ردا على المواقف التي عبر عنها المغرب سواء عبر مصادر دبلوماسية تحدثت إلى مجلة جون أفريك أو عبر الصحافة الوطنية بمختلف تلاوينها والتي أجمعت على كون العلاقات الفرنسية المغربية تمر من أزمة غير مسبوقة عكس ما يقوله الرئيس ماكرون، قالت كاترين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية إن بلادها “اختارت التهدئة”.
أما كزافيي حزل Xavier Houzel المقرب من دوائر المخابرات الخارجية الفرنسية ومن أصحاب موقع “بقشيش”، والذي كان وراء لقاء حميدو لعنيكري عندما كان مديرا للأمن بباريس مع ممثل البوليساريو سنة 2005، فقد نشر مقالة “مركزة” في موقع “موند أفريك” بلغة تمزج بين الوعد والوعيد، طمعا ربما في بقشيش، تحت عنوان “أصدقاؤنا المغاربة… لينوا تصريحاتكم”، حذر فيه “أصدقاءه” المغاربة من مغبة التمادي في مطالبة ماكرون بإصدار موقف يعترف فيه بسيادة المغرب على صحرائه في هذه الظروف التي تحارب فيها فرنسا التدخل الروسي في أوكرانيا، وأن على المغاربة أن ينتظروا مآل هذا الصراع داعيا إياهم إلى تأمل مطالب روسيا التي تدعي، هي أيضا، السيادة على منطقة حوض الدون.
ويتساءل كزافيي حزل كيف يطالب المغاربة الرئيس الفرنسي بالسقوط في تناقض فاضح بإعلانه سيادة المغرب على منطقة متنازع عليها في الصحراء بينما يؤاخذ بوتين على احتلاله لمناطق في أوكرانيا.
لذلك يجب، حسبه، انتظار نهاية هذا الصراع لأن ما سيسفر عنه سيصبح “اجتهادا قضائيا” سيتم اعتماده في مناطق نزاع أخرى.
ولا يكتفي كزافيي بتشبيه النزاع في الصحراء بما يحدث في الحدود الأوكرانية الروسية بل يذهب إلى حد تقديم نصيحة لأصدقائه المغاربة يطلب منهم فيها التريث وترقب ما سيحدث في الضفة الغربية بفلسطين خصوصا بسبب ما يقوم به المستوطنون “الذين يعتبرون أنفسهم في أرضهم أينما كانوا”.
بعد ذلك جاءت افتتاحية جريدة لوموند عدد يوم الثلاثاء لكي تكتب “فرنسا يجب أن تعاود الوثوب في إفريقيا” ناسبة المشاعر المعادية لكل ما هو فرنسي في البلدان الإفريقية من باماكو إلى كنشاسا للدعاية الروسية وأيضا للخصاص في خطابات الانقلابيين العسكريين لمشاريع حقيقية.
أما الرئيس ماكرون فقد قال إن فرنسا لن تغير موقفها من قضية الصحراء، فيما يرى أغلب المعلقين الفرنسيين أن المشكلة مع المغرب ودول إفريقيا سببها شخصية ماكرون الاستعلائية ونظرته المتعجرفة للأمور.
والواقع أن المشكلة ليست في ماكرون وحده بل في الدولة العميقة الفرنسية التي تتصرف مثل الثعلب الذي يقع في الشرك، فهو يضحي بالعضو الواقع في الفخ بقطعه بأسنانه لكي يفلت بجلده. وهكذا فبالنسبة للدولة العميقة يسهل إلصاق الفشل الفرنسي في إفريقيا على ظهر ماكرون لكي تخرج الدولة الفرنسية سالمة. سوى أن الحل الوحيد لكي تخرج الدولة الفرنسية سالمة من المستنقع الإفريقي هو أن تعمل بالنصيحة التي قالها رئيس دولة أذربيجان في مؤتمر دول عدم الانحياز والتي طالب فيها فرنسا بالاعتذار عن جرائم الحرب وجرائم التطهير العرقي التي اقترفتها في إفريقيا وآسيا الجنوبية ومناطق أخرى.
وعندما يعطي ماكرون الدروس في الكونغو للسياسيين الأفارقة مؤاخذا إياهم على عدم قدرتهم على تحقيق السيادة العسكرية والإدارية مطالبا إياهم بالاعتراف بالمسؤولية وعدم البحث عن متهمين من الخارج، عليه أن يعترف هو أيضا بأن النهب الذي قامت به بلاده لهذه الدولة طوال عقود ورشوة النخب الفاسدة بعد الاستقلال لتأمين استمرار النهب هي أيضا أسباب تعطل نهضة البلد، ففرنسا نفسها بعد الثورة احتاجت من أجل فرض السيادة على أراضيها عسكريا وإداريًا إلى قرنين كاملين، فكيف يطلبون من الأفارقة بعد ستين سنة فقط من الاستقلال أن يحققوا المعجزات؟
المشكلة الفرنسية الإفريقية إذن ليست في ماكرون أو الرؤساء الذين سبقوه، بل هي مشكلة الدولة الفرنسية العميقة التي ترفض الاعتراف بماضيها والاعتذار عنه.
أما بالنسبة للأفارقة فخلاصهم لا يتمثل في الانفصال عن مستعمر سابق من أجل الارتماء في حضن مستعمرين ناعمين جدد، ولكي يتجنبوا هذا الفخ عليهم العودة للخطاب الهام الذي ألقاه الملك محمد السادس في حفل افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري بأبيدجان سنة 2014 والذي قال فيه إن “القارة الإفريقية تحتاج إلى مشاريع اقتصادية وبرامج تنموية واجتماعية أكثر من حاجتها لمساعدات إنسانية”.
بمعنى أن خلاص إفريقيا يكمن في أن يتعلم زعماؤها وشعوبها صيد السمك بأنفسهم عوض انتظار من يتصدق عليهم بسمكة من حين لآخر.