شوف تشوف

الرئيسيةتعليمسياسيةوطنية

بعض مسؤولي التعليم يعتمدونها لتغطية التبذير الحاصل في نفقات «غير مُبررة»

مخاوف من اتساع رقعة الفساد بعد رفع سندات الطلب إلى 50 مليون سنتيم

 

مقالات ذات صلة

مع حلول شهر شتنبر الجاري، الذي يتزامن مع بداية السنة الدراسية الجديدة، تلقى مسؤولو قطاع التعليم بمختلف مراتبهم بفرح كبير قرار الحكومة رفع سقف سندات الطلب من 20 إلى 50 مليون سنتيم. هذا القرار الذي نوقش لأكثر من عشر سنوات في دواليب القرار الإداري والمالي للحكومتين السابقتين، سيدخل حيز التنفيذ، ما سيتيح لآمري الصرف ونوابهم التصرف وفق شروط مرنة في عقد الصفقات دون الحاجة للجوء للمسطرة المعقدة للصفقات العمومية.

مصطفى مورادي:

ففي الوقت الذي يعتبر البعض هذا القرار خطوة من شأنها أن تخلق دينامية في التدبير اليومي لقطاع التعليم، لا يُخفي البعض الآخر مخاوفه من أن يصبح هذا القرار خطوة لـ«شرعنة» قانونية للفساد الذي يشوب سندات الطلب، وهي الملاحظة نفسها التي سبق للمجلس الأعلى للحسابات ولجنة من الأمانة العامة للحكومة أن سجلاها إبان حكومتي بنكيران والعثماني.

من 20 إلى 50 مليون سنتيم

رفع سقف سندات الطلب (Bons de commande)  الصادرة عن المؤسسات والشركات العمومية إلى 500 ألف درهم، عوض 200 ألف درهم حاليا، دخل حيز التنفيذ بداية الشهر الجاري، ويتعلق الأمر بمرسوم سيسمح لآمري الصرف في القطاعات العمومية باقتناء توريدات وإنجاز أشغال أو خدمات في حدود 500 ألف درهم مع احتساب الرسوم، ويتم تقدير هذا الحد في إطار سنة مالية واحدة حسب أعمال من النوع نفسه وحسب كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف مساعد.

هذا القرار انتظره مدبرو قطاع التعليم طويلا، إذ سيسهل عليهم من جهة تدبير الميزانيات السنوية وفق نسب صرف أكبر، كما سيتيح لهم توفير خدمات كثيرة كثيرة واتخاذ قرارات تدبيرية يومية شتى كانت تتطلب وقتا أطول وإجراءات أكثر تعقيدا.

فاقتناء تذاكر سفر، حجوزات في الفنادق، تنظيم حفلات شاي، اقتناء أدوات مكاتب.. إلخ هي عمليات شراء، وغيرها، يمكن أن تلجأ إليها الإدارات في قطاع التعليم في ظروف عادية أو استعجالية. وبالنظر لانخفاض الكلفة، فإن المرسوم الجديد منح الإدارة استثناء يتعلق بإمكانية تمرير هذه الصفقات من خلال آلية «سندات الطلب»، وذلك في حدود مبلغ لا يتجاوز 500 ألف درهم.

هذا الملف ظل طي الكتمان لسنوات، رغم أنه يخفي بعضا من مظاهر فساد الصفقات العمومية، إذ يمكن منح سند طلب لصديق أو مقرب دون أن تطول الجهة المانحة عيون الرقابة، وذلك من خلال تقديم المستفيد من السند ثلاثة عروض أثمان مضادة، ليتم اختيار السعر الأقل كلفة الذي قدمته الشركة نفسها.

في المرسوم المذكور وضعت الحكومة بعض التعقيدات لإضفاء طابع الشفافية على صفقات سندات الطلب، حيث أكد المرسوم، بالإضافة إلى رفع السقف، أن سندات الطلب ستخضع لموضوع منافسة مسبقة، ما عدا إذا كان إجراء هذه المنافسة غير ممكن أو كانت غير متلائمة مع طبيعة الأعمال، لكن يتعين على صاحب المشروع أن يُعد شهادة إدارية تبرر هذه الاستحالة أو عدم الملاءمة.

وسيتوجب على المؤسسات والشركات العمومية أن تنشر إعلان شراء بسند الطلب في بوابة الصفقات العمومية خلال مدة لا تقل عن 24 ساعة، يتضمن موضوع ومحتوى العمل ومكان وأجل التنفيذ أو تاريخ تسليم العمل وعنوان مكتب صاحب المشروع لإيداع بيانات أثمان المتنافسين.

مرونة في التدبير أم تكريس للفساد؟

يحمل اللجوء إلى آلية سندات الطلب إشكالات جوهرية، لعل أبرزها ضرب مبادئ المنافسة. وهنا نسرد موقف لجنة الصفقات العمومية من طلب تقدم به أحد وزراء حكومة عبد الإله بنكيران من أجل رفع سقف سندات الطلب من 200 ألف درهم إلى 400 ألف درهم، وذلك قصد اقتناء معدات معلوماتية وقطع غيار وبرامج معلوماتية، إلى جانب بعض أشغال تهيئة وصيانة وإصلاح مبان إدارية.

وردت لجنة الصفقات العمومية على مستوى الأمانة العامة للحكومة على هذا الطلب بأن المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية حدد اللجوء إلى المنافسة المفتوحة، مع مراعاة مبادئ الشفافية والمساواة أمام الطلبيات العمومية، قاعدة أساسية لإسناد الصفقات العمومية، وأجاز استثناء، في بعض الحالات المحصورة، اللجوء إلى المنافسة المحدودة.

وشدد رأي اللجنة على أن مرسوم الصفقات العمومية أباح، تيسيرا لسير المصالح الإدارية، اللجوء إلى سندات الطلب وحدد لها سقفا لا يمكن تجاوزه، ولائحة بالأعمال التي يمكن القيام بها وفق هذا الإجراء على أساس القيام بمنافسة بين المعنيين قدر الإمكان.

واعتبرت اللجنة أن المرسوم أجاز رفع سقف سندات الطلب، بموجب مقرر يصدره رئيس الحكومة، والذي يتخذه بعد استطلاع رأي لجنة الصفقات وتأشيرة الوزير المكلف بالمالية، رعيا لخصوصيات بعض الإدارات. غير أن هذا الإجراء الاستثنائي، يوضح رأي اللجنة، لا يمكن أن يكون وسيلة للتملص من المنافسة المفتوحة وفق المساطر التي حددها المرسوم.

من جهته وقف المجلس الأعلى للحسابات على مجموعة من الاختلالات التي تطول مسطرة تنفيذ النفقات العمومية بواسطة سندات الطلب، سواء على مستوى انتقاء المتنافسين أو على مستوى التنفيذ. فعلى مستوى المنافسة، لاحظ المجلس عدم إعمال منافسة حقيقية، ويرجع السبب إلى غياب أو ضعف نظام المراقبة الداخلية بشأن مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب.

ولوحظ، أيضا، أن اللجوء إلى المنافسة في إطار مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب لا يتم دائما وفق الشروط والشكليات المطلوبة، والتي من شأنها أن تضمن للإدارة إمكانية الحصول على الجودة المرجوة وبالكلفة المناسبة. فالإدلاء ببيانات أثمان مضادة، في إطار مسطرة سندات الطلب، لا يعدو، في أغلب الحالات، أن يكون مجرد إجراء شكلي لا يتحقق معه لا تكافؤ الفرص ولا المنافسة المنشودة.

وفي هذا الصدد، لوحظ، من خلال عمليات التدقيق، أن الطلبيات العمومية تقتصر على فئة محدودة من الموردين أو المقاولين، ما تترتب عنه نتائج سلبية على مستوى الجودة والاقتصاد. ومن جانب آخر، لوحظ أن معظم المصالح الآمرة بالصرف لا تصدر سندات الطلب إلا بعد إنجاز الخدمة موضوع الطلبية، أو من أجل تسوية نفقة كان مبلغها الأصلي يتجاوز الحد الأقصى المسموح به قانونا.

نافذة 1: معظم المصالح الآمرة بالصرف لا تصدر سندات الطلب إلا بعد إنجاز الخدمة موضوع الطلبية أو من أجل تسوية نفقة تتجاوز الحد الأقصى المسموح به قانونا

نافذة 2: يرجع السبب في عدم إعمال المنافسة بشكل حقيقي إلى ضعف نظام المراقبة الداخلية بشأن مسطرة تنفيذ سندات الطلب

 

//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////

مصطفى مورادي

عن كثب:الفساد «الخفي»

 

نافذة: أغلب المقاولين يقدمون هدايا لاستمالة الآمرين بالصرف فالمطبعات تهدي المحفظات الجلدية الفاخرة والأقلام الذهبية الحقيقية ومقاولو البناء يصبغون المنازل الخاصة أو يجهزونها

 

كل العارفين بخبايا قطاع التعليم يعرفون، أكثر من غيرهم، حقائق ثابتة لها علاقة بالتدبيرين الإداري والمالي:

أولا: أغلب المُدبرين بدون استثناء، بدءا من الإدارة المركزية مرورا بمديري الأكاديميات والمؤسسات التكوينية وصولا إلى المؤسسات التعليمية، يحتفظون في مكاتبهم أو منازلهم بأموال عامة نقدا لـ«الطوارئ»، وأحيانا بملايين السنتيمات. ويعتبرون هذا جزءا من «فن التدبير»، لأنهم يعرفون أن هناك مستجدات يومية في تدبير المرفق تتطلب صرفا فوريا للمال دون الحاجة للجوء لمسطرة الصفقات العامة أو حتى سندات الطلب. أما طرق تحصيلهم لهذه الأموال المخزنة للطوارئ فتحتاج لأساليب من قبيل ما سيأتي.

ثانيا: لأغلب المدبرين «أصدقاء» من أصحاب الشكارة، مقاولون أو أعيان محليون أو تجار كبار، يُعتبرون طوق نجاة بالنسبة لهم، فعندما يقرر وال أو عامل أو وزير أو  سفير أو مسؤول في قطاع سيادي القيام بزيارة بمناسبة معينة لمؤسسة تعليمية أو بسبب حادثة تثير جدلا إعلاميا، فإن وقت التحرك يكون ضيقا جدا، لذلك يجب على آمري الصرف التوفر على الأموال نقدا للتصرف: صباغة المرافق، إقامة حفل استقبال أو غداء أو مبيت أو اقتناء جوائز وهدايا أو دفع تعويضات مالية مباشرة.

ولنذكر هنا حادثة، قد يعتبرها بعضهم «ذكاء إداريا»، وهي لمدير أكاديمية تقاعد قبل سنوات قليلة، فوجئ بإضراب يخوضه مفتشون بسبب تأخر تعويضات سابقة، لعلمهم أنه يُعول عليهم لتأطير دورة تكوينية سيفتتحها ممثل منظمة دولية شهيرة ويؤطرها خبراء أجانب. لذلك، ولتفادي الإحراج، اتصل مدير الأكاديمية المذكور بـ«الحاج»، وهو مقاول كبير، ليتوصل منه بملايين السنتيمات في حقيبة، ليقوم بتسليم التعويضات للمفتشين نقدا، وبعدها مباشرة التحق هؤلاء بقاعة التكوين فرحين و«مُحفّزين»، مستعدين لحفر الآبار لو طُلب منهم ذلك.

لسنا هنا في حاجة لنتساءل كيف ومن أين رد هذا المسؤول هذا القرض «السخي»، وما طبيعة «الشُّكر» الذي مُنح للمقاول «الكريم».

ثالثا: يتعاقد أغلب المدبرين في قطاع التعليم مع مطاعم وفنادق ومقاولات لتنظيم المناسبات (des traiteurs)  مستعدين لجلب «لبن العصفور» لو طُلب منهم ذلك، وهؤلاء يتلقون أموالهم بعد هذه المناسبات بـ«سخاء». لسبب بسيط هو أن ما يُقدم في المناسبات والاحتفالات يدخل في إطار المستهلك  (le consommable). فلجان المراقبة لن تقتفي آثار المدعوين لتفحص أمعاء «الآكلين» عن حجم وجودة ما أكلوه، و«الشاربين» عن جودة وحجم ما شربوه. لذلك من الطبيعي أن يتم تسعير لتر من عصير «الحْوانت» بـ 100 درهم تحت مسمى «عصير طبيعي».

لذلك لا نستغرب أن بعض هؤلاء المسؤولين يعتمدون مقاولات أقربائهم وزوجاتهم وأبنائهم.

رابعا: أغلب الآمرين بالصرف يتلقون «هدايا» من مقاولين. فالمطبعات تهدي الموسوعات والمحفظات الجلدية الفاخرة والأقلام الذهبية الحقيقية، ومقاولو البناء يصبغون المنازل الخاصة لبعض المسؤولين أو لأقربائهم مهما كانت المدينة، وقد يطلب مسؤول من مقاول إنشاء حديقة للفيلا أو وضع مصعد للعمارة، ولا يمكن للعفاريت الماردة أن تكتشف مسارات هذه «الهدايا» السخية».

خامسا: أغلب المسؤولين يستعملون سيارات الدولة لقضاء أغراضهم الشخصية، بل خارج أوقات العمل، ولو أراد بنموسى أن يعرف حجم هذه الكارثة، فما عليه إلا أن يطلب من المصالح الأمنية مدَّه بأرقام سيارات وزارته التي تتواجد كل ليلة في محيط الحانات والنوادي الليلية والمطاعم الفاخرة في مختلف المدن، حينها سيعرف حجم منسوب الحكامة في قطاعه.

سادسا وأخيرا: مصالح التفتيش المركزية والجهوية والإقليمية ليست مستقلة، فهي تتحرك بأمر من المسؤول الإداري المباشر. فكيف لمسؤول أن يطلب منها تفتيشه؟ لذلك لا تتحرك لجان التفتيش إلا عندما تقع كارثة أو فاجعة، أو للانتقام. وعندما يسمع مسؤول ما أن لجنة تفتيش ستزوره يفهم أن موعد رحيله قد حل، ليشرع في جمع أمتعته والتفكير في تقاعده، وإلا فإن الملفات ستظهر من العدم، لأنه فعليا «اللي مادايرش بزاف داير شوية».

//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////

رقم:

1.1 مليون

في انتظار الأرقام الرسمية التي ستصدر هذا الأسبوع، تعرف أعداد تلاميذ القطاع الخاص ارتفاعا مضطردا مباشرة بعد الخروج من جائحة كورونا..، حيث تستقطب مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي في المجموع حوالي 1.1 مليون تلميذ؛ 37 ألفا منهم يتمدرسون في صفوف المؤسسات التابعة للأنظمة الأجنبية الموجودة بالمغرب، أي ما يمثل 0.5 في المائة من مجموعة التلاميذ. تعتمد المؤسسات التعليمية الخصوصية، حسب معطيات الموسم الدراسي الماضي، على أزيد من 104 آلاف و533 شخصا يشتغلون لديها؛ 54 ألفا و557 منهم قائمون على مهام التدريس، و32 ألفا و447 مكلفون بالمهام الخدماتية من نقل وحراسة ونظافة، و17 ألفا و529 إداريون ومشرفون تربويون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى