حسن البصري
إلى جانب تضحيات الأطفال وعائلاتهم، هل كانت هناك تضحيات من الأطر التقنية والإدارية لمحطة عين الشق؟
كان التطوع يدفعهم لتجاوز دوامهم اليومي وساعات عملهم. كان الإخوة التقنيون يسهرون إلى جانبي لأوقات متأخرة من الليل قصد إنجاز الأعمال الفنية. لم يسبق لهم أن طلبوا تعويضا أو رشوة. هنا لابد من الوقوف للترحم على من وافتهم المنية على غرار محمد الولاد تقني الكاميرا، وعبد الرحمان بن حدو تقني الصوت، وإدريس البطيلي منفذ الإخراج والبشير الفاسي وأنا أحيي عطاءهم وأرواحهم وأدعو لهم بالرحمة والمغفرة. طبعا لا يمكن أن أنكر مساهمة مدير محطة عين الشق واكريم، الذي عبأ جميع التقنيين لدعمي، وضمنهم ناصر لهوير وعمر بلقايد، وعبد الحق وادان والشوري، وعبد اللطيف بن شقرون ونور الدين الصايل حين كان مديرا. وهو أول مدير يمنحني تسبيقا ماليا في وقت كنت أؤمن حاجات العمل بالقروض.
كم كان مبلغ «كاشي» الحلقة الواحدة من برنامج «عمي ادريس»؟
700 درهم للحلقة الواحدة، كيف ستوزع هذا المبلغ على فريق عمل يضم حوالي 60 فردا، من بينهم 30 طفلا. هنا لا بد أن أشير إلى الدور الذي كان يلعبه عبد اللطيف حكمت في توزيع المنح البسيطة على المشاركين في العمل، وحرصنا، أيضا، على منح هدايا للأطفال تفيدهم في مسارهم الدراسي بدل النقود، مثلا آلات حاسبة، كتب، مراجع وغيرها.
من الصعب صناعة دراما خاصة بالطفل، أليس كذلك؟
لست الوحيد الذي أخرج هذا العمل إلى الوجود، لأنه من الصعب إنجاح دراما خاصة بالطفل. أتمنى أن يبادر أحد المنتجين بإنتاج دراما خاصة بالطفل وسأكون له شاكرا. لكن لا بد من الإشادة بكل من ساندني، أمثال حكمت عبد اللطيف وصلاح الدين الأيوبي منذ بداية طموح لقاء الجمهور. أكملت المشوار منذ 1976 مع أصدقاء يعشقون مسرح الطفل من قبيل عبد اللطيف الراضي، عاقل محمد، عبد المجيد مشفق، المخرج التلفزيوني وعضو مجموعة السهام، الذي أنجزت رفقته ست أغاني من أجمل أغاني الأطفال لازالت في الخزانة الموسيقية. وأتمنى، بالمناسبة، أن أتوصل إلى اتفاق مع التلفزة المغربية أتسلم بمقتضاه أرشيفي الموسيقي والمسرحي قصد تعميمه عبر اليوتيوب. لقد كانت العلاقات المهنية نظيفة، إذ لم يسبق لأي زميل بطاقم استوديو عين الشق أن طلب مني رشوة مثلا.
هل عانيت ماديا لإخراج أعمالك التلفزيونية إلى الوجود؟
كنت دوما أسعى للمبادرات الفنية، دون أن أقرأها من جميع الجوانب. مرة اتصل بي مسؤول في التلفزيون عبر الهاتف، وقال لي هل من جديد؟ فأخبرته أنني بصدد إعداد خمس حلقات حول الطفولة في وضعية صعبة، وتحديدا أطفال الشوارع في حياتهم القاسية وأحلامهم. ومن أجل هذا العمل الفني غير المسبوق على مستوى التلفزيون، اقترضت مبلغا ماليا قدره 75 ألف درهم وبعت سيارتي وكل ما هو قابل للبيع من محتويات البيت لأكمل إنتاج العمل، لكن في نهاية المطاف وجدت نفسي مطوقا بالديون، وحين طلبت من إدارة التلفزيون الإفراج عن الحلقات الخمس لم أتلق ردا، والحقيقة أن هذه الواقعة كانت غلطة عمري، لأنني تعاملت مع مؤسسة بمنطق الثقة ولم أوقع عقدا، «ضربني تران» كما يقال لكني تعلمت درسا سيفيدني.
بعد غياب طويل ستعود إلى التلفزيون..
بعد نجاح «عمي ادريس» سأحاول العودة إلى التلفزيون بعمل جديد عام 1989، لكن كانت ثمة مطبات في طريقي، فقد أصبت بكسر في الرجل ومرضت فلذة الكبد وكانت في أمس الحاجة لعملية قلب مفتوح كلفت 11 مليون سنتيم. سأقترض من جديد قبل أن يتدخل أحد المحسنين. دخلت إلى التلفزيون بسيطا، إلا أنني غادرته بدون أي شيء. هل تعرف المغزى من وراء بيع جهاز التلفزيون الذي كنت أملكه حتى أوفر أموالا لإنجاز عمل تلفزيوني؟
هل يمكن تفادي مثل هذه المواقف؟
كما أسلفت الذكر، فإن الدراما الخاصة بالطفولة في أمس الحاجة لمنتج يثق في واضعي العمل وكاتبي السيناريو وفريق العمل. رحلاتي غير المنتظمة للقاء أبنائي الكثيرين من أطفال المغرب لا تكلفي الكثير لأن العرائس تنوب عن الممثلين، إن لم نقل تعفي من بعض المصاريف، لأن الدمية التي تصحبني لا تطلب غرفة نوم خاصة، ولا تحتاج طعاما أو تعويضات عكس البعض الذي يجعلك تقضي عمرك في صرف أموال أسرتك على الآخرين.