خلال الانتخابات التشريعية، أثار عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب، قضية الحرف الأمازيغي، وقال في كلمته، إنه أثناء مناقشة القوانين التنظيمية لترسيم اللغة الأمازيغية، سنحسم في الحرف الذي ستكتب به اللغة الأمازيغية، هل ستكون بالحروف مثل «الشينوية» في إشارة إلى حرف «تيفيناغ» المعتمد رسميا من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أم بالحروف العربية. وشرع بنكيران يقرأ لافتة في المهرجان مكتوبة باللغة الأمازيغية لكن بالحرف العربي، وقال إذا كانت هذه اللافتة مكتوبة بحروف «التيفيناغ»، أتحدى عبد الله باها أن يقرأها رغم أنه أمازيغي، وإذا قرأها، قال بنكيران، «سأقدم استقالتي من الحزب».

واعتبر بنكيران الأمازيغية المكتوبة بالحروف العربية هي «الشلحة ديال المعقول، أما الأمازيغية الأخرى الله أعلم أصحابها شنو باغيين»، مؤكدا أن أول امتحان سيجتازه هؤلاء هو بأي حرف ستكتب الأمازيغية، إذا كتبت بالعربية معناه «أنهم يريدون المعقول»، أما إذا أصروا على كتابتها بلغة أخرى فمعناه أنهم أنفسهم أعداء الأمازيغية ويريدون التشويش على العربية.

الحكومة وضعت الأمازيغية في ذيل مخططها التشريعي

ينص الدستور الجديد لأول مرة على ترسيم اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، لكن الحكومة، وبعد ثماني سنوات على صدور الدستور، مازالت لم تصدر القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، ما يثير أسئلة مقلقة حول موقف حزب العدالة والتنمية من الأمازيغية، خاصة أن مشروع القانون جاء في ذيل المخطط التشريعي الذي وضعته الحكومة السابقة في بداية ولايتها.

وعبر فريق الحركة الشعبية المشارك في الأغلبية الحكومية، في مداخلة ألقاها المستشار البرلماني، يحفظه بنمبارك، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين حول موضوع «السياسة العامة المتعلقة بتنمية اللغات والتعبيرات الثقافية الوطنية»، عن أسفه الشديد لتجاهل تنزيل دسترة الأمازيغية، وقال: «وللأسف الشديد، ونحن على مقربة ثماني سنوات على هذا الإنجاز الدستوري التاريخي لازالت الأمور على حالها، فالقانونان التنظيميان المتعلقان بإضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لازالا في رفوف مجلس النواب منذ شهور، بعد أن قضيا سبع سنوات في ذيل المخطط التشريعي للحكومة، وبعد أن أعدتهما الحكومة السابقة في الأنفاس الأخيرة لرحيلها، ودون إشراك لا الفاعلين السياسيين ولا المدنيين».

وجدد الفريق الحركي التأكيد على ضرورة إخضاع هذه القوانين لحوار موسع داخل المؤسسة التشريعية قصد تجويدها، وتملكها بشكل جماعي، على اعتبار أن هوية الشعب فوق منطق الأغلبية والمعارضة، ولا يمكن أن تخضع لحسابات صناديق الاقتراع، مشددا على ضرورة تحصين المكتسبات المحققة، من قبيل التوحيد، والإجبارية والتعميم. وأبرز فريق العدالة والتنمية، أيضا، جملة من التحديات التي تواجه تدريس اللغة الأمازيغية، ومن أهمها التفاوت الملحوظ بين القطاعات الحكومية في اعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية، بالإضافة إلى اعتماد ازدواجية لغوية مؤسساتية غير دستورية في مختلف مناحي الحياة اليومية، بالرغم من أن الدستور نص في فصله الخامس على أن اللغتين العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان للبلاد.

ويندرج هذا القانون في إطار تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، الذي ينص في فقرته الرابعة على أنه «يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية». ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات العامة ذات الأولوية، باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، ودعم قيم التماسك والتضامن الوطني، وذلك من خلال المحافظة على هذه اللغة وحماية الموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي، والعمل على النهوض به وترصيد المكتسبات الوطنية المحققة في هذا المجال وتطويرها. ويعتمد هذا المشروع على مبدأ التدرج في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ويتضمن مقتضيات تهم المبادئ العامة المؤطرة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجالات التعليم والتشريع والعمل البرلماني والإعلام والاتصال ومختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني، وفي الإدارة والمرافق والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والفضاءات والخدمات العمومية والتقاضي. كما يشمل المشروع مقتضيات تهم مراحل وآليات تتبع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

ويقترح المشروع بث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين على القنوات التلفزية والإذعات العمومية، مصحوبة بترجمتها الشفوية أو الكتابية إلى اللغة الأمازيغية، كما ستبث أيضا البلاغات والبيانات الموجهة لعموم المواطنين باللغة ذاتها، فضلا عن أنه ستكتب البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية باللغة الأمازيغية؛ منها بطاقة التعريف الوطنية وجوازات السفر ورخص السياقة بمختلف أنواعها، وبطاقات الإقامة المخصصة للأجانب المقيمين بالمغرب، ومختلف البطائق الشخصية والشهادات المسلمة من قبل الإدارة.

وبموجب مشروع القانون المذكور الذي طال انتظاره كثيرا، ستكتب أيضا البيانات المضمنة في القطع والأوراق النقدية والطوابع البريدية وأختام الإدارات العامة، باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، كما ستعمل السلطات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على توفير الوثائق باللغتين معا، خصوصا المطبوعات الرسمية والاستمارات الموجهة إلى العموم، والوثائق والشهادات التي ينجزها أو يسلمها ضابط الحالة المدنية، والوثائق والشهادات التي تنجزها أو تسلمها السفارات والقنصليات المغربية.

ووفق ما جاء في مشروع القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية، ستلتزم الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية بتوفير بنيات الاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية، كما ستوفر خدمة مراكز الاتصال التابعة لها باللغة الأمازيغية. ويلزم المشروع إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتأهيل موظفيها المعنيين بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين المتحدثين بها، بالإضافة إلى أنها ستدخل إلى جانب اللغة العربية في اللوحات وعلامات التشوير المثبتة على الواجهات وداخل مقرات الإدارات والمرافق العمومية والمجالس الجهوية والهيئات الدستورية، وداخل مقرات السفارات والقنصليات المغربية بالخارج، إضافة إلى علامات التشوير في الطرق والمطارات والموانئ والفضاءات العمومية، والطائرات والسفن المسجلة بالمغرب والقطارات.

وينص مشروع القانون التنظيمي في مادته الثالثة على أن تعليم اللغة الأمازيغية يعد حقاً لجميع المغاربة بدون استثناء، إذ ستدرس بكيفية تدريجية في جميع مستويات التعليم الأساسي، كما ينص على تعميمها بالكيفية نفسها في مستويات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، ويقترح كذلك إدماجها في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية. أما في ما يخص إدماجها في مجال التشريع والعمل البرلماني، فينص على إمكانية استعمالها في أشغال الجلسات العمومية واللجان البرلمانية، ويتعين توفير الترجمة الفورية لهذه الأشغال من اللغة الأمازيغية وإليها.

ويحق للمتقاضين، بحسب المشروع ذاته، بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية، ما يفرض على القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيئات الدستورية، وضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية في الميادين التي تخصها، وذلك في أجل لا يتعدى ستة أشهر من دخول القانون التنظيمي حيز التنفيذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى