بعد توجيهات خطاب العرش.. أمزازي يعين كفاءات شابة بمسطرة التباري لأول مرة في القطاع
المصطفى مورادي
شهد المجلس الحكومي الأخير تعيين ثلاثة مسؤولين كبار بوزارة التربية الوطنية، في أولى خطوات سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية، لتجديد دماء الإدارتين المركزية والجهوية. حيث تم تعيين عبد السلام ميلي مديرا لمديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، كما تم تعيين خالد بنيشو مديرا لمديرية الشؤون القانونية والمنازعات، ثم تعيين عبد العاطي الأصفر مديرا لأكاديمية جهة كلميم واد نون. هذه التعيينات الثلاثة، والتي ستتلوها مجموعة من العمليات الأخرى، من قبيل التعيينات والتنقيلات والإعفاءات، تشكل في نظر المهتمين بالشأن التربوي حرصا من طرف وزير القطاع على تنفيذ الأوامر الملكية بخصوص تشبيب الإدارة وتغليب معايير الكفاءة والنزاهة وتكافؤ الفرص في اختيار المسؤولين، بعد سنوات طويلة كان المعيار عموما هو المحاباة. اللافت في التعيينات الجديدة، هو أن هناك قاسما مشتركا بينها، وهو أن الأسماء المستفيدة منها تدرجت في سلم الهرم الإداري من الدرجات الدنيا، وهذا ما يطوي نهائيا صفحة الوزيرة السابقة لطيفة العبيدة، والتي استقدمت أطرا تقنية لا علاقة لها بالقطاع من وزارة المالية وعينتهم في أكبر المديريات بوزارة التربية الوطنية. هذه الصفحة والتي استمرت أكثر من ثماني سنوات على الرغم من مغادرة الوزيرة السابقة للقطاع، مباشرة بعد مجيء حكومة عبد الإله بنكيران.
ترقية أبناء القطاع بالتباري لأول مرة
بعد فترات فراغ متفاوتة، شهدت مناصب المسؤولية حركية بعد أشهر قليلة على الخطاب الملكي للعرش، والذي أمر الحكومة بـ«تجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية بكفاءات وطنية عالية المستوى، على أساس يستحضر الكفاءة والاستحقاق». وحرص سعيد أمزازي مباشرة بعد الدخول الدراسي الحالي على الشروع في تطبيق منهجية جديدة في تولي المسؤوليات بوزارته، منهجية تتجلى في تكريس معيار التباري في تولي المناصب، بعد أن كانت التعيينات المباشرة سيدة الموقف. لتصبح منهجية تعيين مدير مديرية الموارد البشرية هي الأصل بعد أن كانت استثناء، لكون هذا المسؤول هو الوحيد الذي جسد تعيينه طفرة حقيقية في الحكامة الإدارية. حيث تم الإعلان عن مباراة تولي مختلف المسؤوليات بشكل شفاف، وخضعت ملفات كل المتباريين للدراسة الدقيقة والمتخصصة من طرف خبراء من داخل القطاع ومن خارجه. قبل أن يتم استدعاء المتفوقين لاجتياز المقابلات الشفوية، والتي أدت إلى اختيار الأسماء الأكثر كفاءة واستعدادا لتولي المسؤوليات في مرحلة حساسة من تاريخ القطاع تحتاج فعلا إلى كفاءات وثقافة تدبيرية جديدة. الوجوه «الجديدة» ليست جديدة على القطاع. فعبد السلام ميلي الذي تم تعيينه مديرا لمديرية الارتقاء بالحياة المدرسية، هو أستاذ مبرز في التربية البدنية قبل أكثر من عقدين، حيث شغل منصب مدير مركز تكوين الأساتذة بتازة، والذي كان يحتضن مسلكا لتكوين مدرسي لهذه المادة. وعُد حينها أصغر مسؤول إداري في المنصب الذي شغله. بعدها شغل المسؤول الجديد عن الرياضة المدرسية مهاما إدارية وتربوية عديدة على طول السنوات العشر الماضية، آخرها تولي مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الدار البيضاء سطات، والذي يضم سبعة مراكز تكوين. ليبصم على فترة اعتبرها كثيرون فترة ذهبية في تاريخ هذا المركز. عبد السلام ميلي أيضا كان لفترة طويلة عضوا في لجنة التبريز وأيضا خبير في مجال هندسة المناهج والبرامج، سيما مناهج تكوين الأطر.
أما التعيين الثاني، والمتمثل في تعيين خالد بنيشو مديرا لمديرية الشؤون القانونية والمنازعات، هو تعيين لأحد أكثر الكفاءات القانونية والتشريعية المشهود لها بالاجتهاد والذكاء القانوني. هو أيضا تدرج في مختلف مناصب المسؤولية من رئيس مصلحة، مرورا برئيس قسم مختص في مجال القانون والتشريع، وصولا إلى تكليفه بمديرية الشؤون القانونية بشكل مؤقت بعد استقالة المسؤول السابق وعودته إلى وزارته الأصلية، وزارة المالية. هذا المسؤول الجديد ساهم بشكل كبير في إصدار العشرات من النصوص القانونية المختلفة التي يستند إليها اليوم في القطاع. لذلك ينظر المتتبعون لتعيينه على أنه طي لصفحة «النكران الوظيفي»، والتي كانت تهمش الكفاءات داخل القطاع على حساب مسؤولين لهم علاقات شخصية مع هذا الوزير أو ذاك. كما كان إبان مرحلة ما يعرف بالبرنامج الاستعجالي. أما بخصوص تعيين عبد العاطي الأصفر مديرا لأكاديمية كلميم، فالأمر يتعلق بعملية أشبه بترقية مستحقة. فالمسؤول الجديد بدأ مشواره التدبيري رئيسا لمصلحة تدبير الموارد البشرية بأكاديمية سوس ماسة، ثم رئيسا لمصلحة الشؤون التربوية بالأكاديمية ذاتها، ليتم تعيينه بعد ذلك مديرا إقليميا في سيدي إفني سنة 2016. وعقب استقالة مدير الأكاديمية السابق عبد الله بوعرفة أواخر السنة الدراسية الماضية، عين الأصفر مديرا مؤقتا على رأس هذه الأكاديمية، والآن يتم تعيينه رسميا.
في الطريق لإنهاء الانقسامات والصراعات
المنهجية التي اعتمدها أمزازي في تجديده الإدارة بالوزارة، رأى فيها العديد من المطلعين على دواليب التعليم آلية، ليس فقط لترسيخ الحكامة الإدارية في قطاع عانى لسنوات طويلة من الارتجالية في التعيينات والإعفاءات والتنقيلات، بل وأساسا آلية لاستعادة الهوية الإدارية الموحدة للفريق المركزي للوزارة، بعد سنوات كانت الانقسامات والصراعات سيدة الموقف بين المسؤولين المركزيين، والذين كانوا دوما يشتغلون بمنطق الأحلاف. وقد بدا هذا واضحا في علاقة التوتر بين المسؤولين المحسوبين على القطاع، أو ما يعرف بـ«أولاد الدار» والمسؤولين المحسوبين على قطاعات أخرى، والذين تم إسقاطهم بمظلات التعيينات المباشرة في الإدارة المركزية دون أن تكون لهم سابق معرفة به. ويسجل المتابعون للشأن التربوي عدة محطات لهذا التوتر، أبرزها إبان تقسيم ما يعرف بمشاريع التدابير ذات الأولوية في عهد الوزير السابق رشيد بلمختار. اعتماد منهجية الكفاءة في تولي المسؤوليات سيشمل، حسب مصادر الجريدة عدة مناصب لا تزال حتى الآن شاغرة أو في طريقها إلى أن تصبح شاغرة، كالكتابة العامة، حيث بات مؤكدا مغادرة الكاتب العام الحالي لمنصبه، بعد سنوات طويلة من تدبير مختلف المحطات التي مرت منها الوزارة، حيث نجح باقتدار مرارا في تدبير مختلف لحظات التوتر بين أجنحة الإدارة المركزية. ثم مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط التي استقال مديرها، قبل أشهر. ومديرية الشؤون العامة والميزانية والممتلكات التي غادرها مديرها إلى منصب كاتب عام في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. فضلا عن مديرية هامة هي مديرية التعاون والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي، هذه المديرية التي استقال مديرها لأسباب شخصية في نهاية السنة الدراسية الماضية، وتعرف الآن تنافسا بين العديد من المسؤولين الحاليين، لكونها المديرية المشرفة على مشروع ملكي رصدت له ميزانية ضخمة هو مشروع تعميم التعليم الأولي.
بقدر ما ثمن المتتبعون المنهجية الجديدة التي اعتمدها أمزازي في تعيين المسؤولين الجدد، بقدر ما سجلوا أيضا استمرار وجود انتظارات أخرى تخص مراجعة مرسوم رقم 2.02.382 الصادر في 15 يوليوز 2002 بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة التربية الوطنية، خصوصا وأن التحديات التي تواجه القطاع الآن تفرض إبداع هيكلة إدارية جديدة تصحح الاختلالات الإدارية التي عرفها القطاع، والتي سمحت باعتماد هيكلة «وظيفية» بسبب قصور الهيكلة الرسمية. الحاجة إلى هذه المراجعة تنبع من ضرورة القضاء نهائيا على ما يعرف بالمديريات المكلفة، فإذا كانت الحاجة قائمة لمديريات مثل التواصل والحياة المدرسية والدعم الاجتماعي بسبب أهميتها اليوم، فإن توجيهات الملك بمناسبة عيد العرش تفرض أن يشملها هي أيضا التباري لتصبح مديريات رسمية شأنها شأن باقي المديريات، خصوصا وأن القطاع يزخر بالعديد من الكفاءات، سواء تلك التي مارست مهامها في مناصب مديرين مكلفين، أو كفاءات شابة جديدة تنتظر الفرصة لتثبت قدرتها على أن تقدم إضافات نوعية لهذا القطاع.