مراكش: عزيز باطراح
بعدما كشفت «الأخبار» عن تفاصيل رفض الخازن الإقليمي لمراكش، التأشير على دفاتر التحملات الخاصة بخمس صفقات عمومية من أجل إصلاح وترميم مجموعة من البنايات التاريخية بالمدينة الحمراء، لما اعتراها من اختلالات وأخطاء إدارية وتقنية مخالفة لمدونة الصفقات العمومية، عممت وزارة الثقافة على جميع موظفيها دورية مهددة عبرها بالعواقب الوخيمة المترتبة عن إفشاء السر المهني.
وبحسب مصادر عليمة، فإن الدورية الموقعة من طرف الكاتب العام لوزارة الثقافة بتاريخ 26 غشت الجاري، جاءت عقب كشف «الأخبار» عن فداحة الأخطاء المهنية والتقنية التي طالت دفاتر التحملات الخاصة بهذه الصفقات المقدرة قيمتها بملياري سنتيم، والتي سجل الخازن الإقليمي بشأنها حوالي 40 ملاحظة، بالرغم من أن مصالح وزارة الثقافة بمراكش، كلفتها الدراسة وإعداد دفاتر التحملات المنجزة من قبل خمس مكاتب دراسات حوالي 100 مليون سنتيم. وبدل فتح مصالح وزارة الثقافة بحثا داخليا للتأكد، أولا، من صحة المعلومات والمعطيات التي نشرتها الجريدة، وإعمال القانون ومحاسبة المتورطين في هذه الاختلالات والأخطاء المهنية والتقنية الفادحة التي تسببت في تعثر عملية إصلاح وترميم مجموعة من البنايات التاريخية بمراكش، والمبرمجة في إطار المشروع الملكي الخاص بتثمين المدينة العتيقة لمراكش، فقد لجأت إلى أسلوب التهديد والوعيد في حق كل من تورط في إفشاء السر المهني، اعتقادا منها أن هذه المعطيات تم تسريبها من داخل إدارتها.
وتزامنت الدورية التهديدية، أيضا، مع ما كشفته الجريدة عن فضيحة احتلال أبراج أسوار مراكش، وتحويلها إلى ملكية خاصة من طرف أرباب أزيد من 500 منزل ورياض، أمام صمت المسؤولين المحليين، بما فيهم وزارة الثقافة الوصية على هذه المعلمة التاريخية والحضارية. وكان الخازن الإقليمي لمراكش قد رفض التأشير على دفاتر التحملات الخاصة بخمس صفقات عمومية تهم إصلاح وترميم بعض المآثر التاريخية، بعدما سجل في شأنها حوالي أربعين ملاحظة، لعل من بين أهمها عدم تأشير محافظة الآثار بمراكش، المسؤولة المباشرة عن هذه الصفقات، على دفاتر التحملات، إضافة إلى عدم تأشير مكاتب الدراسات عليها، ما يعني أنها مرفوضة قانونا.
كما أن الخازن الإقليمي وقف عند عملية التأهيل والتنقيط للمقاولات، التي اعتمدته مكاتب الدراسات، والذي يخالف روح قانون الصفقات العمومية، إذ بالاعتماد على عملية التنقيط هذه، من شأنه أن يقلل من حظوظ مقاولات ويقوي من حظوظ أخرى، في مخالفة واضحة لتكافئ الفرص والمنافسة الشريفة بين المقاولات بحسب مدونة الصفقات العمومية.
وسجل الخازن الإقليمي على دفاتر التحملات المذكورة كون مكاتب الدراسات التي أنجزتها اعتمدت على قوانين تم تغييرها منذ سنوات، ما يكشف عن كون مكاتب الدراسات وبعض أطر الوزارة بمراكش غير مواكبين لمستجدات مدونة الصفقات العمومية. وبالرجوع إلى ملاحظات الخازن الإقليمي، فإن من بين أسباب رفض التأشير على دفاتر التحملات لهذه الصفقات، كون الدراسة لم يتم تعزيزها باستشارة معمارية، كما تنص على ذلك المادة 95 من مدونة الصفقات العمومية، والتي تلزم صاحب الصفقة المتعلقة ببناء أو تهيئة أو ترميم، أن يعتمد على استشارة معمارية من قبل مهندس معماري. كما أن الخازن سجل عدم توصله بأي تصميم خاص بالمنشآت والبنايات التاريخية المراد ترميمها وإعادة تهيئتها، وهو ما يكشف عن كون المسؤولين عن إعداد الملفات الخاصة بهذه الصفقات، غير مؤهلين إداريا وقانونيا.
إلى ذلك، فمن شأن عدم تأشير الخازن الإقليمي على دفاتر التحملات الخاص بالصفقات الخمسة المذكورة، أن يعثر عملية الترميم وإعادة تأهيل مجموعة من البنايات التاريخية في إطار المشروع الملكي الخاص بتثمين المدينة العتيقة لمراكش، والتي سبق وأن أشرف عليه الملك محمد السادس خلال شهر أكتوبر من سنة 2018.