بطل الشطرنج العالمي في ضيافة المغرب
غمرت النقيب محمد التبر سعادة طافحة، وهو يشرح لصديقه القديم المعطي بوعبيد، كيف أنه يستطيع أن ينازل البطل العالمي في لعبة الشطرنج، السوفياتي كاربوف. كان مكتبا النقيبين متقاربين على بعد خطوات في شارع يتقاطع مع زنقة الأمير مولاي عبد الله في الدار البيضاء. وبينما كان بوعبيد يهوى أن يرشف قهوة المساء على سطح مقاهي ذلك الفضاء، كان التبر صارما، يفضل أن يطبخ قهوته في مكتبه. احتفظ بهذه العادة، وعندما زرته يوما في مكتبه رفقة وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري الذي كانت تراوده فكرة فتح مكتب للمحاماة، يصرف فيه فائض الوقت الزائد لديه، قدم فناجين قهوة، أرفقها بنصائح عن فوائدها عندما تمزج بنسائم أعشاب وتوابل أصلية.
لم يلتق النقيبان منذ فترة، باعدت بينهما منعرجات السياسة والالتزامات المهنية، وسأل بوعبيد زميله كيف يمكنه أن يفحم البطل العالمي الذي عجزت عقول إلكترونية وقتذاك عن دفعه لرفع الراية البيضاء. لم يتردد التبر في القول: «ألا تذكر أننا هزمنا حكومة الحاج أحمد أبا حنيني؟»، في إشارة إلى تقديم ملتمس الرقابة من طرف الكتلة النيابية للاتحاد الوطني التي كانا نائبين فيها. ثم اتجه إلى تبسيط الأشياء عبر الطرافة، وقال: «إن براعة الغش أكبر من أن يتم تخطيها في كل المنافسات الرياضية». فقط كان يزايد في الكلام، فهو لاعب شطرنج ماهر، كان يقصد بيته كبار اللاعبين الهواة، من محامين ورجال أعمال وصداقات. وحاول منذ وقت مبكر تأسيس نواد للشطرنج في الدار البيضاء والرباط، واقترح على صحافة المرحلة أن تخصص بعض مساحاتها للتعريف بلعبة الأذكياء. وكثيرا ما أوضح أنها رياضة تتعين رعايتها منذ الصغر.
لم يكن بوعبيد لاعب شطرنج أو حتى «الكارطة» التي لها روادها من بين عالم الكبار المتنفذين، كان يهوى كرة القدم ويجيدها، لأنها أصل الرياضات. وسأل مرة وزير الصيد البحري بن سالم الصميلي في لقاء عابر بالشارع نفسه، ألازلت بطلا في لعبة الورق؟ فرد عليه بلكنة فاسية تحيل الراء إلى غين قائلا: «إن أمهر الصيادين يتعلمون الصبر من لعبة الورق، فهي تفرض استشراف أوراق الخصم، كما الصيادون يستشرفون مكامن تجمع الأسماك في البحر». ونصحه قبل وداعه بأن أكل السمك يكون أفضل بعد استخراجه من البراد وليس من البحر مباشرة، لأن الثلج يقتل كل ما يعلق بزعانفه.
تدخلت بطريقة فضولية، بأن بعض الفيروسات تختفي وراء درجات البرودة العالية، كما في حالة الإصابة بالأنفلوانزا، فرد الصميلي ضاحكا: «وأي علاقة بين الصحافة والطب؟». وكنت سألت الدكتور عبد الرحيم الهاروشي يوما في بيته عن العلاقة بين الطب والسياسة، فجاء جوابه: «أن المثل يقول في فمه ماء، ولا ينطبق الأمر على الكأس التي يتعين دائما إضافة جرعات ماء إليها».
في مناسبة الإعداد لزيارة البطل العالمي في الشطرنج كاربوف، سأعرف أن هناك اهتماما أكبر برحلته المغربية، ولا أعلم إن كان بوعبيد زار المحامي التبر لإبلاغه رسالة بهذا الشأن، لكني أستطيع أن أجزم أن علاقاته ومراجع القرار على مستوى أعلى، لم تنقطع في أي وقت. وصارحني بهذا الصدد أن منافسات الشطرنج تستقطب زعامات العالم، وأن الملك الراحل الحسن الثاني كان وراء فكرة دعوة البطل كاربوف إلى بلاده، لأنه كان يرى أبعد من الرياضات الذهنية، أنها تقتحم المجاهل الصعبة، فحتى الدول المتخاصمة مع بعضها، وجدت طريق التفاهمات سالكة عبر منافسات رياضية تزيل الحواجز النفسية. ولم تكن أول قفزة من واشنطن في اتجاه بكين في ذروة الحرب الباردة بعيدا عن قفزات الرياضيين، وإن شملت كرة الطاولة التي يبرع فيها الصينيون. كما صار الأمريكيون مولعين بكرة القدم، بعد اكتشاف أنها اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
حكيت لصديق قصة عميد فريق لم يقدر على قول الحقيقة لما سئل عن نتيجة مباراة في كرة القدم، واختار لذلك القول: «ربحنا في الشوط الأول وخسرنا في الشوط الثاني»، وحاججني إن كنت أقدر احتساب ثقل كرة القدم. إلا أن الأمر بالنسبة للشطرنج يبدو مختلفا. فهي أقرب إلى ترسيم استراتيجيات الحروب على الطريقة التقليدية، يوم كانت المواجهات مثل النزالات تكون مباشرة، قبل أن تنوب التكنولوجيا الأكثر تقدما عن السواعد والأيادي التي تضغط على الزناد وتوجه الأهداف.
لكن وزير التربية الوطنية عز الدين العراقي، الذي كان يدير القطاع مثل عيادة، قبل أن تتم ترقيته وزيرا أول، لأنه خالف حزب الاستقلال في قرار الانسحاب من حكومة المرحلة. فكر يوما في دمج منافسات الشطرنج ضمن الألعاب الرياضية المدرسية، ومع أنه لم يكن هاوي شطرنج، لأنه كان يفضل الوحدة، فقد أدرك أن هناك اهتماما باللعبة.
من قال إن الشطرنج لم يكن هواية مفضلة لتقريب وجهات النظر بين الرباط وموسكو؟