حين يلوح في الأفق طيف البكالوريا، تبدأ حالة استنفار في صفوف الأسر، لكن هذه الشهادة المفصلية في حياة الطلبة، تصبح في نظر الكثيرين عقبة في درب التحصيل، وفي نظر آخرين محطة ما قبل الاستراحة من عناء القراءة. لكن الفترة الفاصلة بين الاختبار والكشف عن النتائج تبقى مليئة بمشاعر القلق والترقب والخوف تارة.
يتقاسم آلاف الطلبة حلم النجاح، وكلهم يودون لو أن غيمة «الباك» أمطرت نقطا ترفع مؤشرات النجاح.. في هذا الامتحان المصيري، تعيش الأمهات والآباء جزءا من مشاعر أبنائهم، وتتطلع الحكومة من خلال وزارة التعليم إلى النتائج النهائية بعين القلق لأنها ستحاكم جهودها للارتقاء بالقطاع.
اليوم أضحى امتحان البكالوريا متاحا ليس في المدن فقط، بل في القرى والمداشر، فيما كان من الصعب على مواطن بسيط، في فترة تاريخية معينة، الظفر بهذه الشهادة التي تعد جواز عبور نحو الوجاهة.
كثير من القيادات السياسية والعسكرية والإدارية تأبطوا البكالوريا من بلدان أخرى، منهم من درسوا في فرنسا، ومنهم من اتجهوا إلى الشرق. النتيجة كانت واحدة، كان لا بد من العودة إلى المغرب، رغم أن الأجواء السياسية وقتها كانت متقلبة.
سواء عندما تعلق الأمر بأول بعثة إلى الخارج في عهد المولى الحسن الأول، أو عندما تعلق الأمر بالطلبة المغاربة الأوائل، الذين حصلوا على شهادة البكالوريا قبل الاستقلال، فإن هذه المحطة تبقى راسخة في أذهان الحاصلين على وثيقة تفتح الأبواب نحو آفاق جديدة، خاصة بالرجوع إلى تاريخ المدارس الأوروبية التي خرجت إلى الوجود قبل الحماية وأثناءها وبعدها.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نسلط الضوء على بكالوريا هاربة خلف الحدود.
حسن البصري
هذا ما قاله الملك لوزيره السملالي حين علم بحصوله على «الباك» من ليبيا
ولد عبد اللطيف السملالي يوم 17 دجنبر 1938 بالدار البيضاء وتحديدا بدرب السلطان، وسط عائلة تنحدر من مدينة أزمور، ساهمت في فتح باب التعلم لأبنائها.
سافر عبد اللطيف إلى مصر لاستكمال دراسته بدعم من الحكومة، قبل أن يسافر إلى ليبيا، حيث نال شهادة البكالوريا، ثم عاد إلى القاهرة لاستكمال مساره الدراسي الجامعي سنة 1956. كان السملالي، وعدد من الوجوه السياسية المغربية، يتابع دراسته في مصر في التخصص القانوني لكنه كان أديبا وفصيحا. يقول عنه الكاتب رمزي صوفيا: «كشف لي عبد اللطيف عن هوسه بالكتابة، وقال لي لقد عشت حلما كبيرا بأن أكون في يوم من الأيام أديبا وكاتبا، حيث كنت خلال طفولتي وشبابي أكتب القصص القصيرة، وكان أساتذتي يذهلون عندما يقرؤونها».
عاد عبد اللطيف السملالي إلى المغرب فعزز مساره كمحام قبل أن يدخل عالم السياسة عبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومنه إلى الاتحاد الدستوري باقتراح من المعطي بوعبيد، الذي ساعده ليصبح وزيرا للشباب والرياضة لسنوات طويلة، خاصة وأن الرجلين يقتسمان عشق الرجاء الرياضي.
على خطى والده، اختار زكرياء السملالي مهنة المحاماة، ودخل السياسة على غرار والده كما شق نفس الطريق في عالم الكرة حين التحق بالمكتب المسير للرجاء الرياضي. ولأن عبد اللطيف انتقل بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري، فإن ابنه زكريا سار على نفس النهج، لينتهي به المطاف في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رئيسا لبلدية أزمور وبرلمانيا عن أزمور مدينة الأصول.
يحكي أبوبكر اجضاهيم الرئيس الودادي السابق، عن علاقة وزير الشباب والرياضة مع الراحل الحسن الثاني، وقال إن الملك، في فترة كانت العلاقات المغربية الليبية تعرف قطيعة، سأل عبد اللطيف السملالي لحظة تعيينه وزير الشباب والرياضة عما إذا كان يحتفظ بعلاقات مع أشخاص نافذين في ليبيا التي كان قد حصل فيها على البكالوريا يمكن أن يفيد بها العلاقات بين الطرفين. ووجه الحسن الثاني سؤاله لعبد اللطف قائلا: «واش مازال عندك شي علاقة بدوك الناس»، في إشارة إلى المرحلة الدراسية التي كان قد قضاها السملالي في ليبيا قبل الحصول على البكالوريا في زمن قبل ظهور جماهيرية القذافي.
فاطمة التهامي.. أول مغربية تحصل على البكالوريا بالجزائر
تعد فاطمة التهامي، المولودة بالدار البيضاء سنة 1919، أول مغربية تحصل على شهادة البكالوريا في الجزائر، قبل أن تنال نفس السبق العلمي حين تخرجت من كليات الطب بالجزائر وفرنسا سنة 1948، وهي التي صالحت المغاربة مع عيادات التوليد، بعد أن أصبحت مولدة في زمن كان الرجل فيه يرفض رفضا قاطعا عرض زوجته على مصحة ويفضل أن تلد على يد «قابلة» مهما كانت الظروف.
تنحدر فاطمة من قبائل أولاد حدو المحيطين بمدينة الدار البيضاء، وتعتبر من أول المغربيات اللواتي سافرن لوحدهن في القطار إلى الجزائر وفرنسا للدراسة في أواسط الأربعينات من القرن العشرين، وكانت الفقيدة من أوائل الفتيات المغربيات اللواتي درسن بالمدرسة الإيطالية بمدينة الدار البيضاء، وأكملت دراستها بكليات الطب بالجزائر العاصمة ثم بالعاصمة الفرنسية باريس، واستقبلها المغفور له الملك محمد الخامس مباشرة بعد عودتها من باريس في بداية سنة 1949، كما حظيت باستقبال حاشد في الدار البيضاء بعد العودة إلى المغرب.
اشتهرت فاطمة التهامي بحسها السياسي، وبأعمالها الجمعوية والخيرية، وكذا بنضالها الوطني، سواء ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، أو ضمن حزب الشورى والاستقلال بعد استقلال المغرب، وعلى الرغم من هذا «الإيتكيت» السياسي، فإن عددا من الاستقلاليين كانوا يعرضون زوجاتهم على هذه المولدة «سرا» من أجل إنهاء مخاضهن.
لبت «الحاجة» داعي ربها بفرنسا يوم الجمعة 6 غشت سنة 2009، عن سن تناهز التسعين سنة، ووري جثمانها الثرى بمقبرة الشهداء، مخلفة وراءها أول مصحة للتوليد في عمق درب السلطان، وتاريخا نضاليا صنفها في خانة الرائدات.
ولأنها ظلت تشكل خطرا على حزب الاستقلال، بسبب مواقفها النضالية وفصاحتها وقدرة الإقناع لديها، فإنها كانت معرضة دوما للمساءلة، ففي حوار سابق مع صحيفة الاتحاد الاشتراكي صرحت فاطمة بأنه خلال عملية الاغتيال التي دبرها أحمد الطويل واستهدفت ثريا الشاوي، تعرضت بدورها للاختطاف في ذلك اليوم، وأنه عندما حضر أحمد الطويل لمتابعة عملية التعذيب، صاح في وجه رجاله بأنهم أخطأوا في اعتقال فاطمة التهامي، لأنها لم تكن هي المقصودة، وفي مساء ذلك اليوم تم اغتيال ثريا الشاوي.
منيب.. بين سوس ووهران ومونبوليي والدار البيضاء
ولدت نبيلة منيب سنة 1960 في مدينة الدار البيضاء وسط أسرة ميسورة الحال، فقد كانت أمها من وجوه المجتمع المخملي، ووالدها اشتغل طويلا في السلك الديبلوماسي خاصة في الجزائر، وفي وهران نالت شهادة البكالوريا. لكن نمط العيش كان مختلفا نوعا ما حيث ترعرعت في بيت والدتها «التي كانت ترتدي في البيت أجمل ما لديها لتجالسنا نحن الأبناء، وكانت الأكثر أناقة، وأنا مدينة لها بتلقيني تلك التفاصيل وفلسفتها في الحياة وحب العيش، وما زلت أتذكر ترديدها للمثل المغربي الذي يقول: «لهلا يخلي لبومارت ما يورث»، كما ورد في إحدى لقاءاتها الصحفية، التي تحاول من خلالها التمرد على نظرية تجعل اليسار مرادفا للفقر.
بعد حصولها على شهادة البكالوريا شعبة العلوم التجريبية في الجزائر، انتقلت إلى فرنسا لاستكمال تعليمها الجامعي شعبة البيولوجيا في جامعة مونبوليي، إلى أن حصلت على شهادة الإجازة وتقرر استكمال المسار الدراسي بنيل الدكتوراه. في هذه المدينة الجامعية جنوب فرنسا تعرفت على الطالب يوسف حجي الذي تقاسمها نفس الطموحات الرفيقة نبيلة، فسقطت في حبه من أول نظرة، بعد أن جمعهما النضال في المهجر ضمن قطاع الطلبة الديمقراطيين، سنة 1984، إلى جانب طلبة آخرين أمثال الديوري ومرجان ومعزوز وزوجته غيثة ومحفوظ واللائحة طويلة.
أحمد بن يسف.. التشكيلي الذي دخل العالمية من الأندلس
من مواليد مدينة تطوان يوم 26 أكتوبر سنة 1945، انشغل منذ طفولته بالرسم حتى تضايق منه والداه محمد بن يسف وأمه رقية الصردو، بسبب ما كان يحدثه من «أوساخ» بصباغاته على جدران الغرف وكراسي المنزل.
تلقى دراسته الابتدائية بالمعهد الحر وبعدها التحق بثانوية القاضي عياض، كان يتلقى دروسا ليلية في فن الرسم بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان. وكان جل أساتذتها من الإسبان. وفي الموسم الدراسي (1962- 1963)، التحق رسميا بمدرسة الفنون الجميلة، وقضى بها ثلاث سنوات.
حصل على البكالوريا وراكم شهادات معمقة في الفنون الجميلة بمدينة إشبيلية سنة 1967، حيث التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة في هذه المدينة الأندلسية، وأثناء دراسته بها حصل على ثلاث جوائز، خاصة وأنه كان يجيد اللغة الإسبانية كتابة ونطقا.
بعد فوزه بالجائزة الأولى في الرسم الكلاسيكي، حصل على «منحة المناظر الطبيعية»، التي خولت له الإقامة في مؤسسة «رودريغيز أوكستا» بغرناطة.
وهو شاب يافع، سيلفت بن يسف الأنظار حين شارك في معرض جماعي في الهواء الطلق بشارع محمد الخامس في تطوان سنة 1963، وبعد أربع سنوات سينظم معرضا في إشبيلية.
طبعت بعض لوحاته على الأوراق المالية والنقدية المغربية، مثل الورقة المالية من فئة 100 درهم. ثم ضربها على قطعة نقدية بمناسبة الذكرى 25 لتولي الملك الحسن الثاني العرش. أنشأ جدارية فنية من الخزف، وضعت بواجهة ملعب «سانشيس بيس خوان» بإشبيلية، بمناسبة الذكرى المائوية لتأسيس فريق إشبيلية لكرة القدم.
بن جلون.. رئيس اللجنة الأولمبية ينال البكالوريا بباريس
ولد محمد بن جلون التويمي، مؤسس الوداد البيضاوي، سنة 1912 بالمدينة القديمة للدار البيضاء، غير بعيد عن حي بوسمارة، وهو من أصول فاسية انتقل والده إلى الدار البيضاء للاشتغال في التجارة.
تلقى الفتى تعليمه الأولي بالمدينة القديمة وانتقل إلى الرباط ومنها إلى فرنسا لاستكمال دراسته، كان «شكولا» كما يلقبه رفاقه مولعا بالرياضة والدراسة، وتمكن على غرار أشقائه وأبناء عمومته من الجمع بين الموهبة الرياضية والتألق المعرفي، بل إن رفاقه الذين اتفقوا على تأسيس الوداد الرياضي كان القاسم المشترك بينهم هو الكرة والعلم، فشقيقه عز الدين بن جلون من أوائل الحاصلين على شهادة البكالوريا والمحامي أحمد رزوق ومحمد بلحسن التونسي كانا يملكان القدرة على الجمع بين «نقيضين».
تلقى محمد بن جلون تعليمه الأولي في إحدى المدارس الابتدائية بالمدينة القديمة، وانتقل إلى الرباط وتحديدا ثانوية مولاي يوسف لاستكمال تعليمه الثانوي، ولأنه كان مولعا بالرياضة فقد استغل الفرصة للانضمام إلى فريق سطاد الرباطي، درس في الفصل نفسه مع محمد امجيد ومع أحمد شهود الذي سيستقطبه للعب للوداد في ما بعد
التحق بباريس حيث حصل على شهادة البكالوريا سنة 1933، عاد إلى المغرب في إجازته السنوية، ليقرر العودة من جديد إلى باريس من أجل الدراسات العليا في تخصص التجارة، وبعد عامين حصل على شهادة في تخصص تدبير الأعمال. إلا أن شغله الشاغل هو تأسيس نادي الوداد، وهو ما تحقق له سنة 1937 بدءا بفرع السباحة قبل أن تتفرع عنه فروع أخرى.
الوزير عبد الكريم التويمي بن جلون الذي تربطه علاقة عمومة بمحمد بن جلون التويمي، حصل بدوره على شهادة البكالوريا في الجزائر.
المهدي بنونة.. أول طالب مغربي ينال البكالوريا بنابلس
يعتبر المهدي بنونة من رواد زمن النضال السياسي والإعلامي، ولد يوم 22 فبراير 1918 وسيصبح أحد رواد الحركة الوطنية المغربية، وأنشط مناضلي الشمال، وصحافي لامع وديبلوماسي فوق العادة.
يعتبر المهدي أول طالب مغربي يتابع دراسة بنابلس في فلسطين سنة 1929، وأول مغربي يلتحق بتخصص الصحافة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. اشتغل فيما بين 1941-1945 بأعرق الجرائد العربية كالأهرام، وكان أول رئيس تحرير لصحف خارج المغرب وداخله، خاصة في جريدتي الحرية والأمة وكانتا لسان حال «حزب الإصلاح الوطني»، الذي انضم إليه المهدي إلى جانب عبد الخالق الطريس وقادة آخرين.
في نابلس ومصر تمكن الرجل من إجادة اللغة الإنجليزية فضلا عن تمكنه من اللغة الفرنسية والإسبانية والعربية طبعا، ومن هذا المنطلق سيتم انتدابه لتمثيل الحركة الوطنية لدى هيئة الأمم المتحدة سنة 1947، وهناك سيرأس مكتب المغرب في نيويورك، ناقلا بذلك مجال تدويل القضية المغربية من الجامعة العربية والمحيط العربي إلى الإطار الدولي والأممي.
ولأنه عاش أيام الدراسة في نابلس الفلسطينية، فقد كان له إسهام كبير في دعم القضية الفلسطينية، التي ولِع بها شابا، صحافيا ودبلوماسيا.
نال شرف تأسيس وكالة المغرب العربي للأنباء، ونجح في تسييرها في ظل شح الموارد وضعف الإمكانيات، وظل رئيسا لها إلى أن تم تأميمها سنة 1973. لكنه كان وراء خلق وكالة الأنباء الإسلامية الدولية في المملكة العربية السعودية، وتم اختياره لإطلاق سلسلة وكالات أنباء في تونس والسينغال والجزائر وليبيا ومالي، قبل أن يحول الوجهة صوب الهلال الأحمر المغربي كنائب عن الأميرة لالة مليكة.
وبعد حياة كلها نضال في جبهات الكفاح وافته المنية في شهر مارس 2010، عن عمر ناهز 92 سنة بالرباط، ودفن بتطوان بناء على وصيته.
اجضاهيم.. رئيس الوداد ينال «الباك» بالقاهرة ويلعب بالزمالك
شاءت الصدف أن يتزامن ميلاد أبو بكر اجضاهيم مع ميلاد الوداد الرياضي. في أسرة حلت بالدار البيضاء في بدء عهد الحماية الفرنسية، كان والده مقاوما من رجالات الحركة الوطنية حيث عينته خلايا المقاومة، أمينا لمال حزب الاستقلال في خلية المدينة القديمة بالدار البيضاء، قبل أن يتعرض للاغتيال في زمن سنوات الرصاص مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله.
«قتل والدي ذات يوم في المدينة القديمة برصاص فصيل حزبي معارض لحزب الاستقلال، وكلف بتنفيذ التصفية جزائري. في هذه الفترة عرف المغرب موجة من القتل في صفوف المقاومين والسياسيين، لكن علال الفاسي أعطى تعليماته في يوم العزاء، للتعهد بدراستي وهو ما سيحصل حيث خصص لي الحزب منحة مالية لتأمين دراستي في ثانوية عبد الكريم لحلو وكان حينها عابد الجابري أحد زملائي في الفصول الدراسية، ومنها إلى القاهرة هناك حصلت على شهادة البكالوريا بدعم من حزب الاستقلال، حيث تم ضمي لبعثة دراسية عليا وسافرت إلى مصر رفقة أسماء شابة سيصبح لها شأن كبير في عالم الفكر، في تلك الفترة كانت الأسبقية في البعثات العلمية للسياسيين من القطاع الشبابي، لقد قضيت مدة طويلة في مصر جعلتني أعزز تجربتي من خلال معايشة كبار أقطاب السياسة والفكر والفن أيضا».
خلال متابعته لدراسته بالقاهرة، قرر اجضاهيم ملء مساحة الفراغ، من خلال ممارسة الكرة والتردد على المكتبات وعلى منتديات الأدباء، «اقترح علي أحد الزملاء المصريين التوجه إلى نادي الزمالك لإجراء اختبار مع هذا الفريق العريق وفعلا نجحت فيه وتم ضمي للتداريب وفي نفس الوقت أتابع دراستي، لكن كان من الصعب الجمع بين الدراسة والأدب والكرة».
مباشرة بعد عودته من القاهرة حيث أنهى دراسته الجامعية، استدعاه المناضل إبراهيم صدقي، رئيس حركة المقاومة المغربية آنذاك، إلى بيته، ودعاه لمرافقته لحفل غذاء أقامه محمد الغزاوي على شرف علال الفاسي، وخلال هذا اللقاء علم علال بأنه ابن الشهيد اجضاهيم أمين مال حزب الاستقلال في الدار البيضاء الذي تمت تصفيته في إطار الاغتيالات السياسية التي أعقبت استقلال المغرب، وعلم بعودته من القاهرة فاقترح عليه منصبا في سلك الأمن الوطني على أن يظل رهم إشارة حزب الاستقلال.
«تم وضعي رهن إشارة حزب ينتمي إليه مدير الأمن الوطني لغزاوي، الذي يعلم الجميع انتماءه لحزب الاستقلال، لكن ما أن تشكلت حكومة أحمد بلافريج في ماي 1958 من طرف الملك محمد الخامس، حتى قرر الحزب إلحاقي بديوان الاستقلالي محمد الدويري وزير الأشغال العمومية».
عمر الخطابي يحصل على شهادة البكالوريا بجزيرة «لارينيون»
ولد عمر الخطابي، ابن شقيق عبد الكريم الخطابي، في أواخر صيف سنة 1926 بالمياه الدولية قرب دولة تنزانيا على متن الباخرة «عبدة»، التي كانت تقل عمه محمد بن عبد الكريم الخطابي وأفراد عائلته إلى منفاهم بجزيرة «لاريونيون» التي توجد قرب جزيرة مدغشقر.
كان والده هو المجاهد عبد السلام الخطابي، يصر على استكمال الفتى لتعليمه ولو في ظل محنة النفي إلى أن حصل على الدكتوراه. تابع عمر الخطابي دراسته الابتدائية والثانوية بجزيرة لاريونيون، وحصل فيها على شهادة البكالوريا. بعدما نزلت العائلة الخطابية سنة 1947 ببور سعيد بمصر واستقرت في مدينة القاهرة، التحق سنة 1948 بكلية الطب، وبعد تخرجه تابع دراسته في إحدى الكليات الطبية بدولة سويسرا التي تخرج منها في أواخر الخمسينيات طبيبا جراحا متخصصا في طب النساء.
حسب رواية الكاتب الصحافي أحمد يونس، فإن الدكتور عمر سيعود إلى المغرب في بداية سنة 1959، حيث اشتغل في مطلع الستينات وعين طبيبا بمستشفى بمدينة القنيطرة، وبعد عدة سنوات من العمل سيتمكن من فتح مصحة بنفس المدينة، «اعتمد في تعامله مع نزلاء المصحة أسلوبا فريدا من نوعه، إذ كان يعالج مجانا المرضى الفقراء، فيما الأغنياء كانوا يؤدون واجباتهم المادية. وكان يتطوع لمعالجة عدد مهم من المعتقلين السياسيين المتواجدين في السجن، كما كان يتابع الأوضاع الصحية لعدد من المعتقلين الذين أطلق سراحهم. كما كان يخصص جزءا من مداخيل المصحة لدعم الثورة الفلسطينية».
انخرط عمر في العمل السياسي بكل من مصر وسويسرا والمغرب، وكان معروفا بمواقفه الشجاعة والجريئة وإرادته الصلبة التي لا تلين، وظل يرفض باستمرار كل المناصب الرسمية التي كانت تسند إليه. تم اعتقاله سنة 1972 بعد أحداث الطائرة الملكية، وبعد أزيد من سنة قضى معظمها داخل سجون سرية سيصدر في حقه حكم بالبراءة.
ساهم في أواخر الستينات في تأسيس جمعية عمر بن الخطاب التي كانت تنشط في العديد من المجالات، كما ساهم في تأسيس الجمعية المغربية لمساند كفاح الشعب الفلسطيني التي تحمل فيها مسؤولية نائب الرئيس. ولكونه من عشاق الرياضة والملحين على ممارستها، سيترأس خلال مدة طويلة فريق النادي القنيطري لكرة القدم.
معمري.. ليبي ذو أصل جزائري جمع البكالوريا بشهادة العالمية
اسمه الكامل أبو عبد الله محمد بن معمري الزواوي، ولد في 6 يناير عام 1885 بتيزي وزو، لكن جذوره ليبية، ومسقط قلبه المغرب. تعلم الفرنسية وأتقن اللغة العربية، تلقى فنون العلم والآداب والفقه وأصوله على يد كبار علماء الجزائر في المدرسة الثعالبية، حصل على أكثر من بكالوريا، الأولى في التعليم الأصيل والثانية في الأدب الفرنسي ودرس في القروريين.
كان الفقيه محمد معمري، وهو عم الروائي الجزائري الشهير مولود معمري، لبيبا وله مواقف وطنية لازال التاريخ يسجلها. كان محمد معمري كاتبا وشاعرا لكنه ظل يفضل صفة الفقيه.
كان ضمن بعثة المعلمين التي أرسلتها الإدارة الفرنسية إلى المغرب صحبة عبد الكريم الخطيب وقدور بن غبريط، تولى بين 1908 و1912 إدارة المدرسة الفرنسية الإسلامية بالرباط، واشتغل إلى جانب المولى يوسف مربيا للأمراء، ثم مديرا للبروتوكول فكاتبا خاصا للملك محمد الخامس، بعد نفي الملك عاد إلى بلده الجزائر، وعاد إلى المغرب إثر حصول المملكة على الاستقلال حيث عين وزيرا للقصور الملكية والتشريفات.
يقول الإعلامي محمد بنددوش، إنه خلال سنوات ما قبل نفي محمد الخامس والأسرة الملكية، وتحديدا في أحد الأعياد، حصلت قصة غريبة في خطاب العرش، في وقت بلغت فيه الأزمة درجة خطيرة بين القصر الملكي والإقامة العامة الفرنسية، كان محمد الخامس حذرا من رجال الحماية الفرنسية، لذلك عندما انتهى من إلقاء خطاب العرش، طلب من وزير التشريفات الملكية الفقيه محمد معمري الزواوي أن ينتقل إلى الإذاعة ومعه نسخة من الخطاب المكتوب، ويتأكد هناك في عين المكان أن خطاب العرش سيذاع كاملا دون أن يلحقه أي بتر، فقد كان يشك في أن الفرنسيين لن يرتاحوا لبعض ما جاء في الخطاب ولربما سيحاولون التصرف فيه. وفعلا صدقت تخمينات الملك محمد الخامس.
«دخل الوزير المعمري إلى مقر الإذاعة، والتحق بالأستوديو ووضع خطاب العرش المكتوب بين يديه، بينما شرع التقني الفرنسي في إرسال الشريط الخاص بالخطاب المسجل. وانكب الوزير الوفي بكل جوارحه وقوة يقظته على الصفحات يتابع باهتمام بالغ تطابق الخطاب المسجل مع الخطاب المكتوب، وفي لحظة من اللحظات انتفض الفقيه المعمري من مقعده وبدأ يصيح بالفرنسية: «ما هذا؟ ما هذا؟ فعلها أولاد الحرام. لقد فعلوها».
أحمد زياد.. القاص المغربي الذي جمع بين «بكالوريتين»
ولد أحمد زياد بمدينة الدار البيضاء سنة 1921، ودرس بها، وبجامع القرويين في مدينة فاس، وجامع ابن يوسف بمراكش. ثم درس بفرنسا لفترة قصيرة وسافر إلى مصر للدراسة وللقاء أشهر أدبائها.
قبل حصوله على شهادة البكالوريا اشتغل زياد قبل استقلال المغرب بالتدريس، وكتب في معظم الصحف الوطنية التي كانت تصدر في عهد الحماية الفرنسية، وخاصة جرائد المغرب ورسالة المغرب وجريدة العلم فضاء لإبداعاته. كان يكتب في الصفحة الأخيرة ركن «الأدب في أسبوع» في عام 1947، وكان له ركن أدبي نقدي كان يبدي فيه رأيه بخصوص بعض إنتاجات الأدباء الشباب، قبل أن يصبح له عمود رأي شهير بعنوان «من النافذة» بجريدة العلم في سنة 1951.
بعد الاستقلال، عمل زياد في وزارة العدل، إلا أن علاقته بالصحافة استمرت، واتجه من خلالها إلى مجال النقد الأدبي، وكان غزير الإنتاج، خاصة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وكثيرا ما انخرط في السجالات والصراعات النقدية، وأثارت مقالاته الانتقادية ردود فعل من بعض الأدباء والنقاد، ممن خالفوه وجهة النظر.
هاجر إلى مصر وهناك التقى بأشهر الأدباء والصحافيين المصريين، مستغلا وجوده في القاهرة للحصول على البكالوريا ودراسة الصحافة والاحتكاك برموزها وهناك قاد تيار معارضة التجديد في القصيدة الشعرية، وكتب مقالات في الأهرام وأصبح قطبا إعلاميا في المهجر قبل أن يعود إلى المغرب. ومنه سيهاجر إلى فرنسا لاستكمال دراسته في تخصص الأدب العالمي بعد حصوله على بكالوريا فرنسية.
انضم زياد إلى اتحاد كتاب المغرب في يونيو 1965، لكنه ظل حريصا على الجمع بين الأدب والصحافة، وأمضى أيامه الأخيرة في الكتابة وحشد الذاكرة، قبل أن يلقى ربه بالرباط سنة 2001.